قراءة في كتاب ” الدولة المشروع ومنافسيها ” للكاتب تشارلز س. مايير
عبدالله الساورة * كاتب مغربي
يقدم تشارلز س. مايير في كتابه ” الدولة المشروع ومنافسيها ” ( إصدار16 ماي 2023 / 528 صفحة) مفهوم السلطة باعتبارها القوة والقدرة التي تمتلكها الدولة لتوجيه وتحقيق الأهداف والتغيرات ضمن نطاقها وفي علاقتها بالعالم الخارجي. ليست السلطة فقط مسألة سيطرة، بل تتعلق بالقدرة على التأثير والتوجيه والتكيف مع التحديات المعاصرة.
يرى الكاتب تشارلز س. مايير ( Charles S. Maier) أن العلاقة بين الدولة والسلطة علاقة ديناميكية تعكس التفاعل المستمر والتكيف بين الدولة كمؤسسة وبين السلطة التي تمارسها لتحقيق أهدافها في ظل التحديات المتغيرة. هذه الديناميكية تنبع من عدة جوانب تتفاعل وتتطور مع مرور الوقت. وينظر لهذه العلاقة الديناميكية من هذه الجوانب:
يرى الكاتب أن الدول تحتاج إلى التكيف مع التغيرات الاقتصادية العالمية، مثل العولمة، وتحولات السوق، والأزمات المالية. الدولة القوية هي تلك التي تستطيع توجيه سياساتها الاقتصادية لضمان الاستقرار والنمو في ظل هذه التحولات. وأن هذه التغيرات الاجتماعية مثل التحضر، التغيرات الديموغرافية، والتغيرات في القيم المجتمعية تتطلب من الدول تعديل سياساتها الاجتماعية لضمان الشمولية والعدالة. وأن التفاعل المستمر بين الدولة والمجتمع يعزز من قدرة الدولة على ممارسة السلطة بشكل فعّال. ويعتبر أن المؤسسات السياسية والقانونية هي أدوات في يد الدولة لممارسة السلطة. هذه المؤسسات تتغير وتتطور لضمان تنفيذ السياسات العمومية بفعالية. وتعمل الدولة على تقوية وتحديث هذه المؤسسات لتظل قادرة على التفاعل مع التحديات الجديدة. وتلعب الإصلاحات المؤسسية دورًا حيويًا في تعزيز السلطة وتحسين النظام القضائي و تحديث الإدارة العامة وتعزيز الرقابة والمساءلة التي تضمن أن السلطة تُمارس بشكل شرعي وفعّال.
يعتقد الكاتب أن الشرعية هي أساس ممارسة السلطة بشكل مستدام. وتعمل الدولة على كسب ولاء المواطنين من خلال السياسات العادلة و الشفافية والمشاركة المجتمعية. وتُعزز الشرعية من خلال الانتخابات الحرة والنزيهة، وحماية حقوق الإنسان، وتقديم الخدمات العامة بكفاءة. وأن الدعم الشعبي هو عنصر أساسي في العلاقة الديناميكية بين الدولة والسلطة. فالدولة التي تتمتع بدعم شعبي قوي تكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات والتمتع بسلطة مستقرة ومستدامة. وتواجه الدولة تحديات دولية مثل الصراعات العسكرية، التحالفات السياسية والعلاقات الاقتصادية. وتسطيع الدولة القوية التكيف مع هذه التحديات وتوجيه سياساتها الخارجية لتحقيق مصالحها الوطنية.
وتتطلب الأزمات الدولية مثل التغير المناخي، الأوبئة، والإرهاب من الدول التعاون الدولي والتكيف السريع. ويكمن التفاعل الديناميكي بين الدولة والسلطة الدولة من الاستجابة بفعالية لهذه الأزمات. وتلعب التحولات الثقافية دورًا كبيرًا في شكل وتوجيه السلطة. وتسعى الدولة لتعزيز الهوية الوطنية والقيم الثقافية من خلال السياسات التعليمية والإعلامية. وتمثل التكنولوجيا تحديًا وفرصة في نفس الوقت. وتحتاج الدولة إلى التكيف مع التطورات التكنولوجية لضمان حماية الأمن السيبراني و تطوير البنية التحتية التكنولوجية والاستفادة من الابتكارات لتعزيز قدرتها على ممارسة السلطة بفعالية.
