الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

لويس سبولبيدا النورس الذي أسقطه الوباء

 

 

محمد نايت دراع/ المغرب

 

 

 

” الرواية الجيّدة كانت دائماً تاريخ الخاسرين والمهزومين، لأن المنتصرين عندهم من يكتب لهم تاريخهم، وقدَرنا نحن الكتّاب أن نكون صوت المنسيين والخاسرين في هذا العالم”.

   لويس سبولبيدا

 

 

 

بين ميلاده  بأوفال، شمال تشيلي اكتوبر عام 1949م وغروب حياته  بأحد مستشفيات أوفييدو شمال غرب اسبانيا في السادس عشر من ابريل عام 2020 متأثرا بإصابته بفيروس كوفيد 19 ، عاش الكاتب والمناضل التشيلي لويس سبولبيدا حياة السجن والنفي والترحال ، وكان يعتبر أجمل سنوات حياته   تلك التي انخرط فيها ضمن تجّمع أحزاب اليسار، الذي أوصل سلفادور اللّيندي إلى الحكم عام 1970،تزوّج  عام 1971 من الشاعرة التشيلية كارمن يانييز هيدالغو، ولكن سرعان ما انهار هذا الزواج، وبعد عشرين عاماً من الانفصال، سيلتئم الشّمل ويتزوّجان مرّة أخرى في ألمانيا. تقول الشاعرة كارمن يانييس: «تزوّجنا للمرة الأولى في أيام سلفادور الليندي الجميلة يومها كان الغرام مثل معانقة السماء في ليلة صيفية مقمرة، ثم جاءت الديكتاتورية وضيّعنا بعضنا إلى أن عدنا والتقينا من أجل تشيلي بعد عشرين عاماً».

 

ويعد لويس سبولبيدا من بين الناشطين والمفكرين اليساريين البارزين الذين داقوا مرارة  السجن وتعرضوا للتعذيب ،وقد تناول هذه الحقبة المرعبة من تاريخ تشيلي في كتاب “جنون بينوشيه ” والذي صدر في العام 2003 ، و روى سبولبيدا وقائع حياته المليئة بالأحداث على لسان شخصية خوان بيلمونتي، المحارب السابق ومرافق سلفادور الليندي، وهي احدى شخصيات روايته “اسم مصارع الثيران”.وكان يهدف من وراء خلقه  لهذه الشخصية الى “الحفاظ على الذّاكرة” ومحاربة “أولئك الذين يدافعون عن فقدانها  لتبرير ممارسات الدولة، مثلما وقع في تشيلي ابان حكم بينوشيه “.

 

داع صيت لويس  بعد صدور الترجمة الفرنسية لروايته “العجوز الذي كان يقرأ الروايات الغرامية” سنة 1999 ثم ازدادت شهرته بعد صدور روايته «حكاية طائر النورس والقطّ الذي علّمه الطيران»و التي لاقت انتشارا واسعاً ونُقلت إلى السينما في إيطاليا حيث تحولت الى فيلم ناجح  بعنوان Lucky and Zorba” .قصة طائر النورس والقط الذي علمه الطيران”  حكاية ساحرة وعميقة وبالرغم من أنها تبدو موجهة لليافعين والشباب   فهي في العمق موجهة للقراء من جميع الأعمار كما جاء على غلاف الرواية  ـ من سن الثامنة وحتى سن الثامنة والثمانين ـ. وقيل ان «سبولبيدا» كتب هذه القصة بناء على وعد قطعه لأطفاله  سيباستيان، ماكس ،وليون، ذات يوم بأن يكتب لهم قصة عن المعاملة السيئة التي يتعامل بها  البشر مع محيطه، فعندما نخرب الطبيعة فإننا نخرب أنفسنا ونعتدي على إنسانيتنا، حيث الإنسان لا يدمر الطبيعة ويلوثها ليقتل الطيور والنوارس البيضاء فقط، وإنما ليقتل أخاه الإنسان بأكثر من طريقة!

