الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

ضربة إيران، وسؤال المسرحية

 

عبد المولى المروري – كندا

 

لقد كانت دهشتي كبيرة عندما أساء بعض القراء فهم مقالي الأخير المعنون : «العصر الذهبي للمسرح العالمي»، فقد ذهب البعض إلى فهم أني أنتمي – فعلا – إلى زمرة من يعتقدون أن ضربة إيران لإصزاييل عبارة عن مسرحية مكشوفة، فيما اعتقد آخرون أن مقالي دعما لإيران تلك الدولة التي دعمت نظام بشار الإجرامي ضد ثورة الشعب السوري..

 

ربما أعتاد قرائي على أسلوبي الجدي المباشر والواضح في التعاطي مع كل القضايا التي أتناولها، فأدخلوا موضوعي الأخير ضمنها.. رغم أن نهاية المقال تشير إلى نوع من السخرية والمبالغة في افتراض أن كل ما يقع في العالم عبارة عن مسرحية.. أو ربما أني لا أجيد فن السخرية في الكتابة بالشكل المطلوب،فالتبس الأمر على الناس. وبقدر ما فاجأني ذلك، بقدر ما كان مناسبة كي أوضح وجهتي نظري في الموضوع بالشكل الذي اعتاد عليه قرائي المحترمون..

 

وسأبدأ بطرح السؤال التالي: هل الضربة التي وجهتها إيران إلى إصزاييل عبارة عن مسرحية فعلا؟

 

وهذا السؤال يحيلني على متتالية من الأسئلة الأخرى؛ أولها؛ ما الفائدة من طرح هذا السؤال؟ وما تأثيره على الحرب التي يمارسها الكيان على أهل غزة؟ هب إن ما وقع بين الجمهورية الإسلامية الشيعية الصفوية وبين الكيان الطهسوني اليعودي الإصزاييلي مسرحية مكشوفة وواضحة عند أصحاب العقول الذكية جدا، فبماذا سينفع ذلك المقاومة على أرض الواقع؟ هل المطلوب أن تقول المقاومة لإيران بأنها تدرك طبيعة حربها مع إصزاييل، وأنها عبارة عن مسرحية مكشوفة؟ هل المطلوب من المقاومة أن تطلب من إيران الكف والتوقف عن هذه المسرحية ولا داعي لضرب إصزاييل من أجل دغدغة مشاعر العرب والمسلمين؟ أو ربما أن هذا الأمر كان خافيا على فصائل المقاومة بسبب سذاجة قياداتها، ومن الواجب على هؤلاء الأذكياء جدا أن يخبروها بحقيقة هذه المسرحية حتى لا تنخدع بإيران؟ ما الذي سيغير في معادلة الصراع إذا اعتبرنا أن ما وقع مسرحية؟ ما الفائدة في الوقت الراهن من شيطنة إيران؟

 

فإذا كان هذا السؤال (هل ما قمت به إيران مسرحية؟) لا تأثير له على أرض الواقع ولن يغير من معادلة الصراع شيئا، ولن يفيد في شيء، فلماذا يطرح أصلا؟ إنه سؤال غير ذي موضوع في سياق الصراع الحالي، وقد تكون له تأثيرات سلبية على عقول سامعيه من ذوي التفكير السطحي التبسيطي، الذين يسقطون بسهولة في نظرية التفكير التآمري.. فالكلام الذي يقال في غير زمانه ووقته وخارج سياق الأحداث، وعديم الجدوى والفائدة، ما هو إلا لغو ونوع من التذاكي المفرط الذي غالبا ما يقود صاحبه إلى مستوى خطير من الغباء المركب والبلاهة البنوية.

 

وفي الوقت نفسه، هل ما تقوم به إيران من دعم مالي ولوجستيكي وإعلامي للمقاومة (بصرف النظر عن كون ذلك مسرحية أو حقيقة) سينسينا أنها دعمت نظام بشار الإجرامي في حرب إبادته للشعب السوري، وأن حرب الإبادة تلك هي التي فتحت شهية السيسي وارتكاب مجزرة رابعة بمباركة غربية طهسونية، وأن صمود ذلك النظام بدعم من إيران كان أحد أسباب فشل الربيع العربي وعودة الأنظمة الاستبدادية إلى سابق عهدها؟ هل هذا الدعم قائم على اعتبارات مبدئية أم إن ذلك بهدف تحقيق مصالح استراتيجية إيرانية؟ ألا تحاول إيران الاستفادة من الصراع الفلسطيني الإصزاييلي بأقصى ما يمكن؟ وهل ذلك من حقها أم ليس من حقها؟

 

طبعا لا يجب أن ننسى أن إيران دعمت النظام الفاشي السوري،

وطبعا أن إيران تستفيد استراتيجيا من هذا الصراع..

وطبعا أن دعم إيران لفصائل المقاومة لا يخلو من قدر كبير من البراغماتية لتحقيق مصالح شخصية..

 

ولكن ماذا ستستفيد المقاومة من نبش الذاكرة على هذا المستوى؟ وما الفائدة من استحضار أهداف إيران المعلنة والخفية في صلب الحرب الفتاكة الآن؟

 

للأسف الشديد ما يزال العقل العربي في معظمه لم يستفق بعد من صدمة التفوق الغربي الإصزاييلي اقتصاديا وتكنولوجيا وعسكريا واستخباراتيا، وله استعداد غريب لتأويل أي حدث بمنطق نظرية المؤامرة إلى درجة الرهاب.. من منطلق شعوره بالدونية واحتقار الذات، أمام هذا التفوق الغربي، وبالتالي فهو مستعد لتفسير أي نِدية أو مقاومة أو ممانعة يبديها أي طرف في مواجهة الغطرسة الغربية الطهسونية على أنها مسرحية أو مؤامرة أو تبادل المصالح تحت الطاولة، وفي أحسن الأحوال التي يُغَلِّب فيها حسن النية، فإنه قد يسمي ذلك انتحارا وتهورا وتضحية بالأبرياء على غرار ما قيل يوم 7 أكتوبر خلال أيامه الأولى، قبل أن تتضح الرؤيا ويعتدل الفكر عند الغالبية الساذجة من هؤلاء..

 

إن إيران كقوة إقليمية صاعدة لها مصالحها الخاصة التي تسعى إلى توسيعها وتحصينها، وكذا الاستفادة من كل التناقضات والصراعات التي قد تكون لها علاقة بها من قريب أو من بعيد، هذه المصالح قد تتلاقى مع المصالح العربية ولا سيما تيار المقاومة، وقد تتعارض معها، لأن هذا العالم متحرك ولا يستقر على حال، على مستوى الصراعات والتحالفات، أثناء الحرب وأثناء السلم، وإيران تجيد اللعب في هذا المجال.. وهي متفوقة على أنظمتنا العربية بشكل كبير، فلماذا نصادر حق فصائل المقاومة من الاستفادة من الصراع الإيراني الأمريكي وتوظيفه لصالحها؟

 

وختاما، إذا كان من الغباء اعتبار أن ضربة إيران لإصزاييل مسرحية، فمن السذاجة أيضا اعتبار أن إيران تدعم المقاومة بدافع مبدئي خالص.. ولكن الواقعية والموضوعية مطلوبتان أثناء قراءة وتحليل الأحداث.. وفي الوقت الحالي ليس هناك مجال لبعض الأسئلة السخيفة، وليس هناك وقت للإجابة عنها.. فالأولوية للتركيز على ما يقع في غزة ودعم المقاومة والاستفادة من أي شيء قد يحقق النصر.. ولو كان قليلا في نظرنا.. فإذا كان ليس كل ما يلمع ذهبا، فليس كل أسود فحما، فقد يكون مسكا أسودا، وقديما قال الشاعر: لولا سواد المسك ما انباع غاليا..

 

أتمنى أن أنجح في إزالة الغموض غير المقصود في مقالي ذاك، وأن أحسن من جودة كتابتي التي تحمل بعض السخرية،

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات