إعادة الهيكلة الاقتصادية من منظور الكاتبة الأمريكية ساسكيا ساسن
عبدالله الساورة / كاتب مغربي
قدمت الكاتبة ساسكيا ساسن ( من مواليد 1947 )كاتبة أمريكية ذات أصول هولندية، وهي غزيرة الإنتاج، إسهامات كبيرة لفهمنا للعولمة والتحضر والهجرة. واحد من كتبها الأكثر تأثيرًا هو”المدينة العالمية: نيويورك، لندن، طوكيو” (1991). في هذا الكتاب، تستكشف ساسن كيف أصبحت هذه المدن محاور مركزية في الاقتصاد العالمي بفضل قطاعاتها المالية والخدماتية المتقدمة. تحلل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والمكانية التي حدثت في هذه المدن نتيجة للعولمة. تتناول ساسن الطرق التيتركّز بها هذه المدن العالمية الثروة والسلطة، مما يخلق أشكالاًجديدة من التفاوت والانقسام.
عمل آخر مهم لساسن هو “الأراضي، السلطة، الحقوق: من العصور الوسطى إلى التجمعات العالمية”(2006). يستكشف هذا الكتاب ديناميكيات الأراضي والسلطة والحقوق في سياق العولمة. تجادل ساسن بأن مفاهيم السيادة والسلطة التقليدية يتم إعادة تشكيلها بواسطة العمليات الاقتصادية والسياسية العالمية. تم كتاب ” السوسيولوجيا العالمية ” (2014) و كتاب” باحثون ومفكرون” (2016)، تقدم مفهوم “التجمعات” لوصف كيفية ظهور أشكال جديدة من الحوكمة والترتيبات السياسية استجابة لهذه القوى العالمية.
تحقق في كتاب “الطرد: الوحشية والتعقيد في الاقتصاد العالمي” (2014) عن الجوانب المظلمة للعولمة، وتركز على عمليات الطرد النظامية للناس ورأس المال والأراضي. تستكشف ساسنكيف أدت السياسات والممارسات الاقتصادية إلى نزوح الناس وتدهور البيئة. تجادل بأن هذه الطرد هي نتيجة لتفاعل معقد بين القوى الاقتصادية العالمية والوقائع المحلية، مما يؤدي إلى زيادة التفاوتات والظلم الاجتماعي.
يقدم كتاب “المدن في الاقتصاد العالمي” (2016) للكاتبة نظرة شاملة على كيفية تأثير العمليات الاقتصادية العالمية على المراكز الحضرية. تفحص دور المدن كمواقع رئيسية لإنتاج وإدارة رأس المال العالمي. يسلط تحليل ساسن الضوء على أهمية المدن في الاقتصاد العالمي والطرق التي تشكل بها وتتشكل بها العولمة الاقتصادية.
من خلال مؤلفاتها المتعددة وعملها الواسع، قدمت ساسن رؤى نقدية حول تعقيدات العولمة وتأثيرها على المدن و الاقتصادات والمجتمعات. تظل كتبها قراءات أساسية لأي شخص مهتم بفهم التحولات العميقة التي أحدثتها العمليات الاقتصادية العالمية.فكيف تنظر لإعادة الهيكلة الاقتصادية ؟ وما مدى تأثيرها على المجتمعات كما الدول ؟
إعادة الهيكلة الإقتصادية:
تنظر ساسكيا ساسن إلى إعادة الهيكلة الاقتصادية من خلال أبحاثها الواسعة حول العولمة، التحضر/ ظاهرة التمدين،والتغيرات في مشهد القوى الاقتصادية. من خلال أعمالها، قدمت ساسن تحليلاً شاملاً لكيفية تأثير إعادة الهيكلة الاقتصادية على المدن وأسواق العمل وحياة الناس في جميع أنحاء العالم. ترتبط أفكارها حول هذا الموضوع بشكل معقد بنظرياتها الأوسع حول المدن العالمية، ونزع الوطنية، والهجرة.
في كتابها الأساسي “المدينة العالمية: نيويورك، لندن، طوكيو”،تستكشف ساسن كيف أن إعادة الهيكلة الاقتصادية حولت هذه المدن إلى محاور أساسية في الاقتصاد العالمي. تجادل بأن هذه المدن شهدت تغييرات كبيرة نتيجة لأهمية الخدمات المالية والخدمات المتقدمة المتزايدة. أدى هذا التحول إلى تركيز الثروة والأنشطة الاقتصادية في هذه المدن العالمية، مما جعلها مركزا لعمليات الشركات المتعددة الجنسيات والأسواق المالية العالمية. يوضح تحليل ساسن أن إعادة الهيكلة الاقتصادية خلقت أشكالاًجديدة من التفاوت والانقسام داخل هذه المدن، حيث تتناقض الوظائف ذات الأجور العالية في القطاعات المالية والخدمية بشكل حاد مع العمالة ذات الأجور المنخفضة والمهن الهشة في القطاعات الأخرى.
