الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

عودة طرامب الى الحكم: أسئلة حول تحولات الوضع الدولي و الاقليمي

 

عبدالسلام المجلاوي/كندا

 

 

“خطر الديكتاتوريات و تراجع الديمقراطية يهددنا اليوم أكثر من أي وقت مضى” 

 

 

سمات انتقال السلط في البلدان الغربية من وسط اليمين الى اليمين المتطرف. (بعض البلدان كالولايات المتحدة وفرنسا نموذجا..)

تشهد البلدان الغربية منذ السنوات الأخيرة تحولًا سياسيًا واجتماعيا ملحوظًا يتمثل في انتقال السلطة بشكل متزايد من أحزاب وسط اليمين التقليدية إلى أحزاب وجماعات تتبنى توجهات اليمين المتطرف. يعكس هذا التحول تغيرات جذرية في الأولويات السياسية والاجتماعية، والتي كانت أبرزها في الولايات المتحدة خلال العقد الماضي.

 

وأصبح بارزا سيطرة الرأسمال الفاحش وأصحاب الثروة المفرطة هم من يتحكموا في القرار الاقتصادي والسياسي عالميا، مما يهدد ليس فقط الديموقراطية حتى الغربية منها بل استقلالية القرارات الوطنية والجهوية لصالح سلطة المال والتيكنولوجيا.

 

وما سنعيشه ابتداءا من اليوم 20 يناير 2025 مع تسلم الميلياردير اليميني المتطرف “دونالد طرامب” للسلطة من جديد في الولايات المتحدة الامريكية ولمدة 4 سنوات سيعرف العالم مفاجئات يومية مطبوعة بتنامي العنصرية على أوسع وجه (لن تستثنى منها البلدان الغربية نفسها) وديكتاتورية فجة وكوارث على جميع الأصعدة داخل وخارج المنطقة الأمريكية. وسنحاول أن  نلمس بعض أسباب ونتائج هذه التحولات وانعكاساتها  دوليا وخصوصا بالنسبة لدول الجنوب وما يمكن عمله لتخفيف الأزمات الدولية وخلق توازنات تحفظ للشعوب الضعيفة بعضا من كرامتها وحريتها في اسغلال خيراتها.

 

1. العوامل المفسّرة للانتقال إلى اليمين المتطرف

 

أ. الأزمة الاقتصادية وعدم المساواة:

تزايدت مظاهر التفاوت الاقتصادي في البلدان الغربية منذ الأزمة المالية لعام 2008، ما أدى إلى شعور قطاعات واسعة من المواطنين بالتهميش. مما جعل اليمين المتطرف ينجح في استغلال هذه الإحباطات من خلال إلقاء اللوم على النخب السياسية التقليدية والهجرة.

ب. الخوف من فقدان الهوية الوطنية:

مع تزايد موجات الهجرة، خاصة من دول الجنوب، بدأ جزء من السكان في الغرب يشعر بأن هويتهم الثقافية مهددة. استفادت أحزاب اليمين المتطرف من هذا الشعور عبر الترويج لسياسات معادية للهجرة ومتشددة تجاه الأقليات الاثنية والجنسية.

ج. تراجع الثقة في المؤسسات السياسية التقليدية:

 

تعرضت الأحزاب التقليدية في وسط اليمين واليسار إلى أزمة ثقة بسبب فشلها في معالجة قضايا كبرى كالتغير المناخي، الفساد، والعدالة الاجتماعية والمساوات. هذا التراجع في الثقة أفسح المجال أمام حركات يمينية متطرفة تقدم نفسها كبدائل شعبوية “غير تقليدية”.

 

2. الحالة الأمريكية: دونالد ترامب نموذجًا

 

في الولايات المتحدة، مثل صعود دونالد ترامب إلى الرئاسة عام 2016  (وعودته اليوم) تجسيدًا واضحًا لهذا التحول. تميزت حملته الانتخابية بشعارات شوفينية قومية ومعادية للهجرة، وانتقاده العلني للنخب السياسية والإعلامية والتشكيك في الديموقراطية ولو الشكلية منها.

