الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

أيها المناضلون! السجن ليس هدفا..

 

 

 

عبد المولى المروري – كندا

 

 

 

النضال ليس انتحارا

النضال ليس تهورا

النضال ليس مواجهة

النضال ليس استفزازا

النضال ليس معناه الذهاب إلى السجن أو القبر..

 

 

النضال الحقيقي والبَنَّاء والهادف هو نضال من أجل بناء الوعي ونشر الفكر وتنوير المواطن وصناعة رأي عام ناضج وواع .. من أجل تغيير الإنسان عن طريق تغيير الفهم والتأثير على الوعي.. قبل أي تغيير آخر..

 

والمكان الطبيعي للمناضل هو الساحات العامة والشوارع والقاعات والمقرات، وليس أقبية الشرطة وقاعات المحاكم والسجون المظلمة ..

 

المناضل يجب أن يحرص على حريته حرصَه على حياته.. لأن في سجنه سجن للكلمة التي يجب أن تظل مُحلِّقة ومتنقلة مع صاحبها خارج أسوار السجون والمعتقلات، يحملها المناضل معه أينما حل وارتحل للمساهمة في نشر الوعي وإصلاح الإنسان وتغيير الواقع ..

 

السجن لن ينفع المناضل أبدًا، لا آجلا ولا عاجلا، فأعمال التضامن التي تقوم بها الحركة الحقوقية رغم أهميتها ونبلها تظل دون بناء الوعي المطلوب الذي يجب نشره في المجتمع، ودخول المناضل إلى السجن لن يفيد المجتمع.. بل هو خسارة له وللمجتمع.. المجتمع يحتاج مناضليه أحرارا وأحياء.. لتحقيق التراكم النضالي وتوسيعه وتعميقه فكريا وثقافيا وتربويا..

 

فالسجن اضطرار يقع فيه المناضل، وليس اختيارا يعتمده أو قرارا يتخذه، هو استثناء في مساره النضالي، وليس أصلا وأساسا فيه.. والحرص على الحرية ليس جبنا أو ضعفا.. بل هو حكمة ونضجا من لدن المناضل.. كما أن الشهادة والموت في سبيل قضية نبيلة هو اضطرار وليس اختيارا.. فالمجاهد عندما يجاهد في ساحات المعارك لا يطلب الموت والشهادة كهدف، بل هدفه الأول والأساس هو النصر.. وإن كان يتمنى الشهادة فهي استثناء وفي المرتبة الثانية، لذلك يقال : النصر (أولا) أو الشهادة (ثانيا)، فالنصر هدف أساسي وأصيل، والشهادة هدف عارض وثانوي.. والمقاتل في المعارك يحرص على حياته ويتحاشى الموت بالتماس أسباب ذلك، لا أن يلقي بنفسه وروحه طلبا للموت.. فإذا استشهد كل المجاهدين، فكيف سيتحقق النصر؟ ومن سيأتي به؟ وإذا اعتقل كل المناضلين فمن ينشر الوعي ويحرر المواطن من أسر التخلف والاستبداد؟

 

لذلك فإن الأصل بالنسبة للمناضل أن يحرص على حريته .. لا أن يغامر بها ويتساهل فيها من خلال تصريحات متسرعة واستفزازية لا تبنى فكرا ولا تنشر وعيا، ولا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر .. بل تدخل صاحبها في احتقان مجاني وتوترات لا فائدة منها.. لا تجلب إلا المتابعات والمحاكمات والمعتقلات..

 

وهذا لا يعني أن يصمت المناضل عن الحق، ولا أن يتوقف عن فضح الفساد والاستبداد، ولا أن يرضخ للقمع والظلم.. بل على المناضل أن يواصل ويستمر في ذلك كله.. ولكن دون استعمال عبارات وكلمات لا علاقة لها بفضح الفساد ولا بمحاربة الاستبداد.. وشخصيا أنا أفضل الكلام الذي يحلل ولا يتهم، يوضح ولا يحكم، يشرح ولا يسب… كلام يتحرى الموضوعية وينحاز إلى الحق ويتسلح بالدليل ويتوشح بالشجاعة والجرأة.. بطريقة يفوت على السلطوية والاستبداد فرصة المتابعة على خلفية جريمة السب أو القذف أو إهانة مؤسسات أو شخصيات معينة.. ولن يبقى لهم إلا صناعة وفبركة ملفات وهمية كما هو الشأن بالنسبة لبعض المعتقلين بعد أن عجزوا على متابعتهم بسبب كتاباتهم أو مواقفهم…

 

وفي التاريخ شواهد وأحداث تؤكد أن الكثير من العلماء والدعاة في كل بقاع العالم كانوا يفرون بأرواحهم وحرياتهم، وهذا ليس جبنا من قبلهم.. بل هو حرص منهم على نشر الوعي والعلم بين الناس، واعتقالهم أو قتلهم هو توقف لتلك المسيرة.. فلقد فر الحسن البصري وسعيد بن جبير والكثير من الصحابة والتابعين من بطش الحجاج بن يوسف الثقفي.. فهل يمكن أن نتهم هؤلاء الأعلام والرجال والعلماء بالجبن.. ولقد فر إبراهيم عليه السلام من بطش النمرود، وفر موسى عليه السلام من قوم فرعون (ففررت منكم لما خفتكم) قبل أن يرسله الله إليه رسولا .. وفر عيسى عليه السلام، والهجرة النبوية كانت فرارا بالدين من بطش كفار قريش من أجل بناء الدولة، وفر إدريس الأول من بطش العباسيين فبنى دولة الأدارسة قبل أن يتم اغتياله.. كما فر العديد من علماء وفلاسفة عصر الأنوار في أوروبا أيام حكم ملوك مستبدين وكنائس ضالة وظالمة.. فمنهم من قتل، ومنهم من سجن، ومنهم من نجى بحياته واستمر في عطاءه العلمي والمعرفي..

 

ولكن يبقى الأصل هو الحرص على الحرية والحياة، لا التفريط والتساهل فيهما حتى يُقال فلان المناضل معتقل.. فأن يأتي البلاء والمحنة بطريقة استثنائية وعرضية فلا بأس في ذلك، وهذه من أهم سنن وقوانين التغيير الاجتماعي، وعندها يجب الصبر والثبات، فلقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ «لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموه فاثبتوا»، هذا هو المنهج في التعامل مع هذه المواقف.. لا لطلب السجن، لا لطلب الموت.. ولكن إذا حل البلاء وجاءت المحنة، فعندها لابد من الصبر والثبات..

 

إننا نواجه معركة الوعي وبناء الفكر وإصلاح الوضع وتغيير الإنسان، وليس تسابقا نحو المحاكمات والسجون والمعتقلات.. فاحرصوا على حرياتكم أيها المناضلون! فالشعب يريدكم أحرارا لا سجناء..

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!