تحليل تأثير القصص الأدبية الموجهة للأطفال بعمر الثامنة: أسلوبها ورسائلها وفعاليتها
تغريد بو مرعي – لبنان – البرازيل
تُعد القصص الأدبية الموجهة للأطفال من أهم الوسائل التربوية التي تُسهم في تشكيل وعي الطفل وإثراء خياله، وتعمل على تعزيز القيم الإيجابية لديه بأسلوب شيق وجذاب.
فأدب الأطفال هو مجال أدبي يُخاطب الطفل بلغة بسيطة وأسلوب مشوق يُناسب إدراكه وخياله. القصة الأدبية للطفل في عمر الثمانية أعوام تُركّز على القيم التربوية والأخلاقية كالتعاون والشجاعة، مع دمج عناصر التشويق والمغامرة. تُوظَّف الشخصيات الحيوانية أو الخيالية لجذب انتباه الطفل، وتُطرح الأحداث بأسلوب ممتع يحمل رسالة واضحة دون وعظ مباشر. تُعتبر الرسومات التوضيحية عنصرًا مهمًا لتعزيز الفهم وإثراء التجربة البصرية. الهدف الأساسي من هذه القصص هو تطوير خيال الطفل، وتحفيزه على التفكير الإبداعي، وترسيخ القيم الإيجابية لديه.
وفي هذا الإطار، تناولت الشاعرة والمترجمة والإعلامية اللبنانية البرازيلية تغريد بو مرعي، دراسة تحليل ثلاث قصص من كتاب ” كوكب لا انتظار فيه” للكاتبة السورية سريعة سليم حديد، القصص تحمل العناوين التالية: ” كوكب لا انتظار فيه”، “من قلب المعركة “، و”سفينة على الرمال”.
هذه الدراسة تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية صياغة القصص بأسلوب يناسب عالم الأطفال ويحفزهم على التفكير والإبداع، مع تقديم أمثلة نقدية واضحة لتحليل نقاط القوة والضعف في كل قصة.
كتاب “كوكب لا انتظار فيه”
صدر عن اتحاد الكتاب العرب في سورية 2018، وهي مجموعة قصصية موجهة للأطفال ما فوق عمر الثامنة، يحتوي الكتاب على ثلاث عشرة قصة وهو من الحجم المتوسط، تختلف موضوعات القصص منها تربوية ووطنية واجتماعية يسودها الجو الرومانسي الموجه للطفل كما يسود بعض قصصها الجانب الخيالي الذي يحفز تفكير الطفل وخياله للنظر فيما حوله.
النص الأول: “كوكب لا انتظار فيه”
يعالج فكرة الزمن وأثره على الحياة وعلى التجارب الإنسانية بطريقة خيالية وفلسفية، حيث يسافر الراوي إلى كوكب غريب يتسارع فيه الزمن بشكل مبالغ، ما يجعله يدرك قيمة الانتظار والصبر على الأرض.
كما تسلط الضوء على قيمة “الانتظار” في حياتنا، وكيف أن الصبر يُثري التجربة الإنسانية.
تجمع بين الخيال العلمي والفلسفة، مما يجعل القارئ يعيد التفكير في تفاصيل الحياة اليومية.
اعتمدت الكاتبة على الأسلوب السردي المشوّق المليء بالمفارقات الخيالية، مثل السفر إلى كوكب جديد وتحليل الزمن بسرعة غير معتادة.
استخدمت الوصف الدقيق لتجسيد العالم الذي يمرّ فيه البطل، حيث رسمت مشاهد ديناميكية وصورًا بصرية حيّة (مثل تسارع نمو النباتات والكائنات).
اعتمدت على تقنية التكرار (مثل “سأنتظر… سأنتظر”) لإبراز شعور البطل بالملل من الانتظار، ثم رغبته المفاجئة في معايشة الانتظار بعد تجربة عالم مختلف.
تهدف الكاتبة إلى تحفيز القارئ للتفكر في أهمية اللحظات الصغيرة والبسيطة في الحياة، وعدم استعجال الأمور أو اختصار الزمن.
لعل كاتبنا سريعة تريد أن تقول: أن السعادة تكمن في التمهّل وتقدير الانتظار كجزء من جمال الحياة، بدلاً من السعي المحموم للوصول إلى النهايات بسرعة.
النص الثاني: “من قلب المعركة”
يحمل طابعًا إنسانيًا وواقعيًا عن تجربة الحرب، حيث يروي الأب لابنه
كيف رأى رمزًا للحياة (زهرة) وسط الدمار، مما أشعل فيه الأمل بالرغم من قسوة الظروف.