أ. الخطاب الشعبوي والتعبئة الجماهيرية:

 

استطاع ترامب تعبئة فئات واسعة من الأمريكيين البيض الريفيين وفئات واسعة من الطبقة العاملة من خلال وعوده بإعادة أمريكا إلى عظمتها، مروجًا لرؤية انعزالية قائمة على مصالح وطنية ضيقة.

ب. تسييس القضايا الاجتماعية:

 

عملت إدارة ترامب على تصعيد الانقسام حول قضايا الهوية مثل الهجرة وحقوق الأقليات منها المرأة خصوصا الأمريكيين من أصول غير اوروبية، مع التركيز على السياسات الحمائية والانغلاق الاقتصادي.

ج. تأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي:

 

لعبت وسائل الإعلام المحافظة ومنصات التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في تعزيز الخطاب اليميني المتطرف ونشر نظريات المؤامرة، مما ساهم في ترسيخ القواعد الشعبية لهذا التيار باستغلال التوجيه الايديولوجي اليميني المتطرف مع تمركز التيكنولوجيا بيد حفنة من المليارديرات ممثلي الامبريالية الرقمية الجديدة.

 

3. تداعيات الانتقال إلى اليمين المتطرف

 

أ. تهديد الديمقراطية

 

يشكل صعود اليمين المتطرف تهديدًا للمؤسسات الديمقراطية في ظل تبنيه سياسات تقييد الحريات والحقوق، كما حدث خلال محاولة اقتحام الكابيتول في يناير 2021 ومحاولات قلب الأنظمة في عدة دول (في أمريكا اللاتينية وحتى في  أوربا وافريقيا)

ب. استقطاب اجتماعي أوسع:

 

تفاقم الانقسام بين مختلف شرائح المجتمع الأمريكي نتيجة للخطاب الاستقطابي، مما أدى إلى تزايد الصراعات العرقية والثقافية.

ج. إعادة تشكيل السياسة الخارجية

 

تميل سياسات اليمين المتطرف إلى الانغلاق على المصالح الوطنية، مما أدى إلى تقليص الدور الأمريكي في المنظمات الدولية وخلق فجوات في التعاون العالمي.

4. آفاق المستقبل:

 

في ظل تزايد تأثير اليمين المتطرف، يبقى المستقبل معتمدًا على قدرة القوى الديمقراطية العالمية (على قلتها وضعفها) على معالجة المشكلات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية العميقة. كما أن ظهور حركات اجتماعية جديدة، مدعومة بتكنولوجيا الاتصال الحديثة، قد يعيد تشكيل التوازن السياسي ونمو الوعي الحر خاصة لدى الشباب وبدعم من منظمات  المجتمع المدني وحقوق الانسان والشعوب لتنظيم مواجهة فكرية وسياسية منسقة.

 

ما هو الدور الذي ينبغي القيام به من طرف بلدان الجنوب والمستعمرة سابقا؟

 

مع صعود اليمين المتطرف في البلدان الغربية، والذي يحمل في طياته توجهات قومية وانغلاقية تمسّ سياسات الهجرة، التعاون الدولي، وقضايا حقوق الإنسان، تواجه بلدان الجنوب، وخاصة المستعمرة سابقًا، تحديات وفرصًا تتطلب استراتيجيات متعددة الأبعاد.

 

1. تعزيز السيادة السياسية والاقتصادية:

 

أ. تقليل الاعتماد على الغرب:

 

ينبغي لهذه البلدان تنويع شراكاتها الاقتصادية والسياسية لتقليل الاعتماد المفرط على الدول الغربية. يمكن تعزيز التعاون جنوب-جنوب من خلال بناء تكتلات اقتصادية جديدة (مثل BRICS أو الاتحاد الإفريقي).
الاستثمار في التصنيع المحلي والابتكار التكنولوجي لتطوير اقتصادات أكثر اكتفاءً ذاتيًا.

