الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

حين تكون السياسة الحكومية هي المسؤولة عن  العنف و الفوضى و ضرب الحرية وحقوق الإنسان

 

 

البدالي صافي الدين/المغرب 

 

 

شهد فصل الربيع هذه السنة تساقطات مطرية مهمة تبشر بعام فلاحي يعوض السنوات العجاف، لكن ما صاحب هذه الأيام، أيام الغيث، مظاهر الفوضى العارمة في الشارع العام و المؤسسات العمومية و أيضا تعدد مظاهر العنف والجرائم التي لم يسبق للمغرب أن شهد مثلها و في مقدمتها القتل العمد و الاغتصاب و السرقة الموصوفة و ترويج المخدرات بالأطنان وسط البلاد عبر الشاحنات و السيارات، و أصبح تناولها مباحا في المقاهي و في الأحياء. هذا بالإضافة إلى الفوضى في السير و الجولان، مما تسبب في كثرة الحوادث القاتلة، و في احتلال الملك العمومي والبناء العشوائي بضواحي المدن.

 

هنا نطرح السؤال، ماهي أسباب هذه المظاهر التي تنذر بخطر أصبح يتربص بالبلاد، مظاهر تتعارض و دولة الحق والقانون و دولة السلم و الأمان ؟

إن الإجابة على السؤال تتطلب منا الوقوف عند الأسباب الحقيقية وراء هذه المظاهر، لكن قبل ذلك لا بد أولا من استحضار الدول في علاقاتها مع التربية على تخليق الحياة العامة و التأهيل الاجتماعي والفوضى العارمة، ثانيا نقف عند سياسة الدولة المغربية في علاقتها مع التربية الاجتماعية والأسباب المؤدية إلى هذه الفوضى العارمة.

 

أولا : إن سياسة الدول في علاقتها مع التربية و التأهيل الاجتماعي تختلف من دولة إلى أخرى، حسب الاختيارات السياسية، إذ أنه في الدول التي تنعم بالديمقراطية الحقة و التي تعتبر بأن الفصل بين السلط شرط أساسي لضمان قيام دولة الحق و القانون و المساواة في الحقوق و الواجبات، في مثل هذه الدول يجد الشعب نفسه في حماية الدولة من سوء إعمال القانون و من الشطط في استعمال السلطة و من الاستبداد و من مخاطر الفساد السياسي و الأخلاقي، كما يجد نفسه يتمتع بحقه في تقرير مصيره السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و مستعدا لأداء واجباته الوطنية تجاه الدولة و مشاركا سياسيا عبر اختياره الديمقراطي للبرنامج الانتخابي الذي يجد فيه مستقبل البلاد و الجيل الصاعد لا المصلحة الخاصة.

 

في هذه الدول يكون فيها الدستور هو الأسمى و المرجع الأساسي للفصل في الخلافات القانونية أو التشريعية، والمؤسسات تؤدي دورها الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي على أحسن وجه، إرضاءا للمواطنين والمواطنات والاستجابة لحاجياتهم، فالجماعات الترابية والمؤسسات التعليمية والصحية تقوم بتنظيم الحياة العامة والمحافظة على أمن المواطنين و المواطنات وتقديم خدمات دون تمييز أو لأغراض انتخابية. فهي، أي هذه المؤسسات تسهر على سلامة الساكنة من خلال توفير بنية تحتية متطورة وبيئة سليمة وجذابة و تعمل على انسجام الفن العمراني حتى يكون في مستوى الحضارة و التمدن، ينمي الراحة و الاطمئنان و راحة البال. لا يوجد بناء عشوائي ولا احتلال للملك العمومي و لا سرقة الأسلاك الكهربائية و لا مظاهر التسول و المختلين عقليا. إنها مؤسسات تسابق الزمان من حيث التطور و الإبداع و من حيث الرفع من الإيقاع المدرسي و المردودية الفنية و الرياضية و الحماية الاجتماعية والصحية. حيث إن المدرسة في هذه الدول تعتبر رافعة أساسية للتنمية و تقدم البلاد و مجالا مناسبا، ليس للعملية التعليمية/ التعلمية فحسب بل لتنمية المواهب و المعارف و المهارات والانفتاح السليم على الحياة العامة، هي الفضاء الذي يصنع الأجيال القادرة على الانخراط الإيجابي في تخليق الحياة العامة من خلال الأنشطة المرتبطة بالمجال و من خلال البرامج المناسبة التي تحميهم من الأمية و من الفكر الظلامي و من التطرف و من الاستلاب. في هذه الدول لا تجد الفوضى العارمة لها مكانا ولا زمانا معينا، لأن شروطها غير متوفرة.

 

ثانيا : إن سياسة الدولة المغربية في علاقتها مع التربية الاجتماعية والتأهيل الاجتماعي لا يمكن فصلها عن الديمقراطية الحقة التي هي شرط أساسي في ضمان الاستقرار الاجتماعي وسيادة القانون.  في غياب هذا الشرط، أي ديمقراطية خقة، فإن الفوضى العارمة وجدت ضالتها في بلادنا للأسباب التالية :

 

1- : في غياب الديمقراطية الحقة في بلادنا التي تضمن حق الشعب المغربي في تقرير مصيره السياسي والاقتصادي و الاجتماعي من خلال مؤسسات دستورية منتخبة انتخابا حرا ونزيها مع إعمال مبدأ  المساءلة و ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، في غياب هذه الشروط تحل الفوضى العارمة على جميع المستويات .