تتناول القصة “من قلب المعركة” موضوع الحرب وتأثيراتها القاسية على الإنسان والطبيعة وصراع الإنسان مع الحرب ، مركزةً على التناقض بين الموت والدمار من جهة، وبين الحياة والأمل من جهة أخرى. تجسد الوردة الجورية الحمراء رمزًا للحياة والجمال الذي يتحدى قسوة الحرب.
يظهر الجانب الإنساني للمقاتلين في وسط المعارك، وهو جانب غالبًا ما يُغفل.
جاء أسلوب القصة سرديًا بسيطًا ومباشرًا، ممزوجًا بوصف دقيق للمكان والزمان، حيث نُقلت تفاصيل المعركة وأجواء الخوف والتوتر عبر وصف المؤثرات الحسية مثل روائح البارود والصنوبر وصوت القذائف. اعتمدت الكاتبة الحوار الداخلي والخارجي لإبراز صراع الشخصيات النفسي، لخلق تواصل إنساني بين الأب والابن، مما يجعل القارئ يشعر وكأنه في قلب الأحداث،
امتزج الأسلوب السردي بالوصف الشعري في تصوير مشاعر الأب أثناء الحرب، مع استخدام الرمزية لخلق أبعاد أعمق للقصة (مثل الوردة التي ترمز للأمل).
رسمت الكاتبة التناقض بين أجواء الحرب العنيفة ومشهد الزهرة الذي يمثل الأمل.
تهدف القصة إلى إبراز قوة الأمل في مواجهة أحلك الظروف، وتسليط الضوء على قدرة الإنسان والطبيعة على البقاء والصمود حتى في أصعب الأوقات. كما تسعى لتذكير القارئ بجماليات الحياة التي قد تختبئ وسط الفوضى والمآسي.
رسالة القصة واضحة: حتى في قلب الدمار والمعاناة، يمكن أن تنبثق الحياة والجمال. الوردة الجورية ليست فقط رمزًا للصمود، بل دعوة للتفاؤل والإيمان بالقدرة على إيجاد معاني إيجابية في أحلك الظروف
هذه القصة تود من خلالها الكاتبة أن تقدم رسالة مفادها أن الأمل يمكن أن يكون قوة دافعة للحياة حتى في أحلك الظروف، وهو طوق نجاة للإنسانية في وجه الخراب.
وأن الحياة قادرة على الاستمرار رغم الخراب، والأمل هو ما يجعلنا قادرين على مواجهة كل التحديات.
القصة الثالثة بعنوان “سفينة على الرمال”
تتناول القصة موضوع الهروب من المسؤوليات والضغوط الدراسية عبر خيال الطفل الذي يصور رحلته في سفينة من الرمال. تمزج القصة بين الواقع والخيال، حيث يعكس الطفل رغباته في التحرر والاستكشاف، لكنه في النهاية يكتشف قيمة الروتين اليومي وأهمية ما يحاول الهروب منه.
اعتمدت الكاتبة على أسلوب سردي بسيط يناسب الأطفال، مع توظيف الصور الحسية مثل “زقزقات العصافير” و”رائحة شطائر الزعتر”، مما يجذب الطفل إلى القصة. كما استخدمت الحوار الداخلي والتكرار لإبراز أفكار الطفل ومشاعره، إضافة إلى رمزية النوارس التي تشير إلى الأمل والعودة إلى المسار الصحيح.
من حيث الغاية تهدف القصة إلى تشجيع الأطفال على تقبل المسؤوليات الحياتية، مثل الدراسة، مع الإشارة إلى أن الخيال يمكن أن يكون وسيلة للترويح عن النفس وليس للهروب من الواقع.
تُبرز القصة أهمية التوازن بين الخيال والواقع، مع تسليط الضوء على جمال اللحظات البسيطة التي تشكل الحياة اليومية. كما تدعو الأطفال لتقدير ما لديهم من استقرار وأمان، بدلًا من السعي وراء المغامرات المجهولة.
يمكن القول أن القصص الثلاث تلتقي في محور واحد وهو “الأمل وقيمة التفاصيل الصغيرة”، لكنها تختلف في طريقة تناولها. استخدمت الكاتبة الخيال العلمي والفلسفة في القصة الأولى، بينما ارتكزت الثانية والثالثة على واقعية الحرب والدمار مع لمسة رمزية تبعث على التفاؤل. تتجلى رسالة الكاتبة في أن التمهّل، التأمل، والأمل هي مفاتيح لعيش حياة ذات معنى في عالم مليء بالتحديات