الصفقات العمومية والأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
عبدالله الساورة ـ كاتب مغربي
تُعرف الصفقات العمومية على أنها العقود التي تُبرم بين الجهات العامة، مثل الحكومات والمؤسسات العامة، والقطاع الخاص بهدف تأمين السلع والخدمات والمشاريع التي تساهم في تحقيق المصلحة العامة. وتتنوع الصفقات العمومية لتشمل مجالات متعددة مثل البناء، الرعاية الصحية، النقل، التعليم، والأمن وغيرها من القطاعات الحيوية وتحكمها مجموعة من المبادىء العامة.
المبادىء العامة للصفقات العمومية
يعرف الباحث الاسباني خافيير بيريز دي لا كروز الصفقات العمومية أنها ” أدوات للإدارة العامة التي تعترف بالمصلحة العامة الأوسع وتحقق العدالة الاجتماعية “. وتعد الصفقات العمومية من المواضيع الحيوية في الاقتصاد والإدارة العامة، حيث تشمل العمليات والممارسات التي تتبعها الحكومات والمؤسسات العامة لتأمين السلع والخدمات من القطاع الخاص. وتهدف هذه الصفقات العمومية إلى تحقيق الكفاءة والجودة والشفافية في استخدام الأموال العامة، وهي تتأثر وتؤثر بأبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية متعددة. ويعتقد الباحث الامريكي بول ميلجروم أن ” تصميم الصفقات الحكومية بشكل صحيح يمكن أن يحقق الكفاءة الاقتصادية والتقليل من الفساد، مما يضمن استخدام الموارد العامة بشكل أفضل”.
وتتسم الصفقات العمومية بعدة خصائص تجعلها مختلفة عن العقود التجارية العادية، وتتعدد مبادؤها، ومنها مبدأ الشفافية بحيث تكون العمليات المتعلقة بإبرام العقود معلنة وواضحة للجميع، لضمان نزاهة الإجراءات وعدم التمييز. وكذلك مبدأ المنافسة والذي يتطلب أن تكون الصفقات العمومية دعوة العطاءات والمنافسة بين الموردين لضمان الحصول على أفضل العروض والأسعار. تم مبدأ الرقابة بحيث تكون الصفقات العمومية خاضعة للرقابة من قبل الجهات التنظيمية لضمان التزام الأطراف بالشروط والمتطلبات القانونية والتنظيمية. تم مبدأ تحقيق المصلحة العامة حيث تهدف الصفقات العمومية إلى تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق الأهداف العامة للدولة، بعيدًا عن المصالح الشخصية.
البعد الاقتصادي:
يركز العديد من الباحثون في درساتهم للصفقات العمومية على الجانب الاقتصادي لها، حيث يعتبرونها وسيلة لتحقيق الكفاءة الاقتصادية وتنشيط الأسواق. وتناول الباحث الأمريكي (بيتر فنسنت جونز)، (Peter Vincent-Jones) أنظمة العقود الاقتصادية وأهمية العلاقة بين المشتري والمزود. ويبرز الباحث أهمية تحقيق الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات العامة يتم من خلال العقود. ويرى بيتر فنسنت جونز أن “الكفاءة والفعالية في تقديم الخدمات العامة يمكن تحقيقها من خلال إدارة العلاقات بين المشتري والمزود بشكل جيد “. وكما تناول الكاتب بول ميلجروم وجون روبرتس قضايا الصفقات العمومية وكيف يمكن تصميمها لتحقيق الكفاءة القصوى والحد من آثار الفساد.
كما درس الباحثان الفرنسيان فيليب جانبين ومارك إيفالدي، (Philippe Gagnepain , Marc Ivaldi) أن الكفاءة الاقتصادية والسيطرة السياسية في عقود الخدمات والصفقات العمومية. وأبرز الباحثان أن العقود التي تعتمد على التكلفة الزائدة تنطوي على تكاليف أعلى للمجتمع ومخاطر كبيرة مقارنة بالعقود ذات السعر الثابت، وضرورة الحد من التحويلات إلى الجماعات المهتمة. وحسب الكاتبان فيليب جانبين ومارك إيفالدي أن “العقود التي تعتمد على التكلفة الزائدة تنطوي على تكاليف أعلى للمجتمع، مما يستدعي البحث عن حلول أكثر كفاءة “.
البعد السياسي:
تُعنى الصفقات العمومية أيضًا بالبعد السياسي، حيث تعتبر وسيلة لتحقيق أهداف السياسة العامة وتعزيز الشفافية والمساءلة. ويرى الكاتب البريطاني كريستوفر هود أن “الاقتصاد السياسي للصفقات العمومية يوضح كيف يمكن استخدام هذه الأدوات لتحقيق أهداف السياسة العامة وتحسين كفاءة الخدمات المقدمة للمواطنين”. ويربط الباحث الاسباني خافيير بيريز دي لا كروز أن “الإدارة العامة ليست مجرد جهة تنظيمية، بل هي شريك استراتيجي يساهم في تحقيق المصلحة العامة من خلال الصفقات العمومية التي تعكس التزاماتها الاقتصادية والاجتماعية “. ويسلط الكاتب البريطاني، توني بروسسر،
(Tony Prosser) الضوء على أهمية المساءلة العامة والحصول على قيمة مقابل المال في التعاقد الحكومي. ويرى الباحث البريطاني توني بروسسر أن “المساءلة العامة والحصول على قيمة مقابل المال يجب أن تكون الأولوية في التعاقد الحكومي لضمان تحقيق أهداف السياسة العامة “. ويشدد الباحث على أن قواعد الشراء في الاتحاد الأوروبي توفر قيودًا هامة على التعاقد الحكومي في الصفقات العمومية وتسمح بأخذ الاعتبارات الاجتماعية والبيئية بعين فاحصة. وينظرالباحثان فولكر بوسر وهيرمان جيث للصفقات العمومية من منظور أن “مبادئ الشفافية والمنافسة وعدم التمييز ضرورية لضمان عمليات شراء عامة نزيهة وكفؤة “.
البعد الاجتماعي:
ترتبط الصفقات العمومية بالبعد الاجتماعي أيضا، حيث تسعى إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة في الوصول إلى الفرص الاقتصادية، و قد درس الباحثان الاسبانيان خافيير بيريز دي لا كروز العلاقة بين الإدارة العامة والمصالح الاقتصادية، بالتركيز على أهمية دور الإدارة العامة في تحقيق المصلحة العامة وتنظيم السوق. ويرى الباحثان أن العقود العمومية تعكس المصلحة العامة الأوسع وتوفر إطارًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، بالتركيز على أهمية الإدارة العامة في تحقيق المصلحة العامة ودورها في تنظيم السوق. وقد كتب الباحثان الألمانيان فولكر بوسر وهيرمان جيث عن أهمية الشفافية والمنافسة وعدم التمييز في عمليات الشراء العامة حيث يعتبرون أن الصفقات العمومية تعكس المصلحة العامة الأوسع وتتجاوز المعاملات التجارية العادية. ويكمن دور الصفقات العمومية حسب الباحث الألماني هيرمان جيث أن ” مبادئ الشفافية وعدم التمييز تلعب دوراً محورياً في ضمان نزاهة وفعالية عمليات الشراء العامة، مما يعزز الثقة بين المواطنين والحكومة “. وتحكم الأطر القانونية والتنظيمية الصفقات العمومية بالتأكيد على مبادئ الشفافية والمنافسة وعدم التمييز كعوامل أساسية لضمان عمليات شراء عامة نزيهة وكفؤة. ويعتقد الباحث الفرنسي جان تيرول أن “التنظيم والتعاقد هما أداتان حيويتان لتحقيق الكفاءة والعدالة في الأسواق، وخاصة في الصفقات العمومية التي تتطلب توازناً بين مصالح الدولة والقطاع الخاص”.
وتعتبر الصفقات العمومية اتفاقيات معقدة ، وتلعب حيويًا دورًا في الأبعاد الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية للإدارة العامة. وتكمن أهميتها في ضمان الكفاءة والشفافية والمساءلة في عمليات الشراء الحكومية وللهيئات والجماعات الترابية والحفاظ عل المالية العمومية بغية صرفها في أوجه تساهم في الرفاه الاجتماعي للمواطن وتحسين الوضعية الاقتصادية للبلاد والدفع بعجلة التنمية.