 

2 – من أسباب الفوضى العارمة هناك مظاهر كل أشكال التمييز والمحسوبية والفساد ونهب المال العام و الغش و الرشوة و الشطط في استعمال السلطة وهيمنة لوبيات الفساد على مراكز القرار، من حكومة و برلمان، و مؤسسات تشريعية و قضاء غير كفىء و غير مستقل .

 

3 – إن الفوضى العارمة التي تعيشها البلاد تستمد قوتها و توغلها في أوساط المجتمع نتيجة سياسة الدولة التي تستمر في خنق الحريات العامة تحت ذريعة المحافظة على الأمن و تبرر الفوضى بأنها نتيجة مطالب حقوق الإنسان ،هي مقارنة مغلوطة، هدفها تضليل الرأي العام وخلق حرب على المطالب الحقوقية التي أقرتها المنظمات الدولية والدستور المغربي.

 

4 – من أسباب تنامي مظاهر الفوضى العارمة هو غياب استراتيجية وطنية اقتصادية و اجتماعية توفر ظروف العمل . إن غياب هذه الاستراتيجية جعل البطالة تزداد سنة تلو الأخرى في أوساط الشباب و تنخر النسيج الاجتماعي ، فتولد عن ذلك الهروب إلى الخارج (الهجرة السرية ) و ترويج المخدرات وما ينتج عند استهلاكها من مآسي اجتماعية و إنسانية وسط شباب ضاع فكره، و أخذه اليأس و الإحباط فتمرد على ذاته وعلى مجتمعه وأهله .

 

5 – من أسباب هذه الفوضى هو حماية الدولة للفساد ونهب المال العام و ونهب الثروات الطبيعية للبلاد و التشجيع على مظاهر الاستغلال و الرشوة و الإثراء غير المشروع ، و التشجيع على اقتصاد الريع و على انتشار القطاع غير المهيكل. إنها أسباب تعصف بالبلاد إلى سبيل الفوضى العارمة و التسيب في جميع مناحي الحياة . هناك يصبح المواطن في حرب من أجل العيش و تدبير حياته ولو على حساب خرق القانون أو على حساب صحة المواطنين والمواطنات أو على حساب راحتهم.

 

6 – إن الجماعات الترابية في بلادنا هي أيضا تتسبب في انتشار الفوضى العارمة من خلال التستر على البناء العشوائي و احتلال الملك العمومي و انتشار الباعة الجائلين في كل أرجاء المدن المغربية ، كل ذلك من أجل خلق كتل ناخبة، خارج القانون، في كل موسم استحقاقات انتخابية.و تتحول المشاريع الاستثمارية إلى مجال الإثراء غير المشروع و إلى التأجيلات غير المبررة حتى يقترب موعد الانتخابات كي تكون هذه المشاريع محط انجازات الأغلبية المسيطرة على التسيير الجماعي . في هذا المناخ المشحون بالفوضى في التسيير و التدبير الجماعي و في انتشار المباني دون جمالية تذكر أو نسق عمراني وحضاري و في جو مشحون بالمحسوبية و الزبونية و تضارب المصالح، تنمو الجريمة و السرقة و القتل العمد و الفوضى في السير و الجولان و في النقل .

 

7 : و من أسباب الفوضى العارمة ضرب المدرسة العمومية : إنه لما أصبحت المدرسة العمومية محط إهمال من طرف الدولة من حيث السياسة التعليمية المبنية على اختيارات تربوية غير منسجمة مع بيئة الطفل و قدراته الفكرية و حمولته العقلية و من حيث البرامج التي تتسم بنقل التجارب الفاشلة و لا تساعد على بناء شخصية الطفل و على نموه العقلي. أما البنية التحتية و بنية الاستقبال والفضاءات التربوية فهي تنذر بالبؤس و بالتخلف مما ينعكس سلبا على الأطفال و يجعلهم يفرون من المدرسة. إنه مناخ أصبح لا ينسجم مع روح المدرسة العمومية في التربية على تخليق الحياة العامة و التربية على التضامن والمساهمة في محاربة الأمية و التأهيل الاجتماعي. لقد حولوها إلى فضاء يتسم بالعنف والكراهية والتمرد على القيم التربوية و الإنسانية،حتى باتت محط سخرية و تمرد على قيمها و على دورها التربوي و الاجتماعي و الأخلاقي، فتمرد التلميذ على الأستاذ و على الضوابط التنظيمية للمسار التربوي وأصبح الغش بديلا للمصداقية و المنافسة الشريفة، و اصبحت الفوضى بديلا للانضباط، حتى أصبحت المدرسة العمومية عند غالبية الناس مضيعة للوقت فيفضلون التعليم الخصوصي الذي ليست له أية قيمة مضافة في مجال التعليم و التعلم و الالتزام بالهوية الثقافية الوطنية إلا السلطة المالية والاعتماد على أساتذة المدرسة العمومية. و تكون النتيجة الاجتماعية والأخلاقية متشابهة في ظل دولة لا ترغب في أن ترى جيلا مسلحا بالعلم و المعرفة و بالعقل السليم و القيم الإنسانية و التضامن و الوعي بالمسؤولية و المطالبة بالمحاسبة و ربط المسؤولية بالمحاسبة و بالعدالة الاجتماعية و المجالية و التوزيع العادل للثروة،فتبقى المدرسة هي الأخرى تنتج الفوضى العارمة و التطرف و الأمية الثقافية و الانحراف. وبها تكتمل سلسلة أسباب الفوضى العارمة الجريمة في البلاد .

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!