العنف المدرسي أم الإبادة المدرسية
ذ. البدالي صافي الدين/المغرب
كم كان مؤلما أن نرى في هذا الزمان وفاة أستاذة على إثر تعرضها لطعنة غادرة من طرف تلميذ! و كم كان مؤلما أن يتجاهل أهل الحل والعقد، بدءا من وزير التعليم إلى مدير الأكاديمية إلى مجلس النواب إلى أعضاء الحكومة إلى المجلس الأعلى للتربية والتكوين، هذا الحدث المؤسف والمؤلم و كأن شيئا لم يكن.
إن تجاهل هذه المؤسسات لهذه الجريمة الشنعاء يعني عدم المسؤولية و التشجيع على استفحال مثل هذه الوقائع، بل وخلق مناخ مدرسي غير صالح، خطير و غير آمن، مما يجعلنا نتساءل عن مصير المدرسة العمومية، هل تحولت أقلامها و ريشاتها إلى سكاكين وسيوف مهندة و سَواطيرُ؟ هل تحول فضائها التربوي إلى ساحة العنف والاقتتال؟ إذ في كل مرة يتعرض أستاذ أو أستاذة إلى العنف من طرف تلميذ أو تلميذة أو من طرف أم أو أب تلميذ أو تلميذة.
ربما لو قامت الوزارة بإحصاء لهذه الاعتداءات على رجال و نساء التعليم منذ عقدين من الزمن تقريبا لوجدت نفسها أمام معضلة خطيرة و أمام مسؤولية جسيمة. لكن الساسة و المسؤولون عن الشأن التعليمي في البلاد لا يهتمون بذلك، بل ما تقوم به الدولة هو تكريس عامل التخلف التربوي و البيداغوجي و نهج سياسة تكريس مناخ تعليمي يطبعه العنف، و يلاحظ هذا منذ الإضراب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في أبريل سنة 1979، حيث تم التنكيل برجال التعليم و تحريض الأباء ضدهم.
لقد كانت بداية مدرسة يطبعها العنف و الفراغ الفكري وانعدام مبدأ تخليق الحياة التربوية التي من شأنها ترسيخ قيم الشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص والإخلاص في العمل والديمقراطية واحترام حقوق المتعلم( ة) والأستاذ ( ة) و خلق المناخ التربوي الملائم و المندمج.
إن تجريد المدرسة العمومية من مرتكزاتها الفكرية و التربوية و الإنسانية و تحويلها إلى فضاء مظلم ينتج العنف و التطرف و الاستلاب الأعمى و العلاقات العدوانية بين الأطراف الرئيسية في العملية التعليمية /التعلمية، أي الأستاذ (ة) والتلميذ(ة) و الأسرة ليس بالصدفة بل هو تخطيط ممنهج لضرب المدرسة العمومية في عمقها الوطني و العلمي و الأدبي و دورها في التربية على المواطنة الحقة و على القيم الإنسانية و تخليق الحياة العامة و التضامن والإبداع الفكري والأدبي والتراكم المعرفي و ذلك حتى تساهم في صناعة جيل يساهم في توفير شروط التنمية البشرية و الاندماج الاجتماعي.
إن الانتهازيين و غير الوطنيين المتنفذين في قرارات الدولة يجدون ضالتهم في خلق شروط الفوضى “الناعمة” من خلال مدرسة تزرع الجهل و الأمية و الغش و ركوب مخاطر التخدير للعقل لتكون النتيجة هي ما أصبح يطبع المجتمع المغربي حاليا من مظاهر الفساد الأخلاقي و من عنف ضد رجال التعليم و رجال السلطة و رجال الدرك و الأمن، إنها مظاهر أصلها المدرسة العمومية التي كانت ضحية قرارات سياسية قاتلة، حيث تم اغتيالها في قيمها الإنسانية و في مبادئها التربوية و في قدسية منهجها الإنساني و الأخلاقي.
إن كل مظاهر العنف و الغش و التزوير و التطرف و الجريمة المنظمة والتخلف الفكري و استهلاك كل أنواع المخدرات حتى القاتلة منها و الترويج لها، كلها نتيجة الإفلاس المشهود وطنيا و دوليا لقطاع التربية و التكوين، حيث كل المؤشرات تؤكد ذلك. فهل الدولة المغربية واعية كل الوعي بما يتربص بالبلاد من فوضى عارمة داخلية مدمرة من خلال تحويل قطاع التعليم من قطاع يكون رافعة اجتماعية واقتصادية إلى قطاع ريعي و غير منتج لأي جيل يكون واعيا و واعدا وقادرا على التحديات المستقبلية و التحولات السريعة و المتلاحقة التي يعرفها العالم؟