الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

ما يقع في افريقيا: هل هي عودة المارد  لمواجهة الاستعمار الجديد؟؟؟

 

مبارك المتوكل/المغرب

 

وأخيرا بدأ المارد الإفريقي يتململ فهل هي بداية عودة الروح الإفريقية لمواجهة الاستعمار الجديد الذي اكتسب مهارة في تسخيرالخصم لينوب عنه في صفع نفسه بيده؟  أم هي إحدى المناورات من إبداع الامبرياليةالتي عودتنا على السعي الدائم لتجديد وتطوير أدوات تدخلها وتحكمها في مصير الأمم والشعوب؟

 

لم تكن ولن تكون آخر تلك “الإبداعات” توظيف دولة كاملة السيادة للقيام بحرب ضد جارتها روسيا لصالح الامبريالية العالمية التي تمدها بالمال والعتاد والأسلحة الأكثر فتكا بما فيها تلك المحرمة دوليا. إنها حرب بالمناولة تجنب الجيش الأمريكي و الأرض الأمريكية ويلات الحرب ونتائجها المدمرة للاقتصاد والإنسان. والدولار المستخلص من ما تم ابتزازه واقتناصه، بل سرقته من بترول الخليج العربي وخاصة من سوريا والعراق كفيل بتغطية نفقات كراكيز أوكرانيا وما يحتاجونه من آلات الدمار لشغل روسيا كدولة داعية إلى تعدد الأقطاب، وبالتالي إنهاء وضع الولايات المتحدة الأمريكية كقطب وحيد متحكم في مصير العالم وموظفا عملاء مكنتهم أجهزة المخابرات من السطو على السلطات العليا في بلدانهم ومدتهم بكل وسائل الدعم من مال وسلاح وتغطية إعلامية، تقدمهم أبطالا مدافعين عن القيم وضامنين للديمقراطية والحريات وكأن أمريكا وفرت لسكانها الأصليين، أهل الأرض ولكل الملونين والأفرو أسيويين المقيمين بها حرية ومساواة تمكنهم من العيش في سلام وكرامة.

 

إن البيت الموصوف بالأبيض الذي اجتهد وأفلح في “دمقرطة” أفغانستان والعراق ويسعى إلى إرساء عدله ومساواته وديمقراطيته في بقية دول العالم مطالب بأن يكنس باب بيته وأن يساوي بين أهل تلك الأرض الأصليين وبين كل من يعيش تحت سمائها أيا كان لونه أو عرقه أو مذهبه قبل أن يبحث عن وطن بأقصى الأرض ليحقق فيه ” الديمقراطية وحقوق الإنسان”وليفرض فيه رأيا ويزرع بيدقا أو بيادق يأتمرون بأمره ويوفرون له أسباب التدخل في شأن لا يعنيه من قريب ولا من بعيد. فما علاقة البيت الأبيض بهونغ كونغ أو تيوان؟ إلا إذا كانت الغاية هي السعي إلى توظيف جزء من الصين انفصل عنها في ظرف تاريخي معين كانت الصين حينها منشغلة ببناء دولتها القوية بريادة حزبها الكبير وقائده العظيم ماو تسي تونغ.

 

إن هذه المحاولات ومثيلاتها هنا في المغرب أو هناك لا هدف لها إلا إلهاء الإنسانية عن بناء اقتصادها وتنمية ذاتها في جو من الطمأنينة والسلام . وحيث أن الامبريالية واحدة ممارسة وسلوكا فقد لجأت الدول الاستعمارية عندما قبلت “تصفية الاستعمار” إلى تصفية كل العناصر الغير الطيعة والمستعدة لبناء دولة كاملة السيادة ينعم أهلها بالحرية ويعيشون العزة والكرامة، وفي ذلك تلتقي الامبرياليتان الأمريكية والأوروبية. فأمريكا صفت الدكتور مصدق وسوكانو واليندي وصدام حسين وعلي بوتو وابنته بنازير …. وفي إفريقيا وحدها صفي باتريس لمومبا وكوامي نكروما وأحمد بن بلا والمهدي بنبركة والمختار ولد دادة ومودي بوكايتة وطوما سنكارا ومعمر القدافي وجمال عبد الناصر.