 

قصة ” طائر النورس والقط الذي علمه الطيران” درس قاس ،و تحريض شرس ضد الشراسة وجرائم التلوث التي يرتكبها البشر بسبب جشعه  ، وصرخة ضد كل محاولات وأشكال القتل والدمار التي يرتكبها الإنسان ، يقول المترجم رفعت عطفة في تقديمه للرواية:

 

“ويبدو اننا مازلنا نعيش على ايقاع الحياة التي صاحبت ابن المقفع وكليلة ودمنة ولابد لنا من حكمة الحيوان للانتصار أولا على ذاتنا ،وثانيا للطبيعة التي تمنحنا الحب والحياة والجمال”

 

واستهل الكاتب عمله  الروائي بمحنة  الأم”كنغة ” النورس ذات اللون الفضي ،التي وصلت إلى مرفأ هامبورغ متسخة ، وفي حالة اختناق بسبب  بقعة  من النفط ،تخلصت منها إحدى البواخر في البحر، حيث تستغل هذه الأخيرة  أيام الضباب على الشواطئ كي تتوغل في عمق البحر لتغسل خزاناتها ،”غطست كنغا النورس رأسها عدة مرات، الى أن أدركت ومضات نور بؤبؤيها المغطيين بالنفط، البقعة اللزجة ،الوباء الأسود ألصق جناحيها بجسدها ، وهكذا راحت تحرك ساقيها بأمل أن تسبح بسرعة وتخرج من وسط الطاعون الأسود “.

 

البقعة السوداء  لعنة الأم”كينغة “وهي تنتظر نهايتها المشؤومة، الوباء الاسود لعنة لويس سبولبيدا وهو ينتظر نهايته المشؤومة على  سرير تحت العناية المركزة بإحدى المستشفيات الاسبانية” بسبب كوفيد 19،مثلما مرت النورس “كينغا” بأطول ساعات عمرها جاثمة فوق الماء متسائلة برعب عما اذا كان ينتظرها أفظع  أنواع الموت .

 

وتذكر الشاعرة كارمن يانييس  رفيقة دربه ما أجابها به  في لحظات وعيه الأخيرة عندما قالت له إنك شجاع وتجاوزت محناً اصعب من هذه: فكان جوابه  “الشجعان ليسوا إلّا أشخاصاً قرّروا معانقة الخوف في حياتهم ” هكذا قرر سبولبيدا أن يعانق قدره دون خوف ويطير محلقا الى الأبد، كواحد من الذين أثروا الادب اللاتيني بإبداعاتهم  ،يغادر في صمت الا من كلمات رثاء من أصدقائه ،حيث أن حالات الطوارئ المفروضة في اسبانيا ، التي حصد بها الوباء الالاف من الضحايا، لم تسمح لعائلته ولرفاقه وأصدقائه من مؤازرته في محنته، أو تشييع جنازته بعد رحيله ،يقول لويس في روايته ” طائر النورس والقط الذي علمه الطيران” وهو يصف احتضار النورس “كينغ “وحيدة :

 

“انه القانون ، كذلك رأت بعض النوارس التي فاجأها المد القاتل الأسود، ورغم رغبتها بالهبوط لتقديم مساعدة غير مجدية ،فقد ابتعدت محترمة القانون الذي يمنعها من حضور موت زميلتها”

 

هل الحظ العاثر الذي كان ينتظر لويس سبولبيدا ليصير جسده طعما سهلا للموت البطيء اختناقا بفيرويس كوفيد19 هو نفسه حظ النورس الام “كينغ” التي بدخول النفط في بين ريشها أغلق جميع مساماتها وأنهى حياتها…فكم كان مصير النورس “كينغ” والاديب لويس متشابها ،وبالتالي ألم يكتب لويس خاتمة حياته   من خلال مأساة النورس كينغ في الفصل الاول من روايتة  النورس والقط الذي علمه الطيران؟؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات