الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

القانون الدولي الإنساني والألغام: الأبعاد القانونية والأخلاقية والسياسية

 

 

عبدالله  الساورة *  كاتب مغربي

 

 

يُعَدُّ القانون الدولي الإنساني (IHL) جانبًا حيويًا من القانون الدولي، حيث ينظم سلوك النزاعات المسلحة ويسعى إلى الحد من آثارها. ومن بين القضايا الأكثر إلحاحًا داخل القانون الدولي الإنساني هي قضايا استخدام الألغام، التي لها آثار إنسانية وقانونية وأخلاقية واسعة. يتناول هذا المقال الطبيعة المتعددة الأوجه للألغام في مناطق النزاع من منظور القانون الدولي الإنساني، ويفحص التحديات التي تطرحها، ويحلل وجهات نظر كتاب حول هذه القضية  الهامة والشائكة.

 

السياق التاريخي

 

يعود استخدام الألغام إلى أوائل القرن العشرين، حيث أصبحت منتشرة بشكل أكبر خلال الحربين العالميتين. وعقب هذه النزاعات المسلحة  والمدمرة شهدت تواجد ملايين الألغام عبر المناطق المتأثرة بالحروب، مما تسبب في أضرار عشوائية للمدنيين بعد فترة طويلة من انتهاء الأعمال العدائية.  وحسب الكاتبة كلارا ساندوفال،  في عملها “القانون الدولي والعدالة الانتقالية” أن ” تشكل الألغام الأرضية، تأثيرًا مدمرًا على المجتمعات المتضررة، حيث تعرقل التنمية الاقتصادية وتطيل معاناة الإنسان”.

واعترف المجتمع الدولي بالحاجة الملحة لمعالجة هذه القضية، مما أدى إلى اعتماد معاهدات مثل اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد لعام(1997) (اتفاقية أوتاوا). وتمثل من المعاهدات البارزة، التي تدعمها 164 دولة، معلماً هاماً في الجهود الرامية إلى القضاء على الألغام والتخفيف من آثارها المدمرة. ويعتبر الكاتب ستيوارت كيسي- ماسلن، في كتابه  (دليل القانون الدولي الإنساني)”إن الطبيعة العشوائية للألغام الأرضية، التي تسبب ضررًا طويل الأمد بعد انتهاء النزاعات، تجعلها تهديدًا دائمًا للسكان المدنيين”.

 

لإطار القانوني

 

يستمد الإطار القانوني الذي يحكم الألغام أساسًا من عدة معاهدات واتفاقيات رئيسية للقانون الدولي الإنساني. وتشكل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، واتفاقية الأسلحة التقليدية (CCW) واتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد الأساس القانوني لمعالجة الألغام. وتفرض هذه المعاهدات التزامات قانونية على الدول لحظر استخدام وإنتاج وتخزين ونقل الألغام المضادة للأفراد. كما يشدد ستيوارت كيسي- ماسلن (Stuart Casey-Maslen) في عمله على اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد: “لقد ساعدت اتفاقية أوتاوا في وصم الألغام، إلا أن التنفيذ الفعلي لا يزال يمثل تحدياً كبيرًا”، وعلى أنه رغم أن اتفاقية أوتاوا قد حققت تقدمًا كبيرًا في وقف الألغام، إلا أن التنفيذ لا يزال يمثل تحدياً. ويختلف الامتثال لهذه المعاهدات بين الدول، وتواصل بعض البلدان نشر الألغام رغم التزاماتها بموجب القانون الدولي. وكما يوضح آلان برايدن  (Alan Bryden) في تحليله لفعالية النظام العالمي للألغام أن “الحاجة الأخلاقية لإعطاء الأولوية لحماية المدنيين تتطلب برامج شاملة لإزالة الألغام”.