 

الملاحظ أن معظم هولاء الذين وقعت تصفيتهم أو وقعت عليهم الانقلابات ينتمون إلى دول كانت مستعمرات فرنسية.  ولأول مرة في تاريخ إفريقيا تقع انقلابات عسكرية ولكن لا ترضى عنها الامبريالية لأنها ربما ليست من صناعتها. وبالرغم من أننا نعلم أن تطور الحياة البشرية اقتضى توزيع العمل واختص دور العسكر بالدفاع عن الوحدة الوطنية وحماية الأرض والإنسان من مخاطر الطبيعة وشر الغزاة، وهذا يعني أن تحكم العسكر في السياسة لا يلتئم والحاجة إلى فصل السلط وبناء علاقات اجتماعية سليمة يكون الجيش فيها في ثكناته وتكون السلطة بيد المؤسسات الدستورية التي يخضع فيها الجميع للقانون، وتكون الأجهزة كل الأجهزة تحت مراقبة الشعب المعبر عن تطلعاته ومطالبه عبر أحزابه ونقاباته ومجتمعه المدني.

 

لقد أكدت الأحداث أن الانقلابات العسكرية التي نجحت، هي الانقلابات التي استعانت بالمعرفة وبوأت أهل العلم والفن من الأتباع من إبداء الرأي، بل استعانت بقدراتهم على تسيير الشأن العام. ولعل ما يمكن أن يقدم كنموذج انقلاب بونابرت وانقلاب عبد الناصر. فقد أعطيا قيمة للمعرفة وشجعا العلماء في حين أن معظم الذين سطوا على السلطة أو دون مؤهلات أو امتداد جماهيري تحولوا إلى جلادين اعتمدوا في سياساتهم على إعلاء شأن المتملقين التافهين المتسابقين على مواقع لا يستحقونها ولا يقدرون مسؤولياتها مما يجعلهم يبحثون عن عن قيمة ومكانة داخل محيطهم فلا يجدون إلا التباهي بمظاهر البدخ والثراء الزائف، مما ينتهي بهم إلى الفضائح وربما إلى الاعتقال .

 

لقد انتظرنا لسنين أن يحقق لنا المريكان الشعارات التي رفعها خلال مرحلة الحرب الباردة والتي انتهت بتفكيك الاتحاد السوفياتي، فحملت الدبابة الأمريكية العدل واليمقراطية للعراق ولأفغانستان وسوريا كما حملتها لفلسطين. اعتقدنا أن نهاية الحرب الباردة ستنهي عصر التحالفات لكن الحلف الذي ضم كل صناع الكوارث والمآسي أخذ في التوسع والتمدد فجمع أقطاب الاستعمار وضم إليهم كل الطامعين في استرجاع ما ضاع منهم من أمجاد بعد أن انتموا مدة إلى حلف وارسو الذي تفكك بتفكك الاتحاد السوفياتي وهلل بعضنا مبشرا بموت الشيوعية ناسيا أن اليسار شيوعيا كان أو غير شيوعي فكرة وعقيدة لا يمكن استئصالها، لأنها كما قال واحد من كبار جلادي سنوات الرصاص كثقب النمل كلما حفرت في الأرض لاستئصاله اكتشفت أن حجمه أكبر.

 

كثيرة هي الأسئلة التي تطرح على الذين جايلونا أو سبقونا في العمل والتجربة والنضال ضد الاستعمار أولا و ضد الاستبداد والطغيان.

 

كنا نعتقد أننا الاستثناء لأن الذين حملوا سلاح مقاومة المستعمر لم يحضروا لا استشارات إكس ليبان ولا مفاوضات الاستقلال التي ظلت وثائقه غامضة أو غير متوفرة، ولم يكن أمام المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلا اختياران إما أن يقبلوا بما قدم لهم من ريع وتكريم زائف، أو أن يكون مصيرهم الاغتيال (إبراهيم الروداني-عباس لمساعدي) أو المنفى أو الاعتقال .

