الحكومة المغربية و الفساد السياسي
البدالي صافي الدين/المغرب
رئيس الفرع الجهوي للجمعية المغربية لحماية المال العام جهة مراكش الجنوب
هناك حكومات في عدد من الدول الآسيوية و الإفريقية تعمل جاهدة لبناء الأسس الديمقراطية الحقة من أجل تقدم البلاد ، وذلك عبر الانفتاح على الشعب، الانفتاح المباشر، وليس عبر النوافذ ، من أجل القطع مع مناخ الفساد السياسي و ترسيخ مناخ سياسي يسمح للشعب أن يعيش عيشة كريمة ، مناخ سياسي تراعى فيه القيم الإنسانية، و فيه يتم ربط المسؤولية بالمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب ، مناخ سياسي يكرس تخليق الحياة العامة و يجعل من المجتمع المدني رافعة أساسية للتنمية الاجتماعية و الثقافية و العلمية و المدنية. لكن ما يعيشه المغاربة مع حكومة أخنوش هو العكس تماما ، يعيشون الفساد السياسي ، الذي تظهر تجلياته على عدة مستويات:
أولا : على مستوى تخليق الحياة العامة:
-تمييع المشهد الثقافي بنشر ثقافة التفاهة عبر القنوات الوطنية والتشجيع عليها و دعم مبدعيها من جمعيات و منصات تواصلية ،و هو ما جعل المجتمع المغربي يفقد ما كان له من قيم ثقافية و تربوية كانت تغذي العقول والأفئدة و تنمي قيم التضامن و الأخلاق و التماسك الأسري.
ثانيا : على مستوى مكافحة الفساد :
منذ تعيينها ، أي حكومة أخنوش سنة 2021، وهي تعمل على تكريس مظاهر الفساد و التشجيع عليها من خلال مواقفها الواضحة التي تجلت في :
-سحب مشروع تجريم الإثراء غير المشروع ، مما فتح الأبواب على مصراعيها لشيوع الفساد الإداري والأخلاقي و الرشوة واستغلال النفوذ، وهو السحب الذي دافع عليه وزير العدل وهبي بشراسة،
– عدم الالتزام بالنصوص الدستورية التي تنص على الحكامة و ربط المسؤولية بالمحاسبة، الفصل الأول من دستور 2011 الذي ينص على: “يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة”
– تهميش مؤسسات الرقابة المالية والنزاهة : عملت الحكومة على تهميش الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و التصدي لها، بل التشكيك في تقاريرها وعدم أخذها بعين الاعتبار، لأنها تقارير تكشف عن الإهمال الحكومي لهذه الهيئة و تبخيس عملها ، مما جعل المغاربة يشعرون بالإحباط و يفقدون الثقة من المؤسسات الحكومية
-تهميش المجلس الأعلى للحسابات بعدم اعتماد تقاريره للمعالجة و المساءلة و المحاسبة .
– تهميش مجلس المنافسة حتى لا يؤدي دوره الوطني لضمان المنافسة الشريفة و النتيجة هي الفوضى في أسعار المحروقات و الإثراء غير المشروع لأصحاب الشركات و التواطؤ على الشعب المغربي بتبديد 1300 مليار سنتيم كدعم لاستيراد أكباش الأضحية سنة 2024 ، التي لم ينعم بدعمها المغاربة حيث تقاسم الغنيمة 18 فردا فقط من المقربين من حزب رئيس الحكومة،
– الاجتهاد في إصدار مشاريع قوانين تتعارض و مضامين الدستور المغربي و منها مشروع المسطرة الجنائية التي في مادتها الثالثة تمنع جمعيات حماية المال العام من تقديم شكايات لها ارتباط بالفساد لدى القضاء بالرغم مما تنص عليه أحكام الباب الأول من الدستور، الفصل 12 ،”على أن جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية تُؤسس وتمارس أنشطتها في إطار القانون.. .” وأنه منذ أن أعلن وزير العدل وهبي على هذا المشروع مقسما بالله بأنه لن يسمح لجمعيات حماية المال العام بتقديم شكايات ضد المنتخبين، بدأت معالم الفساد الانتخابي تظهر منذ الآن بطلها حزب رئيس الحكومة من خلال توزيع المساعدات في رمضان في جماعات معينة بواسطة سيارات الجماعات. ويبدو من خلال تشبث الحكومة بقانون المسطرة الجنائية بأنها تريد التستر على رموز الفساد الإداري و المالي ،خاصة وأن أغلب المتورطين هم منتخبون من الأغلبية الحكومية .
ثالثا : على المستوى الاجتماعي:
-قهر الطبقات الشعبية المتوسطة والفقيرة بارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية بفعل التستر على لوبيات الاحتكار والتهريب و السماسرة و تضارب المصالح.
-اغتيال المدرسة العمومية من خلال البرامج الميتة و المناهج المستنسخة و التجارب المستوردة الفاشلة وعدم صيانة كرامة الأستاذ و تكوينه ليكون الإطار المؤلف والمربي والمرشد، بدل أن يكون آلية تمرير برامج أثبتت فشلها على مستوى الواقع التعليمي/ التعلمي،
-اغتيال القطاع الصحي بعد أن أفرغت المستشفيات العمومية من كل مقومات العلاج و من الأطر الصحية الكافية و التجهيزات المناسبة ، وبالمقابل تركت الأمر للمصحات الخاصة تتاجر في المرضى وتستولي على أموال التعاضديات في غياب أية مراقبة أو تتبع .
رابعا : على مستوى الحريات و حقوق الانسان :
منذ تنصيب هذه الحكومة و هي تخرق كل الحقوق المكتسبة من حرية التعبير و حرية الرأي و ذلك من خلال المتابعات و الاعتقالات في حق الصحفيين و المدونين و مواجهة المتظاهرين بالعنف و التنكيل في صفوف المحتجين و المضي قدما في تكميم الأفواه ، و بالمقابل كرست مظاهر الفساد والرشوة و مظاهر تبديد المال العام و كل مظاهر الفساد السياسي.