الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

“البارادايم السياسي المغربي: حين تتماهى الدولة مع الحاكم، والدستور مع المخزن”

 

 

بقلم: عبد المولى المروري

 

 

قبل أن نتحدث عن البارادايم السياسي المغربي، لابد أن نقدم بين يدي القارئ تعريفا بسيطا ومختصرا عن البارادايم، وما هو موضوعه، وكيف يتشكل في الواقع والوعي؟ وكيف ينطبق على الواقع السياسي المغربي؟

 تعريف مصطلح البارادايم (Paradigm)

البارادايم، كلمة ذات أصلٍ يوناني قديم (paradeigma)، تتكوّن من مقطعين:

 (para) وتعني: “بجانب” أو “إلى جوار”،

 (deigma) وتعني: “نموذج” أو “مثال يُحتذى به.

مما يجعل المعنى الحرفي للكلمة هو: “النموذج الذي يُقدّم بجانب شيء آخر للتوضيح أو الاقتداء”.

وقد انتقل المصطلح من اليونانية إلى اللاتينية (paradigma)، ثم إلى اللغات الأوروبية الحديثة، حيث اتسعت دلالاته لتشمل كل نظام تصوري أو إدراكي يُشكل وعيا أو صورة أو رؤية جماعية للعالم.

وفي العصر الحديث، قام الفيلسوف والعالم الأمريكي توماس كون (Thomas Kuhn) بإعادة تعريف المصطلح في سياق فلسفة العلم، فجعل منه:

“الإطار النموذجي الذي تُمارس ضمنه الجماعة العلمية نشاطها، وتُفسّر الواقع من خلاله، ويُحدّد ما يُعتبر سؤالًا مشروعًا، وما يُعدّ جوابًا مقبولًا.”

وقد تَبنّت العلوم الإنسانية والاجتماعية هذا المفهوم لاحقًا، لتوضح به على كل رؤية كلية تحكم فَهْم الإنسان للواقع، وتوجّه تفسيراته وأحكامه وممارساته داخل مجال معرفي أو اجتماعي أو سياسي معين.

 

 أما في السياق السياسي:

فعندما يُقال البارادايم السياسي، فإن المقصود هو:

“النموذج التفسيري أو الإطار المرجعي الذي تنظر من خلاله جماعة أو نخبة أو أمة إلى السياسة، وتفهم به طبيعة السلطة، ومشروعية الدولة، وحدود الحريات، والعلاقة بين الحاكم والمحكوم.”

 

إنه أشبه بـ عدسة ذهنية أو خريطة رمزية، تُحدد للفاعلين السياسيين:

  • ما هو الممكن؟
  • ما هو المشروع؟
  • وما هو الممنوع أو غير المفكَّر فيه.

 

 

باختصار، البارادايم السياسي هو الإطار الذهني الذي تُشكِّل الدولة أو القوى المهيمنة من خلاله (أو بِه) فَهْم المواطنين للسياسة: ما هي؟ من يحق له ممارستها؟ وما الحدود المقبولة للنقاش والمعارضة؟ وما هي المجالات الممنوعة، والحدود التي لا يجب تجاوزها؟ إنه النموذج الخفي الذي لا يكتفي بتوجيه الرأي، بل يُحدّد طبيعة ما يُمكن التفكير فيه سياسيًا، وما يجب أن يُستبعَد في مجال الفكر والفعل وذلك دون وعي من المواطن.

فكما أن النظارات تُحدد ما نراه، فإن البارادايم يُحدد كيف نرى السياسة والسياسيين: من هو الوطني؟ من هو المعارض المقبول؟ ومن هو المعارض الخائن؟ ما معنى الإصلاح؟ وما هي حدوده؟ ما هي ‘الثوابت’ التي لا يُسمح انتقادها أو الخروج عنها؟ كل هذه مفاهيم تُصاغ مسبقًا داخل هذا النموذج، بحيث يَقبل بها المواطن دون أن يشعر بكونه خاضعًا لها، وهذا أغرب وأخطر ما في البارادايم.. 

 

أولًا: ما هو البارادايم السياسي المغربي؟ الإطار النظري،

 

يمثل البارادايم السياسي المغربي النموذج الإدراكي والمفاهيمي الحاكم (أو المتحكّم) الذي تنظر من خلاله الدولة إلى ذاتها، وإلى المواطن، وإلى مفهوم السلطة والشرعية. إنه الإطار الذهني الذي يُعيد إنتاج النظام السياسي في صيغته الرمزية والقانونية والمؤسساتية في وعي المواطن، ويضفي على الممارسة السلطوية طابعًا مشروعًا من خلال خطاب الديمقراطية ومظاهر الحداثة الشكلية بشكل يكون مقبولا لدى عموم الشعب.

هذا النموذج لا يقتصر على تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم داخل بنية الدولة، بل يمتد إلى المجتمع بأكمله، حيث يتم ترسيخه عبر أدوات ناعمة كالتعليم، والإعلام، والخطاب الرسمي، وحتى عبر بعض أشكال التدين المروّج لها من داخل مؤسسات الدولة. ومن خلال هذه الأدوات، يُعاد إنتاج البارادايم بشكل دوري، فيتحول من نموذج مصطنع إلى “واقع بديهي” يُسلَّم به، ويُتمثّله المواطن على أنه هو الشكل الطبيعي الوحيد والممكن للعيش المشترك.

وهكذا، يُدمج المواطن في هذا النموذج الإدراكي دون وعي أو إدراك منه، فيرى في الطقوس السياسية الشكلية ـ كالانتخابات، وخطابات الولاء، وتمثيليات التداول على الحكومة ـ دليلًا على ديمقراطية قائمة، بينما تظل السلطة الحقيقية محتكرة في مركز واحد لا يُسائل ولا يُنازع.

وبذلك يصبح البارادايم السياسي المغربي ليس فقط أداة لفهم الواقع السياسي، بل أداة لإنتاجه وضبطه وتأبيده، عبر تكريس التصورات الأحادية عن الدولة، والحكم، والمجتمع، وغياب أي نموذج بديل يمكن أن يُفكر فيه أو يُعبَّر عنه علنًا.

 

هذا البارادايم مركّب، مزدوج، يعيش على التناقض، ويتغذى على المفارقة، أي إنه يشكل في مجموعه بارادوكس سياسي بخصوصيىة مغربية، ويتجلى ذلك في:

1• فهو ملكي ديني تقليدي في الجوهر؛

2• وديمقراطي دستوري تمثيلي في الشكل؛

3• وسلطوي أمني تحكّمي في الممارسة؛

4• وحداثي تنموي دعائي في الخطاب؛

 

لفهم هذا التركيب العجيب، نحتاج إلى تفكيك طبقات هذا النموذج، وهذا ما سنشرع فيه لاحقًا….

كيف ذلك؟

(يتبع)

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!