موقف الحزب الشيوعي المصري من الانتخابات الرئاسية المُقبلة
تدخل مصر أجواء معركة الانتخابات الرئاسية القادمة في ظل أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية طاحنة تفاقمت بشكلٍ غير مسبوق، بسبب إصرار الحُكم على الاستمرار في انتهاج السياسات النيوليبرالية المتوحشة، خضوعاً لشروط وتوجيهات صندوق النقد الدولي والجهات المُقرضة، الأمر الذي أدى إلى اختلال أولويات الإنفاق العام، وتركُّز معظمها في قطاعي البنية التحتية والمشروعات العقارية بدلاً من قطاعات الإنتاج الصناعي والزراعي، مما أدى إلى تراجع شديد في دور القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد الكلي وهيمنة القطاعات الريعية والخدمية وأنشطة المُضاربة في المال والسلع والأراضي، وتراجع الصادرات أمام التضخُّم الكبير في الاستيراد الذي يكاد يشمل كل مُتطلبات الحياة، وترك الساحة تماماً للاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، والتفريط في الأصول المملوكة للدولة، بعد تصفية أهم قلاع الصناعة وخصخصة القطاع العام، وكل ذلك أدي إلى تزايد غير مسبوق في الديون الخارجية لتصل إلى أكثر من 170 مليار دولار والداخلية (خمسة تريليونات جنيه)، وبالتالي وجود عجز دائم في الموازنة وفقدان مستمر للقوى والإمكانيات المادية اللازمة لأي تنمية وطنية شاملة ومُستدامة.
وقد أدت هذه السياسات التي تم تحميل أكلافها الباهظة إلى جموع الفقراء ومحدودي الدخل وحدهم، إلى تدهور شديد في الأوضاع المعيشية للطبقات الكادحة وانهيار أوضاع شرائح واسعة من الطبقة الوسطى بسبب غياب العدالة الاجتماعية، والتراجع الشديد في القيمة الشرائية للأجور والمعاشات بعد التعويم المُتواصل للعملة، إضافة إلى انفلات الأسعار في أسواق السلع والخدمات التي أعلن المسؤلون أنهم لن يُخضعوها لأي ضوابط أو رقابة، في ظل استفحال أزمتي التعليم والصحة، والتردي العام في الخدمات، بعد الخطوات المُتسارعة لتحويل كل هذه القطاعات الحيوية إلى قطاعات استثمارية ربحية، بما فيها المدارس والجامعات والمستشفيات الحكومية.
وإزاء هذه الأوضاع بالغة الخطورة، والتى تُهدد بانفجارات اجتماعية شديدة، مالم تتُخذ خطوات عملية مُحددة تنزع فتيل الغضب المكبوت والمُتفاقم لدي قطاعات كبيرة من المواطنين، الذين يرون، من واقع حياتهم المُعاش يومياً، استحالة استمرار الأوضاع الحالية على النحو القائم، وأن انتهاء تهديدات الإرهاب، والتي كانت ـ في الماضي ـ مُبرراً للسلطات في إحكام القبضة الأمنية، ومُمارسة سياسات التقييد للحريات الدستورية، وخنق المجال العام، والتوسُّع في الحبس لمجرد إبداء الرأي، ومصادرة الأنشطة الحزبية والنقابية السلمية، … إلخ، لم يعد لها ما يُبررها، وإنما أصبح مطلب “التغيير”: في السياسات التي تأكد تعثُّرها، والأشخاص الذين يتحملون مسؤلية تنفيذها، وبما قاد البلاد إلى السقوط في مُستنقع الديون، بآثار هذا الوضع الكارثية، الراهنة والمستقبلية!
ومن هنا تأتي أهمية الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي ينبغي ألّا تكون نسخة هزلية من الانتخابات الماضية، والتي خيضت في مواجهة منافسين “كومبارس” جعلوا منها مساراً للسخرية والتندر!
ولذا هنا فمن الضروري أن تكون الانتخابات المقبلة حُرّة ونزيهة كشرطٍ رئيسي لوجود مسار آمن للدولة والمجتمع، يشعر فيه المصريون بالثقة والطمأنينة على فرض الإرادة الشعبية الحرة في اختيار الرئيس القادم، ويتطلَّب ذلك إصدار مجموعة من القوانين والإجراءات المُلزمة، تحدَّدت نصاً في النقاط الخمسة عشر الواردة في بيان أحزاب الحركة المدنية الصادر بهذا الشأن في 13 أبريل 2023، وأهمها رفع الحصار عن النشاط الحزبي والسياسي والنقابي ووقف عمليات القبض والترويع ضد المعارضين لضمان حق المرشحين المختلفين وأنصارهم في النشاط الانتخابي بحُرّية، وإجراء الانتخابات تحت إدارة مفوضية وطنية للانتخابات، وقصر دور وزارة الداخلية على تأمين مقار الانتخاب وعدم التدخُّل في أعمال اللجان، وفرز الأصوات في اللجان الفرعية وإعلان نتيجتها في كل لجنة فور الانتهاء منها، وضبط عمليات الإنفاق المالي، والحياد التام لأجهزة الدولة بين كل المرشحين، وفتح المجال الإعلامي بشكل مُتكافئ أمامهم جميعاً، فلا يمكن أن تكون الانتخابات حقيقية في ظل هيمنة السلطة على الإعلام الذي بدأ مبكراً الدعاية اليومية لإعادة ترشيح الرئيس السيسي.
وتفرض التحديات الراهنة على الأحزاب والقوى الوطنية والمنظمات الجماهيرية والنقابية ضرورة المشاركة بقوة فيها باعتبار أن نتائجها ستمثل خطوة نحو استمرار تعثر الوضع، أو تغيير حقيقي في السياسات التي فاقمت من الأزمات على كافة الأصعدة، وأن تتوافق على مرشح معارض فعلاً يستهدف التغيير، وليس مرشح “ديكور”، وأن يتبنى مرشح المعارضة رؤية يتمثل حدها الأدنى في الآتي:
ـ الالتزام بالمشروع الوطني، الذي توافقت عليه أحزاب الحركة المدنية، بكافة مكوناتها الاشتراكية والقومية والليبرالية (بديلاً للسياسات القائمة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
ـ تبنى سياسة التنمية الشاملة، المعتمدة على الذات أساساً مع الاستفادة بالاستثمارات الأجنبية وفق مبدأ المصلحة المتبادلة في إطار خطط تنمية متواصلة ومستدامة، يكون الدور الرئيسي فيها للقطاعات الإنتاجية، ويكون للدولة والقطاع العام فيها دور رئيسي إلى جانب القطاع الخاص والتعاوني.
ـ تبنى سياسة العدالة الاجتماعية التي تستهدف تكافؤ الفرص بين المواطنين في الحصول على عمل يكفل حياة إنسانية كريمة لكل مواطن وأسرته، وما يتضمنه ذلك من وضع نظام عادل للأجور، يتضمن حداً أدنى ملزماً لجميع قطاعات العمل ويتناسب مع مستوى أسعار المستهلكين السائد ونسبة التضخم السنوي وغلاء المعيشة، وحداً أقصى ملزماً لكل القطاعات ودون استثناءات، وإصلاح النظام الضريبي وفق مبدأي تعدد الشرائخ الضريبية، والضريبة التصاعدية على الثروات، وحق كل مواطن في التعليم والصحة دون تمييز، وحق كل عامل في الأمان الوظيفي.
ـ احترام مبدأ التعددية الحزبية والسياسية وتداول السلطة وفق الإرادة الشعبية، وتحرير العمل السياسي والنقابي من كافة القيود والضغوط وأشكال الحصار المختلفة والتشريعات سيئة السمعة المقيدة للحريات، وإطلاق سراح كافة المحبوسين في قضايا الرأي أو بسبب النشاط السياسي السلمي أو النشاط النقابي، أو المطالبة بالحقوق المهدرة.
ـ الالتزام بموقفٍ حاسمٍ من قوى الإسلام السياسي، والالتزام بالتراث الوطني المصري ونصوص الدستور، التي تُقر الفصل بين الدين والسياسة ورفض قيام أحزاب على أساس ديني، ورفض مشاركة جماعات الإرهاب التي تلوثت يدها بدماء المصريين أو حرضت علي الإرهاب في الحياة السياسية، وفي مقدمتها “جماعة الإخوان المسلمين”.
ـ الالتزام بسياسة نشر الثقافة الوطنية التي تعزز الهوية المصرية والانتماء العربي، كمكون حضاري مصري متواكب مع العصر ومُنفتح على ثقافات مختلف الشعوب، والتعهد بتوفير كل شروط النهضة العلمية والتقنية المطلوبة للحاق بالعصر.
ـ أن يلتزم بالموقف الوطني الثابت من العدو الصهيوني، وبدعم القضية الفلسطينية، والسياسات المُقاومة للهيمنة الإمبريالية والنيوليبرالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والموقف الواضح من قضية الحق في مياه نهر النيل، والدور المصري الإيجابي في المنطقة والعالم.
الحزب الشيوعي المصري ـ الحزب الاشتراكي المصري
القاهرة في: 31 يوليو 2023