الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

بين طاطا و فالنسيا و محاكمة فؤاد عبد المومني

 

 

 

د. فؤاد هراجة

 

 

 

تابعنا في المغرب بحزن شديد ما خلفه إعصار دانا بمنطقة فالنسيا جنوب شرق إسبانيا، حيث بلغ عدد موتى هذا الفيضان إلى 214 شخصا، وخسائر مادية تعد بملايين الأورو. لم تمر أربعة أيام على الكارثة حتى وضع الملك فيليب السادس قدمية على أرض الكارثة ليعاين من جهة خسائرها و الإجراءات المتخذة في عين المكان، ويواسي من جهة أخرى سكان المدينة ضحايا هذا الفيضان، ويعبر لهم مباشرة عن تقاسمه الحزن والأسى معهم. وبالرغم من هذه الالتفاتة الملكية المسؤولة التي قام بها فيليب السادس، إلا أنه استُقبِل من قِبَلِ الساكنة تحت وابل من الرشقات بالطين والوحل الذي خَلَّفَهُ الفيضان في الشوارع، وتحت وابل من الصيحات التي اتهمت الملك “بالقاتل

 

” En visite sur le site des inondations, le roi Philippe a été chahuté par la foule sous les huées et les cris “d’assassin” Franceinfo

 

 

إننا ونحن نحلل هذا الاحتجاج العنيف، لا يسعنا إلا أن ندين ونستهجن اللجوء إلى العنف كأداة للتعبير، ونُقَيّمُه على أنه حالة لا تليق بأخلاقيات الاحتجاج. في المقابل نُثَمِّن حرية التعبير السلمية، كما نسجل بتقديرٍ عالٍ حالة ضبط النفس للسلطات أمام عنف بعض الضحايا وتقدير حالة التدمر التي يعيشونها، حيث لم تلجأ هذه الأخيرة إلى تعنيف المحتجين تحت ما يسمى بالعنف المناسب.

 

علاوة على ذلك، تثيرنا كثيرا صورة آثار الطين على ملابس الملك فيليب السادس الذي تلقى رشقات مباشرة، بالرغم من هذا لم يُنْهِ زيارته بل استمر فيها وتوجه تحت الصراخ صوب المحتجين ولا تقيه سوى بعض المضلات المطرية وأجساد مرافقيه.

 

هنا يجدر بنا أن نذكر على أن رئيس منطقة فالنسيا بمقتضى دستور البلاد، يمتلك من السلطات والصلاحيات للتصرف ما لم يمتلكها الملك، ويأتي بعده في درجة المسؤولية رئيس الوزراء(رئيس الحكومة) بيدرو سانشبز، ومع ذلك فإن الملك قَدَّرَ أن الكارثة وطنية، وبما أنه يمثل السيادة الوطنية، تحتم عليه هذه المسؤولية القيام بواجبه تجاه ضحايا هذا الإعصار.

 

إن مثل هذه الأحداث تدفعنا باعتبارنا في المغرب ضحايا إعصار الاستبداد، التساؤل حول الخلفيات الدستورية والقانونية والحقوقية التي تخول من جهة للشعب هذا المنسوب الكبير من الحرية، والمساحة الواسعة للتعبير، وتلزم المسؤولين مهما علت مناصبهم في الدولة باحترام الشعب وتقدير رأيه؛ والجواب نجده في المادة الثانية (2) من الدستور الإسباني لعام 1978 التي تنص بوضوح على أن: «السيادة الوطنية مِلْكٌ للشعب الإسباني ، الذي تنبع منه جميع سلطات الدولة.» نسطر مائة سطر تحت عبارة “السيادة الوطنية مِلْكٌ للشعب” مقابل ما نعيشه واقعا بأن “الشعب والدولة مِلْكٌ الحاكم” يتوارثها يتوارثها كالأثاث الإبن الأكبر عن الوالد الهالك أبا عن جد!

 

لقد عاش المغرب بإقليم طاطا كارثة فيضانية على دفعتين، أدت إلى عدد معتبر من الوفيات وإلى خسائر مادية جسيمة، أصبحت خلالها المنطقة معزولة ومنكوبة.في هذا السياق، عندما يبحث المواطن المغربي عن تفاعل الجهات المسؤولة مع الكارثة، لا يجد مسؤولا في دائرة المؤسسة الملكية أو رئيس الحكومة كلف نفسه لزيارة المنطقة والوقوف عن كثب على حجم الكارثة وما تتطلبه من استعجال واستثنائية في معالجة مخلفاتها. كلما يجده المواطن، ينحصر في زيارة والي جهة سوس ماسة، وعامل تيزنيت، وعامل طاطا، وقائد الدرك الملكي، والفدقائد الجهوي للقوات المساعدة، والقائد الجهوي للقوات المسلحة، والقائد الجهوي للوقاية المدنية، بعبارة أخرى وبمنطق المماثلة وكأنك تقول زيارة مفتش تربوي ومدير وناظر وحارس عام وأساتذة لمؤسسة يشتغلون فيها، مع العلم أن هذا من جنس وظيفتهم. وعليه لا يمكن اعتبار وحود كل هؤلاء المسؤولين في عين مكان الكارثة بالزيارة الداعمة، لأن هذا العمل هو جزء من وظيفتهم ويندرج تحت مسؤولياتهم. بالتالي نقول أن هذه المناطق لم تعرف أي اهتمام من قِبَلِ مسؤولي المؤسسات الحاكمة. أما أن يعترض معارض فيقول لقد كانت هنالك تعليمات توجيهات عالية في الموضوع، وأن الحكومة قد خصصت مجلسا استثنائيا في الموضوع، وأن البرلمان قد ناقش مخلفات الكارثة، فإننا نقول، شتان بين الانتقال إلى عين المكان ورؤية الدمار والخسائر وحالة التشريد للسكان، والشعور بالصعوبات للوصول إلى عين المكان رغم السيارات الفارهة والتدابير المتخذة، والانتقال عبر شوارع الرباط الواسعة إلى غرف الاجتماعات المكيفة والمفروشة ممراتها بالسجاد الأحمر!!!

 

يكفينا في ذات السياق، التذكير بأن منطقة طاطا ظلت خمسة أيام متتالية بدون ماء صالح للشرب بعدما تعطلت جل القنوات، ووجدت الساكنة نفسها أمام صعوبات بليغة لتدبر مياه الشرب، وأن الحكومة لم تتحرك إلا بعدما تزايدت الاحتجاجات في معظم الدواوير المتضررة. على ذلك، تبدو الهوة كبيرة جدا بين حالة فالنسيا التي تفاعلت معها السلطات العليا بالسرعة القصوى المطلوبة، وحالة طاطا (ومعها حالة الحوز) التي يبدو أنها لم تستحق من المسؤولين في المركز زيارة دعم ترقى إلى حجم الكارثة التي أودت بحياة مواطنين، وعزل منطقة وجعلها منكوبة. لقد ظلت كل الجهات المسؤولة صامتة في حالة فيضان طاطا تنتظر التعليمات “السامية”، وهذا يعود بنا إلى ضرورة بسط المعيقات الدستورية والحاجة تلى إعادة سؤال “الصلاحيات في الدستور المغربي”، هذه الصلاحيات التي تتكدس معظمها في يد الملك، والحال الذي لا نجده عند الجارة إسبانيا التي منذ 1978 وحكومتها المركزية ورؤساء المناطق يتمتعون بصلاحيات وسلطات واسعة في تدبير الشأن الجهوي والمحلي بعيدا عن هيمنة المؤسسة الملكية. ولعل السر في ذلك يتمثل في أن الدستور الإسباني يعتبر أن جميع السلطات بما في ذلك سلطة الملك وسلطة رئيس الوزراء وسلطة رؤساء المناطق وسلطة البرلمان، تنبع من الشعب الذي يُعَدُّ بقوة الدستور المالك الحقيقي السيادة الوطنية.

 

بالعودة إلى حجم ونوع الاحتجاج الذي شهدته زيارة فيليب السادس لفالنسيا، وما واكبها من رشق ضحايا الفيضان للملك بِكَوَمَاتٍ من الطين، والصرخات المرفوعة في وجهه متهمة إياه ب “القاتل”، أمام هذا المناخ الكبير من حرية التعبير (مع تحفظنا على العنف الذي مورس ورفضنا التام له)، نستحضر اعتقال المعارض السلمي فؤاد عبد المومني (ومن خلاله كل معتقلي الرأي وحرية التعبير) ومتابعته على تدوينات عَبَّرَ من خلالها عن رأيه ووجهة نظره المخالفة للسلطات، فوجد نفسه داخل سيارة قادتها إلى مقر الفرقة الوطنية والمكوث يومين تحت الحراسة النظرية، حتى جاء قرار المتابعة في حالة سراح تحت ضغط الأصوات الحرة داخل المغرب وخارجه.

 

ثمة مفارقات كبيرة بين حالة اتهام الملك فيليب السادس بالقاتل في واضحة النهار وأمام كل وسائل الإعلام الدولية، وتحميل سياساته مسؤولية مخلفات الفيضان مع أن رئيس منطقة فالنسيا ورئيس الوزراء يمتلكان من الصلاحيات والسلطات في تدبير الشأن الجهوي والمحلي ما لم يمتلكها الملك البتة. ومع ذلك ما رأينا القضاء الإسباني يحرك مسطرة المتابعات؛ لا في العنف الذي مورس في حق الملك ولا في التهمة التي وجهت إليه(القاتل) ولنا أن نتخيل لو أن هذا الاتهام وقع في المغرب… . فإذا كان فؤاد عبد المومني وغيره من المدونين والمعارضين يحاكمون على كلمات ومواقف في القرن 21 ومنهم من زج في السجن ل 20 سنة (معتقلي الريف) ومنهم من قضى شهورا وسنوات، ومنهم من يتابع، فإن هذا الوضع يدعونا إلى ضرورة تكثيف الجهود لإعادة السيادة الوطنية للشعب وجعلها منبع كل السلطات حتى نضمن حرية التعبير، وحرية محاسبة المسؤولين، وإلا فإن الاستبداد سيظل كما هو عليه، وأن كل مجهود خارج إعادة توزيع الصلاحيات والسلطات الدستورية وجعل سيادة الشعب في جوهرها، سَيُبْقي سطوة الاستبداد والفساد، وسيجعل كل المؤسسات بما في ذلك الأمن والقضاء في خدمة المستبد ودائرته، ما ينتج عنه قمع الحريات العامة، وحماية الفساد في تدبير شؤون الدولة.

 

وزبدة القول، إن الدرس الإسباني الذي كان مشابها لحالة المغرب على كل المستويات، والذي تمكن من تجاوز استبداد فرانكو، يدعونا إلى سلوك الطريق الصحيح نحو الإصلاح ألا وهو دستور تكون فيه السيادة الوطنية للشعب وممثليه، وتستمد فيه كل السلطات سلطتها من الشعب، وتقدم فيه الدولة نفسها خادمة للشعب لا سيدة عليه.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات