جدل حول تصدر إسرائيل “يوروفيجن” و RTVE تطالب بالتحقيق في نظام التصويت
ف ز فراتي – برشلونة
في وقت كان يفترض فيه أن تبقى المسابقات الفنية بعيدة عن التجاذبات السياسية، جاءت نتائج “يوروفيجن 2025” لتكشف واقعًا مختلفًا، حيث امتزج الفن بالمواقف السياسية، واختلطت المشاعر الإنسانية بالحسابات الجيوسياسية.
و في ليلة إعلان النتائج، فوجئ الجمهور الأوروبي والإسباني على وجه الخصوص بتصدر إسرائيل تصويت الجمهور، حيث حصلت على 297 نقطة، متجاوزة بذلك دولًا معروفة بقوتها الفنية كإستونيا والسويد. هذه النتيجة أثارت دهشة الكثيرين، خاصة وأن لجنة التحكيم لم تمنح إسرائيل سوى 60 نقطة، ما يعكس فجوة واضحة بين التقييم الفني والرأي الجماهيري.
ولأن هذه الفجوة لا يمكن تجاهلها، سارعت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية (RTVE) إلى التعبير عن قلقها، مطالبة بفتح نقاش داخل الاتحاد الأوروبي للإذاعة والتلفزيون (UER) بشأن مدى ملاءمة نظام التصويت الحالي، ومدى تأثره بالأحداث الدولية والنزاعات المسلحة.
فمن اللافت أن هذا التصويت الجماهيري لصالح إسرائيل جاء في ظل استمرار الحرب في غزة، حيث تتوالى الأخبار عن سقوط آلاف المدنيين وتدهور الأوضاع الإنسانية. في الوقت الذي كانت فيه المغنية الإسرائيلية يوفال رافائيل تعتلي منصة “يوروفيجن”، كانت صور القصف والدمار في غزة تملأ الشاشات في كل أنحاء العالم، ما جعل كثيرين يرون أن مجرد مشاركة إسرائيل في المسابقة يمثل استفزازًا لمشاعر ملايين المشاهدين.
ورغم أن الإعلام الغربي ركز على رواية يوفال باعتبارها “ناجية من هجوم حماس”، إلا أن هذا الخطاب، بدا للكثيرين محاولة متعمدة لاستثمار العاطفة وتوجيه الرأي العام بعيدًا عن الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين.
حيث لم تقف الأمور عند حدود التعبير عن القلق. فقد كشفت RTVE في تطور جديد عن طلبها فتح تحقيق داخلي عاجل حول منح 12 نقطة كاملة لإسرائيل من تصويت الجمهور الإسباني. وهو ما اعتبره الكثيرون نقطة تحوّل في تعاطي الإعلام الرسمي مع الحدث، خاصة في ظل التوجه الشعبي المتضامن مع فلسطين داخل إسبانيا.
وهنا نطرح سؤال جوهري: هل كانت تلك النقاط تعبير عن إرادة حقيقية للجمهور الإسباني ؟ أم نتيجة تدخل خارجي أو حملة ممنهجة للتأثير على نتائج التصويت؟ إن توقيت هذا التصويت، وتناقضه مع المواقف الشعبية والسياسية الإسبانية، يفتحان الباب أمام فرضيات متعددة، كلها تصب في خانة التشكيك.
في هذا السياق، يرى بعض المحللون أن إسرائيل أصبحت تمارس نوع من القوة الناعمة عبر الفن والإعلام، إذ تسعى إلى كسب الدعم الغربي من خلال روايات إنسانية مركّبة، تغفل الجانب الأهم من القصة. حيث حوّلت المنصة الفنية إلى أداة لفرض خطاب أحادي لصالحها.
هذا التحليل يعزز موقف RTVE التي رأت أن نظام التصويت الحالي بات هشًا أمام التأثيرات الخارجية، وأن الفن فقد حياده، عندما أصبح رهينة للحملات العاطفية الموجهة.
إن مطالبة RTVE بالتدقيق، خصوصا في تصويت إسبانيا، تعكس رغبة حقيقية في استعادة الثقة بمصداقية المسابقات الدولية. فحين يشعر الجمهور أن صوته قد تم التلاعب به، أو أن النتائج لا تعبّر عن قناعاته، تتزعزع صورة الفن كمجال مستقل ونزيه.
وربما تحمل هذه المطالب الإسبانية دلالات أعمق، تكشف أن استغلال المشاعر الإنسانية وتوظيف القصص الفردية لم يعد يهدف فقط إلى كسب التعاطف، بل أصبح أداة لتحقيق مصالح جيوسياسية تصب في صالح أطراف بعينها. ففي عالم تتداخل فيه السياسة بالإعلام، لم يعد غريبا أن تتحول المعاناة إلى وسيلة لتبرير النفوذ، وواجهة تستثمر لتطويع الرأي العام بما يخدم أجندات دولية محددة.