 

ب. مقاومة التدخل السياسي:

 

ضمان الاستقلال السياسي في مواجهة محاولات الهيمنة أو التأثير الخارجي التي قد تُمارَس عبر السياسات اليمينية الغربية.
التفاوض بشروط عادلة في العلاقات الدولية بدل القبول بإملاءات الدول الكبرى.

 

 

2. إعادة تشكيل التحالفات الدولية:

 

أ. خلق شراكات جديدة

 

يمكن لبلدان الجنوب التوجه نحو بناء علاقات قوية مع قوى ناشئة مثل الصين والهند والبرازيل، بما يخلق توازنًا في النظام العالمي.
العمل على تقوية حضورها في المنظمات الدولية للدفاع عن مصالحها، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية.

 

ب. تعزيز التضامن بين دول الجنوب

 

إنشاء تحالفات سياسية واقتصادية تسعى إلى تعزيز مواقف مشتركة تجاه القضايا العالمية، مثل تغير المناخ، الفقر، والهجرة.

 

 

3. الاستثمار في بناء رأس المال البشري:

 

أ. التعليم والتدريب

 

الاستثمار في أنظمة تعليمية متقدمة لتمكين الأجيال القادمة من التفاعل مع التحديات الجديدة وبناء اقتصادات معرفية قادرة على المنافسة.
تشجيع البحث العلمي والتكنولوجيا لمواكبة التطورات العالمية.

 

ب. الحفاظ على المواهب المحلية

 

مواجهة استنزاف الكفاءات نتيجة للهجرة إلى الغرب من خلال خلق فرص عمل محلية وسياسات تشجع العقول على البقاء.

 

 

4. مواجهة التحديات المرتبطة باليمين المتطرف:

 

أ. التصدي لخطاب الكراهية والعنصرية

 

تعزيز التعاون مع المجتمع المدني والمنظمات الدولية لمحاربة الصور النمطية وخطابات العنصرية التي يروج لها اليمين المتطرف.
العمل على تغيير السردية الدولية المتعلقة بالمهاجرين، وربط الهجرة بأسبابها الحقيقية (كالفقر والنزاعات).

 

ب. الدفاع عن حقوق المهاجرين والجاليات
الضغط على الدول الغربية لاحترام حقوق المهاجرين، سواء من خلال القنوات الدبلوماسية أو المحافل الدولية.

 

 

5. التركيز على الاستدامة والابتكار:

 

أ. تطوير الاقتصادات الخضراء
الاستفادة من الفرص التي يتيحها التحول العالمي نحو الطاقات المتجددة لتقليل الاعتماد على المواد الأولية التقليدية.
العمل على حماية الموارد الطبيعية من الاستغلال الغربي وتوظيفها في مشاريع وطنية مستدامة.

 

ب. تعزيز الزراعة والصناعات المحلية

 

تقليل الاعتماد على الاستيراد من خلال تطوير الزراعة والصناعات التحويلية لضمان الأمن الغذائي والاقتصادي.

 

 

6. دور أكبر في المفاوضات العالمية:

 

أ. الدفاع عن العدالة المناخية

 

دول الجنوب، وهي الأكثر تضررًا من التغير المناخي، يمكنها أن تلعب دورًا محوريًا في الضغط على الدول الصناعية لتحمل مسؤولياتها في خفض الانبعاثات وتقديم الدعم المالي.

 

ب. إعادة النظر في النظام العالمي
الدفع نحو إصلاح المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن وصندوق النقد الدولي لضمان تمثيل أكثر عدالة لدول الجنوب.

 

 

الخلاصة

 

بلدان الجنوب المستعمرة سابقًا، التي كانت تاريخيًا ضحية الاستغلال الغربي، تمتلك اليوم فرصة تاريخية لإعادة تشكيل دورها في النظام العالمي. من خلال تعزيز سيادتها، بناء تحالفات جديدة، والاستثمار في رأس المال البشري، يمكن لهذه الدول ليس فقط التصدي لتداعيات صعود اليمين المتطرف، بل أيضًا أن تتحول إلى قوى مؤثرة تسهم في بناء نظام عالمي أكثر توازنًا وعدالة.

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات

error: Content is protected !!