 

الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية

 

تشكل الألغام عواقب إنسانية وخيمة، تؤثر بشكل غير متناسب على السكان المدنيين، وحسب الكاتب آلان برايدن، في ” القانون الدولي والسياسة والأسلحة اللاإنسانية”، “إن الواجب الأخلاقي لحماية المدنيين يتطلب نهجًا شاملاً لإزالة الألغام ومساعدة الضحايا”. و تتسبب الألغام  في أضرار جسدية ونفسية دائمة، تعيق التنمية الاقتصادية، وتعيق جهود التعافي بعد النزاع. وتبرز الحجج الأخلاقية ضد استخدام الألغام طبيعتها العشوائية وعدم قدرتها على التمييز بين المقاتلين والمدنيين.. ويؤكد برايدن أن .” المنظمات الإنسانية تلعب دورًا حيويًا في إزالة الألغام ومساعدة الضحايا، وتعمل بلا كلل لتخفيف أثر الألغام على المجتمعات المتضررة.

 

المنظور السياسي والاستراتيجي لإستخدام الألغام

 

غالبًا ما يكون استخدام الألغام مدفوعًا باعتبارات سياسية واستراتيجية. وتشكل الألغام تهديدًا شديدًا وطويل الأمد للسكان المدنيين، مما يعقد الجهود المبذولة لإعادة بناء المجتمعات المتضررة من الحرب.

وتقوم الدول بنشر الألغام لإنشاء حواجز دفاعية ومنع الوصول إلى الأراضي واكتساب مزايا تكتيكية. وحسب الكاتب برنارد رافينيل،  في عمله “نحو أرض خالية من الألغام” أن “تشكل الألغام تحديات ليس فقط جسدية بل نفسية أيضًا للمجتمعات المتضررة، مما يتطلب نهجًا شاملًا.” ومع ذلك، غالبًا ما تفوق العواقب طويلة الأجل لنشر الألغام الفوائد العسكرية الفورية. كما يوضح برايدن، أن “الاعتبارات السياسية والاستراتيجية تدفع إلى استخدام الألغام ولكن العواقب الإنسانية تستوجب العمل الجماعي للقضاء عليها “. وتلك الجهود الدولية تعمل لتعزيز المناطق الخالية من الألغام اكتسبت زخمًا، حيث تدعم دول مثل فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة مبادرات للقضاء على الألغام. وتعكس هذه الجهود اعترافًا متزايدًا بالحاجة إلى موازنة الأهداف العسكرية مع الاعتبارات الإنسانية، حيث “لا مكان للألغام في الحروب الحديثة؛ إنها بقايا من عصر مضى تستمر في تدمير الحياة البشرية.” حسب بول جيفرسون،  في كتابه “الألغام والبشرية: النهج الإنساني لإزالة الألغام”.

 

التحديات

 

إن تنفيذ القانون الدولي الإنساني المتعلق بالألغام يواجه عدة تحديات، الصعوبات التقنية واللوجستية لعمليات إزالة الألغام، إلى جانب الاستخدام المستمر للأجهزة المتفجرة المرتجلة (IEDs) في النزاعات المعاصرة، وتعقد الجهود للقضاء على الألغام، علاوة على ذلك، فإن النزاعات المستمرة في مناطق مثل أفغانستان وكمبوديا وكولومبيا تسلط الضوء على التهديد المستمر الذي تشكله الألغام.  ففي عام 2020، قُتل أو أُصيب أكثر من 7000 شخص بسبب الألغام الأرضية في 54 دولة ومنطقة، بما في ذلك أفغانستان وكولومبيا. ويظل المجتمع الدولي على الرغم من هذه التحديات، ملتزمًا بتحقيق عالم خالٍ من الألغام، كما يتضح من الجهود المستمرة لمنظمات مثل الحملة الدولية لحظر الألغام.

 

دراسات الحالة

 

تقدم دراسات حالة البلدان المتضررة من الألغام رؤى قيمة في تعقيدات معالجة هذه القضية، فحسب جان ماري هنكارتس، ( Jean-Marie Henckaerts)  في “القانون الدولي الإنساني العرفي” أن “تشكل الألغام المضادة للأفراد مشاكل إنسانية وأخلاقية كبيرة، مما يتطلب جهودًا دولية متضافرة للقضاء

عليها “. وتعتبر كمبوديا، وهي بلد متأثر بشكل كبير بالألغام بسبب عقود من النزاع، حيث يُعتقد أن عدد الألغام المدفونة في كمبوديا يصل إلى حوالي (ستة ملايين لغم). وقد حققت تقدمًا كبيرًا في إزالة الألغام ومساعدة الضحايا. كما تواجه أفغانستان، وهي بلد آخر مملوء بالألغام، تحديات كبيرة في تحقيق إزالة شاملة للألغام. وتُعَدُّ أفغانستان واحدة من الدول الأكثر تضررًا، حيث تُستخدم الألغام الأرضية بشكل واسع من قبل الجماعات المسلحة، وحسب  الكاتب  باتريس بوفيريه، في عمله ” جحيم الألغام: التدمير وإزالة الألغام ” أن ” تدمير الألغام المضادة للأفراد هو أولوية إنسانية تتطلب تعاونًا عالميًا غير مسبوق”.

تسلط تجربة كولومبيا الضوء على التداخل بين الألغام والتمردات المستمرة، مما يؤكد الحاجة إلى دعم دولي مستمر. ويعتبر خوان بابلو فيلانويفا،  في كتابه ” إزالة الألغام الإنسانية: تحديات وآفاق” أنه “تُعد عملية إزالة الألغام مهمة ضخمة تتطلب تكنولوجيا متقدمة والتزامًا إنسانيًا”. و تساهم شهادات الخبراء والمؤلفين  في إثراء الخطاب حول الألغام، على سبيل المثال، يوفر عمل ستيوارت كيسي-ماسلن على اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد تحليلًا مفصلاً لتأثير المعاهدة، بينما يقدم بحث آلان برايدن، رؤى حول الديناميات السياسية للنظام العالمي للألغام. وحسب الكاتبة ماري ويرهام، في عملها  (حظر الألغام: نزع السلاح، الدبلوماسية المدنية، والأمن البشري) أنه “على الرغم من المعاهدات الدولية، لا تزال إزالة الألغام مهمة شاقة تتطلب تعاونًا دوليًا مستمرًا “.ويتطلب إزالة الألغام إرادة دولية حيث ترى الكاتبة  بيلار ريفاس، في عملها “النضال ضد الألغام المضادة للأفراد” أنه  “يجب أن يكون استئصال الألغام الأرضية أولوية على الأجندة الدولية لضمان مستقبل خالٍ من التهديدات”.

تشكل قضية الألغام ضمن إطار القانون الدولي الإنساني تحديات قانونية وأخلاقية وسياسية معقدة. يتطلب معالجة هذه التحديات نهجًا متعدد الأوجه يشمل الامتثال القانوني والاعتبارات الأخلاقية والتعاون الدولي. إن تعزيز القانون الدولي الإنساني المتعلق بالألغام يتطلب آليات إنفاذ قوية، وبرامج شاملة لإزالة الألغام ومساعدة إنسانية مستمرة. وتسهم وجهات نظر الكتاب والناشطين… في فهم أعمق للقضية وتسلط الضوء على الحاجة إلى جهد عالمي متضافر لتحقيق عالم خالٍ من الألغام. وبينما يستمر المجتمع الدولي في العمل نحو هذا الهدف، يجب أن تظل مبادئ القانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين في طليعة هذه الجهود، على اعتبار “إن المقياس الحقيقي للنجاح في إزالة الألغام ليس فقط في إزالة الألغام بل في استعادة المجتمعات”، حسب الكاتب ريتشارد لويد،  في كتابه ” أرض خطرة: النضال العالمي ضد الألغام الأرضية “.

 

 

 

Stuart Casey-Maslen, The Handbook of International Humanitarian Law

– Jean-Marie Henckaerts, Customary International Humanitarian Law

” – Clara Sandoval, International Law and Transitional Justice

– Alan Bryden, International Law, Politics and Inhumane Weapons

– Jody Williams, My Name is Jody Williams: A Vermont Girl’s Winding Path to the Nobel Peace Prize

– Mary Wareham, Banning Landmines: Disarmament, Citizen Diplomacy, and Human Security

Patrice Bouveret, L’Enfer des Mines: Destruction et Déminage

– Bernard Ravenel, Pour une Terre sans Mines

” – Juan Pablo Villanueva, Desminado Humanitario: Retos y Perspectivas

– Pilar Rivas, La Lucha Contra las Minas Antipersonales

– Richard Lloyd, A Dangerous Ground: The Global Fight Against Landmines

– Paul Jefferson, Mines and Mankind: The Humanitarian Approach to Demining

*إنجلترا*

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!