كما تغوص ساسن في مفهوم نزع الوطنية في أعمالها. تزعم أن إعادة الهيكلة الاقتصادية أدت إلى تراجع دور الدول القومية في تنظيم ومراقبة الأنشطة الاقتصادية. بدلاً من ذلك، انتقلت السلطة إلى الشركات العابرة للحدود والمؤسسات المالية العالمية. هذه العملية لها تبعات عميقة على كيفية هيكلة الاقتصادات وإدارتها. على سبيل المثال، توضح ساسن كيف أن الأطر التنظيمية والسياسات الاقتصادية تتشكل بشكل متزايد بواسطة قوى السوق العالمية بدلاً من المصالح الوطنية. هذا التحول يتحدى الفهم التقليدي للسيادة الاقتصادية ويسلط الضوء على التفاعل المعقد بين الديناميات الاقتصادية العالمية والمحلية.
جانب مهم من تحليل ساسن هو تركيزها على أسواق العمل والطبيعة المتغيرة للعمل. تبحث في كيفية إعادة الهيكلة الاقتصادية التي أدت إلى خلق انقسامات جديدة في العمل،تتميز بفجوة متزايدة بين الوظائف ذات المهارات العالية والأجور العالية والوظائف ذات المهارات المنخفضة والأجور المنخفضة. يتضح هذا الاستقطاب في أسواق العمل بشكل خاص في المدن العالمية، حيث يتعايش الطلب على المهارات المتخصصة في المالية والتكنولوجيا والخدمات مع الاعتماد على العمالة المهاجرة ذات الأجور المنخفضة للخدمات الداعمة. تستخدم ساسن أمثلة من مدن مثل نيويورك ولندن وطوكيو لتوضيح كيف أن إعادة الهيكلة الاقتصادية قد أعادت تشكيل أسواق العمل وخلقت أشكالًا جديدة من التهميش الاقتصادي.
تتناول أعمال ساسن أيضًا تأثير إعادة الهيكلة الاقتصادية على أنماط الهجرة. تجادل بأن الطلب العالمي على العمالة أدى إلى زيادة تدفقات الهجرة، حيث ينتقل الناس عبر الحدود بحثًا عن فرص اقتصادية أفضل. هذه الهجرة ليست فقط من البلدان النامية إلى المتقدمة، بل أيضًا داخل المناطق، حيث ينتقل الناس من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية. تسلط ساسن الضوء على دور المدن العالمية كمغناطيس للمهاجرين، الذين يجذبهم وعد الوظائف في القطاعات الخدمية المتنامية. ومع ذلك، تلاحظ أيضًاأن المهاجرين غالبًا ما يواجهون ظروف عمل قاسية وفرص محدودة للتقدم الاجتماعي، مما يزيد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.
علاوة على ذلك، تؤكد ساسن على أهمية الفضاءات الحضرية فيفهم إعادة الهيكلة الاقتصادية. تدعي أن المدن ليست مجرد مواقف سلبية تحدث فيها الأنشطة الاقتصادية، بل تتشكل بفعالية بواسطة هذه العمليات. يتم إعادة تشكيل الفضاءات الحضرية لتلبية احتياجات رأس المال العالمي، مما يؤدي إلى التهجير ونشوء الأحياء الحصرية للأثرياء. تقدم ساسن أمثلة من مدن حول العالم لتوضيح كيف أن إعادة الهيكلة الاقتصادية قد أدت إلى تحويل المشهد الحضري، غالبًا على حساب المجتمعات ذات الدخل المنخفض.
تستخدم ساسن مثالا واضحا لتوضيح حججها هو حالة سوق الإسكان في المدن العالمية. وتشرح كيف أن إعادة الهيكلة الاقتصادية قد رفعت قيم العقارات والإيجارات، مما جعل الإسكان غير ميسور التكلفة للعديد من السكان. هذا الظاهرة حادة بشكل خاص في مدن مثل نيويورك ولندن، حيث أدى تدفق رأس المال العالمي إلى استثمارات مضاربية في العقارات، مما أدى إلى تهجير السكان المقيمين على المدى الطويل وتغيير النسيج الاجتماعي للأحياء. تحليل ساسن لسوق الإسكان والعقار يبرز التبعات الأوسع لإعادة الهيكلة الاقتصادية على الحياة الحضرية والعدالة الاجتماعية.
تقدم أعمال ساسن حول إعادة الهيكلة الاقتصادية منظورًامتعدد الأوجه حول كيفية تأثير التغيرات الاقتصادية العالمية على المدن وأسواق العمل والهجرة. يكشف تحليلها عن الروابط المعقدة بين الديناميات الاقتصادية العالمية والمحلية، ويسلط الضوء على دور الفاعلين عبر الحدود وقوى السوق في تشكيل الاقتصادات المعاصرة. من خلال أبحاثها، تقدم ساسن عدسة نقدية لفهم تعقيدات إعادة الهيكلة الاقتصادية وتبعاتها على التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية. تظل أعمالها مورداً قيماً للباحثين وصناع السياسات والنشطاء الذين يسعون للتعامل مع تحديات عالم معولم.