 

إن نشر وثائق ومعاهدات استقلال المستعمرات الفرنسية سابقا والتي نالت استقلالها الشكلي دون أن تتحرر اقتصاديا ولا عسكريا بل وحتى على المستوى السياسي والتي بقي القرار الأول والأخير فيها بيد فرنسا رغم الشكليات الانتخابية و المساحيق الديمقراطية. ففرنك المستعمرات الفرنسية بإفريقيا CFA تحول إلى فرنك الفدرالية الإفريقية ولكنه ظل يطبع في فرنسا ولا يستبدل إلا بواسطة البنك الفرنسي.

 

لن نقف هنا على تفاصيل معاهدات الاستقلال ولكن للحقيقة والتاريخ، فقد استطاع المغرب أن يخرج من منطقة الفرنك بفضل حكومة عبد الله إبراهيم التي كان عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد و المالية فيها والتي أطاح بها انقلاب القصر سنة 1960، ولولا تلك القرارات الوطنية التقدمية الجريئة لظلت عملتنا مرهونة بالفرنك الفرنسي ولبقيت عملتنا تطبع في باريس ولما تحول البنك المخزني المغربي إلى بنك المغرب المتحرر من سلطان بنك باريس والدول المنخفضة .

 

كثيرا ما نخطيء عندما نعتقد أن نتائج لقاء اكس لي بان كانت هي وثيقة الاستقلال في حين أن لقاء اكس ليبان كان في الواقع محاولة استطلاع موقف ورأي النخبة المغربية وتصورها لنظام الدولة والموقف من السلطان المنفي.

 

ويكفي أن نرجع إلى لائحة الحاضرين في هذه اللقاءات ليتبين أن لا رابط ولا علاقة يمكن أن تربط بين المهدي بنبركة ومحمد الفاسي وغيرهم من ممثلي الحركة الوطنية من جهة، وبين أحمد رضى كديرة الذي كان يعتبر نفسه فرنسيا وغيره من أمثال الطاهر اوعسو وبنسليمان والصبيحي. لكن الذين سيشرفون على المفاوضات حول استقلال المغرب كانوا من المقربين الى البلاط والمرتبطين بالمخزن الاستعماري. ويكفي أن نقف على اسم أول رئيس لأول حكومة لندرك مدى الشبه بين استقلالنا واستقلال الدول الافريقية الأخرى التي نالت استقلالها بعد حرب ضروس وتضحيات جسام استطاع الأستعمار أن يعوض حكمه واستغلاله المباشر بتنصيب من ينوب عنه في ضبط الخصوم وتوفير شروط استمرار الاستغلال عبر استعمار جديد حافظ على علاقات التبعية و تنصيب سلطات هم كل أجهزتها الحفاظ على البنيات والعلاقات التي أسسها المستعمر وسلمها لعملاء نصبهم “بطريقة ديمقراطية” تحول العمليات الانتخابية إلى مهازل وضحك على الدقون.

 

ولكن الدهر كفيل بكشف المفسدين، ولعل في التجارب الانتخابية التي شهدها المغرب اليوم ومنذ عقود مضت مايدل على أن فتح المجال للتلاعب بنتائج الانتخابات وفتح المجال للفاسدين والمفسدين لا يضر فقط بمصالح الأمة بل ينقلب تأثيره السلبي على كل من ساهم في التزوير أو رضيه مقابل استفادة آنية أو آجلة وكل من وقف متفرجا أو لا مباليا لأن الصمت عن الظلم لا يضر المظلومين فقط ما دام الدور آت على المتفرجين الصامتين المنتظرين أن يأتي الفرج من السماء.

 

لعل في ما تعرفه إفريقيا هذه الأيام دليل على أن للتزوير مهما خفي أمره نهاية، وأن لكل أجل كتاب فليحذر الأفاقون الدجالون المزورون من غد، فإن الغد قريب وإن ما أيقظ المارد الإفريقي لن يقف عند أربع دول، فليحذر الذين وثقوا من ما أحاطوا به أنفسهم من حرس وما تمتعوا به من نعم، بأن لا مأمن في حاشية ولا حرس فقديما رأى ابن المقفع أن من اعتمد في حمايته على القوة الغاشمة، كان كمثل من يمتطي صهوة أسد يخاف منه كل من رآه ولكن خوفه هو من الأسد أشد .

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!