الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

العَبِيــدٌ صُنَّــاع الطَّوَاغِيــتُ

 

 

 

عبد الإله شفيشو / المغرب

 

 

أبلغ المقولات عبر التاريخ التي تعاكس صنع العبيد للطواغيت والتي ستكون مدخل لصلب الموضوع هي:

 

ما ورد على لسان “عمر بن الخطاب” عندما وزع على الناس من بيت المال فقال أحدهم جزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين، فقال عمر: (ما بالهم نعطيهم حقهم ويظنوها منّة).

 

ما جاء في حكمة الفيلسوف “أفلاطون”:(لو أمطرت السماء حرية لرأيت بعض العبيد يحملون المظلات).

 

ما قاله “ابن خلدون” في مقدمته المشهورة: (لو خيّروني بين زوال الطغاة أو زوال العبيد، لاخترت بلا تردّد زوال العبيد، لأنّ العبيد يصنعون الطواغيت ولا يبنون الأوطان).

 

ما روي عن أول رئيس للبوسنة والهرسك “علي عزت بيجوفيتش” أنه عندما دخل المسجد متأخرا يوم الجمعة فأخذ الناس يفسحون له ليتقدم إلى الصف الأول فنظر إليهم غاضبا وقال:(هكذا تصنعون طواغيتكم).

 

إن التاريخ يعلمنا أن اضطهاد الإنسان في أي شكل من الأشكال هو عبودية بحتة وهذه الأخيرة تتأصل بمختلف أشكالها في مجتمعنا المعاصر فالعبد الذي ألف العبودية هو رائدا في صناعة الطواغيت في كل مناحي الحياة وهو يفقد عزة نفسه لأنه لم ينعم بالحرية قط ولم يألفها كما لا يشعر حتى بالأسف عليها لأنه تعايش مع الاستبداد الذي غير طبيعته الإنسانية التي فطره الله عليها، بهذا يرى علماء النفس بأن إدمان العبودية يشبه إدمان المخدرات فهو يحتاج الشفاء منه فترة كي يتخلص العبد من ترسبات العبودية في دماغه، بلا شك لا يولد الطاغية طاغية إنما يصعد سلالم الطغيان خطوة خطوة وقبل كل هذا وذاك هو في حاجة إلى تربة خصبة تحتضن بذور الطغيان الخاصة به، فكل مواطن هو مشروع طاغية إذا وجد البيئة الملائمة فالمدني والعسكري مهما علت به الرتب يجب أن تتم معاملته كأي موظف يتقاضى أجرا لقاء ما يقوم به من عمل ويحاسب عليه فلا داعي لخلق أساطير من لا شيء ولا حاجة لصناعة أبطال من ورق.

 

إن أشهر وأنجع آلية يحكم بها الطغاة هي زرع الخوف في نفوس شعوبهم سواء كان ذلك بالتنكيل ببعضهم أو خلق الأساطير الوهمية أو التهديد بالأخطار الخارجية حتى يبدو الزعيم أنه “الإله” مصدر الخير والشر، ورغم أن الخوف غريزة طبيعية تساعد الإنسان على البقاء والتعامل مع الأخطار التي تهدد حياته إلا أن شريحة العبيد المستعبدة يسيطر عليها نوع من الخوف بعينه يتجذر في نفوسها وهو الرهبة من الحاكم وقد يكون هذا الأمر مرتبطا بأسباب عميقة منها ما هو ديني (من عصى الخليفة فقد عصى الله) وما هو تاريخي (تعاقب دكتاتوريات عديدة على حكم مجتمع معين)، ومن النتائج التي تثير الدهشة هي ما ورد في تقرير المؤشر العربي لسنة 2014 حيث أظهر أن ما نسبته 43% من شعوب الدول العربية يعتبرون أن مجتمعاتهم غير مهيئة للنظام الديمقراطي بل عبرت نسبة شريحة العبيد من مواطني الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي (20 فبراير بالمغرب) عن اشمئزازهم من النظام الديمقراطي.

 

إن المسؤول والمدان في صناعة الطاغية هم العبيد بالدرجة الأولى، فلا يمكن لحاكم أن يستعبد شعبه إلا إذا كان في هذا الشعب شريحة قابلة للاستعباد، فقد يجد العبيد في شخصية الطاغية مصدر فخر واعتزاز، لذلك فهؤلاء العبيد يدافعون بكل قوة وشراسة عن الطغاة بل ويتعاونون معهم ويعشقون تقبيل أحذية طواغيتهم ويعلنون الولاء الكلي لهم، بل يتجسسون على أهلهِم وأقربائهِم وأصحابهِم الذين لا يزال لديهم مسحة من العزة والكرامة فيصبحون طاغوتيين أكثر من الطاغوت نفسه.

 

من الأمور العجيبة والغريبة التي تجعل الإنسان الحر محتارا ومذهولا أن تصبح الضحية تعشق جلادها وتساعده وتعاونه على سلخِ جلدها وهي ضاحكة مستبشرة، ولا عجب أيضا أن هناك فئة عريضة تساند وتناصر الطواغيت ولو بعد مماتهم، ويحرص الطغاة دوما على أن يحاطوا بأمثال هؤلاء في مسيرهم حتى يبدون محبوبين لدى الناس، وهنا يأتي دور الإعلام بالدرجة الثانية باعتباره عراب الطواغيت الذي يعمل جاهدا على تزييف الحقائق، فهذه الاستراتيجية يستخدمها لإضفاء الشرعية على أفعال الطاغوت وذلك بوضعه دائما في مكانة الحكيم الذي يتخذ القرارات الناجعة والتي لا تخطئ أبدا، ليس هذا فقط بل يحاول الإعلام أيضا أن يجعل الأخطاء التي يقترفها الطاغوت على أنها من مسؤولية شخص آخر قد تمت معاقبته من طرف الطاغوت نفسه، وبتكراره لهذا الحدث يصبح أي فعل ناجح من مسؤولية الطاغوت وأي فعل فاشل من فعل شخص آخر.

 

إن الحرية هي طريق الخلاص من الطواغيت وهي رصيد نفسي قبل أن تكون واقعا سياسيا، فإذا كانت النفوس مشبعة بالحرية والامتلاء الروحي ولا تعاني من عقدة نقص فإنها لن تسمح لأحد بأن يستعبدها، وستفيض هذه الحرية النفسية على الواقع الاجتماعي فلا يقبل الناس لحاكم أن يذلهم أو يهينهم، للحرية مفعولا عجيبا في تحرير النفوس وتحريضها على الثورة على الطغيان، لأنه يغرس فيها بأن هؤلاء الطواغيت عباد أمثالنا لا يملكون لنا شيئا فينتج عن هذا الإيمان بالحرية نماذج مثل “بلال بن رباح” الذي تشبع قلبه بالحرية والانعتاق فلم يعد يرى لسادة قريش من فضل عليه وهو العبد الأسود الحبشي، بل رآهم عبادا لا يملكون له ضرا أو نفعا فثار على ظلمهم وحطم أغلال العبودية وصدع بكلمة الحرية الخالدة (أحد أحد).

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

One Response

  1. #يَــا_مَعْشَــرَ_العَبِيــدٌ
    إِنَّــي بــُرَآءُ مِنْكُــمْ وَمِمَّــا تَصْنَعُــونَ من طَوَاغِيــت إِلى أن يتَحَــرَّرَ وَطَنِــي وَمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَحْــرَار بِعَسِيــر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات