الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

على هامش المسيرة الشعبية ل 4 دجنبر 2022

قانون المالية والدولة الاجتماعية: أية علاقة؟

 

 

بقلم الدكتور علي بوطوالة

الكاتب العام لجزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي

منسق فدرالية اليسار الديمقراطي

 

منذ أن فضحت جائحة كورونا سنتي 2020و2021مدى هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، والخطاب الرسمي يروج بدون انقطاع، حرص الدولة على تحقيق التغطية الاجتماعية الشاملة، وبناء الدولة الاجتماعية، وبشكل مواز تم التسويق وبشكل مكثف لما سمي بالنموذج التنموي الجديد. في هذا السياق، من حقنا التساؤل عن مدى التزام الحكومة الحالية بهذه التوجهات التي لا يمكن نكران مدى حاجة المجتمع المغربي لتطبيقها، لمواجهة تداعيات أزمة كبرى لم تواجه البلاد مثلها منذ أكثر من عقدين؟

 

أولا: تذكير بالاختيارات الأساسية للسياسة الاقتصادية

 

لا يخفى على الباحثين والمتتبعين، وعموم المهتمين أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي نهجها النظام المغربي طيلة العقود الستة الماضية ظلت مرتبطة بتوجيهات المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، التي مارست على الدولة المغربية نوع من الوصاية وبالتالي ظلت هذه الاخيرة بالاختيارات الليبرالية ثم النيو ليبرالية في إطار العولمة الاقتصادية والاحادية القطبية. وهكذا، وكما يعلم الجميع، فمنذ الانقلاب على الحكومة الوطنية للمرحوم عبد الله ابراهيم في شهر ماي 1960، تموقع النظام المغربي مع المعسكر الرأسمالي وأعطى الأولوية في السياسة الاقتصادية لفلاحة التصدير، السياحة، الصناعات الاستخراجية مثل الفوسفاط وبعض الصناعات التحويلية كالنسيج والصناعات الغذائية. وعلى عكس أغلب البلدان المستقلة عن الاستعمار، التي نهجت اختيارات تحررية للحد من التبعية للمراكز الامبريالية الغربية والتي نهجت سياسات التأميم والتصنيع الثقيل، أصر النظام المغربي بالرغم من المعارضة القوية للأحزاب الوطنية والتقدمية طيلة أربعة عقود وبالرغم من الانتفاضات الشعبية خلال سنوات 1990،1984،1981،1965على مواصلة تطبيق نفس الاختيارات اللاشعبية واللاديموقراطية المتعارضة مع انتظارات وتطلعات الأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية المغربية.

 

هذا الإصرار سينتهي بعد التقرير الشهير للبنك الدولي سنة 1995الذي فرض على الملك الراحل الاعتراف علنا وعلى أمواج الاذاعة وشاشة التلفزة بخطر “السكتة القلبية “وبأن الإصلاح والتغيير “ضرورة بيولوجية “.

 

منذ تلك السنة، وكما هو معروف، بدأ رئيس الدولة في تحظير شروط ما عرف “بالتناوب التوافقي “الذي مثل قطيعة جزئية مع السياسات العمومية المتبعة سابقا، والتي قادت البلاد الى أزمة شاملة وخانقة.

 

لقد تمكنت حكومة التناوب التوافقي فعلا من تحقيق التوازنات الكبرى، والتخلص من ثقل المديونية الخارجية ورفع نسبة النمو نسبيا، لكن بالتضحية بالممتلكات العمومية والمؤسسات الاستراتيجية للبلاد، من خلال الخوصصة التي مررت بعض صفقاتها الكبرى بالتآمر على مصالح الشعب المغربي كما سيتبين ذلك في حالة مصفاة سمير بالمحمدية.

 

ثانيا: محدودية التغيير في إطار الاستمرارية

 

مثل ما حدث في سنة 1960، سيتم الانقلاب على سياسة التناوب التوافقي سنة 2002 رغم حصول الحزب الذي قاد هذا التناوب على الأغلبية النسبية في الانتخابات البرلمانية، وتم تعيين ادريس جطو، الإطار التكنوقراطي وزيرا أول في تناقض صريح مع ما ينص عليه الدستور. كما عرفت توجهات السياسة الاقتصادية هي الأخرى بعض التعديلات على غرار خلاصات وتوصيات تقرير الخمسينية الذي وضع بناء على المعطيات المتوفرة آنذاك، ثلاث سيناريوهات للتطورات المستقبلية في أفق 2025، اي لمدة عشرين سنة، انطلاقا من 2005.

 

المؤلم حقا أن السيناريو الأدنى للتطور تحقق بالنظر للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحالية (2022). لقد كان من الممكن تحقيق أهداف السيناريو الأعلى (نتائج دولة صاعدة)، أو على الأقل، السيناريو المتوسط، لو تم الاستماع لرأي الخبراء الذين صاغوا ذلك التقرير، وهم بالمناسبة لم يكونوا في المعارضة.

 

تجاهل الحقائق الموضوعية والعودة للاختيارات المخزنية السابقة بفبركة جديدة للخريطة السياسية ابتداء من سنة2007، سينتهي بانفجار الأزمة من جديد، وبحراك   20فبراير الذي استمر لسنة كاملة تقريبا، رغم الإجهاض الذي تعرض له، وتواطئ الحزب الأصولي الذي وضف ذلك الحراك بعقد صفقة مع النظام، وهو ما مكنه من قيادة الحكومة لمدة عقد من الزمن عرفت تمرير تراجعات خطيرة على المستويات السياسية والحقوقية والاجتماعية.

 

ثالثا: قانون مالية 2023 تكريس لسياسة تدبير الأزمة

 

بالرغم من المخاطر التي أصبحت تهدد تماسك المجتمع المغربي واستقراره بفعل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنتين من جائحة كورونا، وجفاف قاس، وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية في هذا السياق، كان من المفروض أن يتضمن مشروع قانون المالية الجديد إجراءات وتدابير، تحد من تأثير التداعيات الكارثية للازمة، ودعم القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية المغربية، علما أن دعم الطلب الداخلي يؤدي كما برهنت التجارب على ذلك، الى تحفيز الأنشطة الاقتصادية، وتوسيع الدورة الاقتصادية من خلال رفع الاستثمارات العمومية ورفع مستوى الاستهلاك النهائي. الملاحظ، أن هاجس حكومة الباطرونا التي يقودها أحد اكبر رجال الأعمال ينحصر في دعم البورجوازية الريعية، المستفيد الوحيد من الارتفاع المستمر لأسعار المحروقات والمواد الأساسية، بالرغم من التضليل الاعلامي المتواصل حول بناء الدولة الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية والدعم المباشر للأسر الفقيرة.

 

إن رفض تطبيق إصلاح ضريبي منصف وعادل واحداث ضريبة على الثروة والارث ورفع أجور الموظفين والعمال، وعدم الاستجابة لمطالب الشغيلة والمركزيات النقابية كل ذلك يؤكد الهوية الطبقية لهاته الحكومة وتوجهاتها النيوليبراية.

 

بناء على كل ما تقدم يمكن فهم وتفهم أسباب الاحتجاجات الاجتماعية المتواصلة ضد سياسة هذه الحكومة، وأبرزها المسيرة الشعبية التي دعت اليها الجبهة الاجتماعية المغربية بمدينة الرباط يوم الأحد 4دجنبر 2022.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات