الكيف الشاوني القديم والنموذج التنموي الجديد
عبد الإله شفيشو / فاس
مقدمة: ارتباطا بالمقالين السابقين (الانتحار وموسم الهجرة من القرية للمدينة نموذج إقليم شفشاون) يتأكد على أن كل الثورات التنموية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية الهادفة في العالم ابتدأت من الإنسان و إلى الإنسان انتهت، وها هي الدولة المغربية تطلق مشروع النموذج التنموي الجديد فهل يمكن للمواطن المغربي بشكل عام والشاوني بشكل خاص المتهم حتى تثبت براءته، اليائس، الغارق في مشكلات يومية تافهة،…الأمر الذي نتج عنه انتشار ظاهرة الانتحار في وسطه أو الهجرة للمدينة كبديل التي طفت على السطح مؤخرا أن يساهم في تنمية وطنه/جهته/إقليمه/ منطقته؟.
تعرف مدينة الشاون/شفشاون بعلامات كثيرة لا يمكن طمسها رغم أن عبث الزمان الذي يستهدف عمقها و شموخها قد يؤثران على تاريخها الباهر و الحافل بالأمجاد و البطولات و إلى جانب ذلك تعرف أيضا بالكيف نعم الكيف و البعض يصر أن تكون للكيف و للكيف فقط ، لم يعد مقبولا تسمية الكيف الشاوني بالقنب الهندي ليس إنكارا لأصله و لا تشبثا بانغراسه العميق في التربة لأنه ليس بالشيء الذي يفتخر بامتلاكه أو يتنازع حول انتمائه ولكن لتوفره على شروط حمل الجنسية بامتياز و رغما عن ساكنة الإقليم كمواطنين متضررين بالدرجة الأولى ، فلقد شكل الكيف الشاوني كصناعة قائمة بذاتها مصدر إثراء و جاه بالنسبة للعديد من الأباطرة و المنتخبين و من الطبيعي أن يتم حمايته ليستمر بل و أن يتوسع إنتاجه بهذه الطريقة أو تلك و أن يتم تسويقه و ترويجه بكل مشتقاته بالداخل و الخارج ضدا على كل الأصوات التي تدعوا إلى إنقاذ أبناء الإقليم من سمومه و أثاره المدمرة وهته الحماية المستمرة بما في ذلك التستر على تبييض عائداته ليست خافية على أحد وتعد من العناصر الأساسية لمجموعة من التحقيقات الصحافية المكتوبة و المرئية و التقارير الوطنية و الدولية التي تتحدث عن شبكات المخدرات ذات الامتداد الدولي و المرتبطة بفرق الموت على الطريقة المغربية في مجال الهجرة السرية و التهريب و أخيرا الإرهاب.
إن النموذج التنموي الجديد أمام معضلة لا تقل خطورة عن باقي المعضلات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و تعد محكا حقيقيا لمصداقية الشعارات المرفوعة و لجدية الخطاب الرسمي فيما يتعلق بالتطهير و التخليق و لمدى تجاوبه مع الإلحاح الأوروبي على وقف تسرب القنب الهندي و مشتقاته إلى ترابه، كما أن الهيئات السياسية بدورها معنية بهذه الآفة القاتلة لأن غض الطرف عنها مؤشر قوي على العجز بالنسبة للبعض و تواطؤ للبعض الأخر هذا الأخير الذي يضم في صفوفه أباطرة المخدرات بالمكشوف و بفضلهم نمى رصيده المالي و البرلماني.
” التواطؤ والصمت وتشجيع زراعة نبتة الكيف “: تحت هذا العنوان كان قد كشف تقرير لجمعية حقوقية بتورط الأوقاف والسلطة والمنتخبين في زراعة الكيف عقب زيارة ميدانية قامت بها إلى بعض المناطق المزروعة بالكيف بإقليم شفشاون حيث أورد التقرير أنه تم الوقوف على قطعة ارضية وهي مزروعة بالكيف على مساحة 4 هكتارات بعدما تم الاعتداء على الملك الغابوي وأكد التقرير أن بعض السكان الذين تمت ملاقاتهم يؤكدون أن أصاحب الأرض المذكورة يحرثون قطعا عديدة يبلغ مجموعها 14 قطعة بمساحة إجمالية تقدر بـ23 هكتار كلها مزروعة بالكيف أمام أنظار السلطات المحلية والدرك الملكي، وكشف التقرير أن صاحب الأراضي المزروعة بالكيف مستشار جماعي ويحمل صفة فقيه كمهنة يستغلها في الترشيح للانتخابات ليصبح من أكبر أباطرة المخدرات بالمنطقة هذا وأن أغلب القطع الأرضية المزروعة بالكيف أنجز بشأنها بيوعات عرفية لأبنائه بما فيهم القاصرين تحسبا لأي مخاطر قضائية.
واسترسل التقرير في الكشف عن أن أعضاء الجمعية الحقوقية في منطقة أخرى وقوفوا على وجود عدة قطع أرضية مزروعة بالكيف مساحتها تفوق 7 هكتارات تعود ملكيتها لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حيث أوردوا أن الأراضي مترام عليها من طرف من يحرثها دون أن تحرك الجهات المالكة ساكنا وزادوا أن مسؤولي الأوقاف لم يسبق لهم أن اتخذوا أي إجراء في مواجهة المترامي كما أنه لا توجد عقود كراء أو ما شابه ، وبعد الاستفسار في الأمر هناك من فسّر الأمر بأنهم يتفادون مثل هذه العقود حتى لا يتورط الشخص الذي يحرث الكيف و أن هناك عقود كراء في اسم أشخاص غريبين عن المنطقة ولا يتحوزون للأرض وهي الأساليب التي يلجأ إليها للتمويه والتحايل على كل حملة محتملة من أجل إلصاق التهمة بأصحاب العقود.
إذا كان هذا هو حال الماضي المستمر في الحاضر فماذا عن المستقبل في ظل النموذج التنموي الجديد؟، فإذا كانت الدولة اليوم مشددة على أن تقنين لهذه الزراعة لأهداف تنموية سيمكن من إخراج المنطقة من الاستغلال الاقتصادي والسياسي والقهر والإقصاء فإن التحديات المطروحة اليوم كذلك كثيرة و في مقدمتها المعالجة السلمية و البحث الجدي عن أنجع السبل لنزع الجنسية الشاونية عن الكيف و الحد من انتشاره و توسع استهلاكه و ذلك في إطار مشاريع و أوراش تنموية كبرى و واقعية تتماشى و خصائص الإقليم ( مناخ ، تضاريس …) والتي يتوخى منها النهوض بالأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية لوقف نزيف الهجرة أولا ثم بعد ذلك إرساء بدائل فعلية من شأنها رفع الحيف عن المنطقة المهمشة و المحذوفة من أجندة القيمين على الشأن بعيدا عن الحملات الفلكلورية كحملة 1996 و ما سمي بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية .
One Response
صحيح الشاون… النوارة تعيش بين خاصيتن النِّعَم والنِّقَم ،
يقول” ليون تروتسكي ” : ( إن الحقيقة دائما جارحة لكنها ضرورية كوسيلة للإصلاح ، أما الكذب فيستخدم لإنقاذ ماء الوجه لكن ليس لتربية الأجيال ) .