ويرى الكاتب أن العلاقة بين الدولة والسلطة هي علاقة ديناميكية تتطلب التفاعل المستمر والتكيف مع التغيرات والتحديات. هذه العلاقة تتجلى في التكيف الاقتصادي والاجتماعي و الإصلاحات المؤسسية واكتساب الشرعية والدعم الشعبي و التفاعل مع التحديات الخارجية، والتكيف مع التحولات الثقافية والتكنولوجية، فالدول التي تنجح في هذا التفاعل المستمر تكون أكثر قدرة على ممارسة السلطة بفعالية.
كيف يرى الكاتب مفهوم السلطة في كتابه : ” الدولة المشروع ومنافسيها ” ؟
يرى الكاتب أن السلطة مفهوم مركب يتضمن عدة أبعاد: يتجلى البعد السياسي في القدرة على وضع السياسة العامة وتوجيه الحكومة لتنفيذ القرارات. ويتمظهر البعد الاقتصادي في السيطرة على الموارد الاقتصادية وتوجيه الاقتصاد الوطني لضمان النمو والاستقرار. ويتجلى البعد الاجتماعي في التأثير على المجتمع من خلال تحسين الرفاه الاجتماعي وضمان العدالة والمساواة. وينظر للبعد الثقافي في القدرة على تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم الثقافية. ويعتبر أن السيادة هي عنصر أساسي في فهم الكاتب للسلطة. وتعني السيادة في نظره استقلالية الدولة في اتخاذ قراراتها دون تدخل خارجي، وهي تعكس القوة الشرعية التي تمارسها الدولة على أراضيها وشعبها. ويركز الكاتب على دور المشاريع الكبرى في تعزيز السلطة، مثل بناء البنية التحتية وتطوير السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تعتبر أدوات رئيسية للدولة لممارسة سلطتها وتحقيق أهدافها.
ويعتبر الكاتب أن الدولة ككيان مشروع يتضمن تنفيذ مشاريع كبيرة بهدف تحسين البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية. هذا المفهوم يجعل الدولة مسؤولة ليس فقط عن الحكامة، بل أيضًا عن التحول الاجتماعي والاقتصادي. ويرى أن الدولة هي الكيان الذي يمارس السلطة. من خلال مؤسساتها وقوانينها وسياساته. و تقوم الدولة بتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والسلطة تعطي للدولة القدرة على فرض النظام العام وتحقيق الاستقرار. ويرى أن العلاقة بين الدولة والسلطة ديناميكية ومعقدة من خلال أن السلطة تمنح الدولة الشرعية من خلال ممارسة السلطة بشكل فعال وشرعي، بكسب الدولة ثقة المواطنين وتصبح أكثر قدرة على تنفيذ سياساتها. وأن الدولة تعزز سلطتها من خلال المشاريع ومن خلال تنفيذ مشاريع كبرى وتحقيق نتائج ملموسة، تعزيزا لسلطتها ولتبرهن على قدرتها على التوجيه والتحكم.
ويناقش كيف أن التحديات المعاصرة مثل العولمة والتغير المناخي والتكنولوجيا تؤثر على ديناميكية السلطة والدولة. هذه التحديات تتطلب من الدول إعادة التفكير في كيفية ممارسة السلطة والتكيف مع التغيرات السريعة.
يرى تشارلز س. مايير أن السلطة هي القدرة المركبة والمتعددة الأبعاد التي تمتلكها الدولة لتحقيق أهدافها. وتمثل الدولة الكيان المشروع الذي يمارس هذه السلطة من خلال مؤسساتها ومشاريعها وسياساتها. فالعلاقة بين الدولة والسلطة علاقة ديناميكية تتطلب التكيف المستمر مع التحديات الجديدة والاستجابة لاحتياجات المواطنين.
( Charles S. Maier)
( “The Project-State and Its Rivals: A New History of the Twentieth and Twenty-first Centuries”)