قراءة في كتاب “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية”: تعقيدات وهشاشة البنية التحتية للكاتب الأمريكي مايكل لويس
عبدالله الساورة/ كاتب مغربي
اختار الكاتب والصحافي الأمريكي مايكل لويس في كتابه “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية” مفهوم “الخطر الخامس” للإشارة إلى مجموعة من المخاطر غير المتوقعة وغير المعروفة التي يمكن أن تنشأ نتيجة تفكيك الهيئات الحكومية وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مناصب حيوية. هذا المفهوم يتجلى في السيناريوهات التي لم يتم التفكير فيها أو الاستعداد لها من قبل الإدارات الحكومية أثناء الانتقال من إدارة حكومية إلى أخرى حيث يوضح الكاتب أن التركيز غالباً ما يكون على المخاطر الكبيرة والواضحة مثل الإرهاب والكوارث الطبيعية، بينما يتم تجاهل المخاطر الأقل وضوحًا ولكنها بنفس القدر من الخطورة. يتطرق لويس إلى أمثلة عدة توضح كيف أن هذه المخاطر قد تتجلى، مثل الفشل في إدارة المخاطر النووية، أو التعامل مع الأزمات الزراعية، أو حتى الاستجابة للكوارث الجوية. ويؤكد الكاتب أن هذه المخاطر الخفية تمثل تهديدًا حقيقيًا لاستقرار وأمن المجتمع إذا لم يتم التعامل معها بحذر وكفاءة. من خلال تحليل دقيق واستشراف للمستقبل، يسعى لويس إلى توضيح كيف أن إهمال المعرفة والخبرة في القيادة يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية في العمل الحكومي، مجسدًا بذلك مفهوم “الخطر الخامس” كتحذير من مغبة التعامل السطحي مع مهام الحكومة الحيوية بنوع من اللامبالاة. يعتمد لويس في استقاء هذا المفهوم على تحليلاته العميقة ومقابلاته الصحافية مع عدد من الموظفين الحكوميين الذين يعملون في الظل ويقومون بمهام غاية في الأهمية بعيداً عن الأضواء.
موظفون بدوام نقص الخبرة والمعرفة:
لدى الصحافي والكاتب الأمريكي مايكل لويس خبرة كبيرة في عوالم السياسة ودهاليزها حيث استطاع بفضل تراكم خبرته الكبيرة في الصحافة الاستقصائية معالجة العديد من المواضيع المرتبطة بالسياسة والمال وامتزاج بعضهما في تشكيل آلية للحكم وتقويض للديمقراطية و آلياتاتها، فعلى مدار سنوات عديدة قدم كتب تمتح من هذه المواضيع مثال ذلك “لعبة المال: فن الفوز في لعبة غير عادلة” و “الجانب الأعمى: تطور لعبة” و”البيع الكبير: داخل آلة يوم القيامة” و”أبناء الفلاش: ثورة وول ستريت” و”الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية“.
في “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية” ( 256 صفحة نُشر في عام 2018 ) استكشاف عميق لتعقيدات وهشاشة البنية التحتية للحكومة الأمريكية. على مدار الكتاب، يفحص لويس كيف أن نهج إدارة ترامب في الحكم شكل مخاطر غير مسبوقة على عمل وكالات حكومية مختلفة. يتناول الكتاب الأدوار الحيوية التي تلعبها هذه الوكالات في ضمان سلامة وصحة واستقرار الاقتصاد الوطني.
يبدأ مايكل لويس بتسليط الضوء على الفوضى وعدم الاستعداد التي ميزت الانتقال من إدارة أوباما إلى إدارة ترامب. يرسم صورة حية لكيفية ترك المناصب الحكومية الرئيسية شاغرة، وكيف تم تجاهل أو فقدان المعلومات الحيوية خلال الانتقال. يؤكد لويس أن عمل الحكومة السلس يعتمد على خبرة ومعرفة موظفيها، وكيف أن إهمال هذه العوامل يمكن أن يؤدي إلى عواقب كارثية.
أحد الموضوعات المركزية في “الخطر الخامس” هو أهمية الخبرة في الحكم. يجادل لويس بأن تعيين أفراد غير مؤهلين في مناصب رئيسية داخل الحكومة قوض فعالية وكالات مختلفة. يقدم حسابات مفصلة عن كيفية أن نقص الخبرة والمعرفة بين هؤلاء المعينين أدى إلى اتخاذ قرارات سيئة وزيادة التعرض للأزمات. يتم توضيح هذا الموضوع من خلال استكشاف المؤلف لعدة إدارات حكومية، بما في ذلك وزارة الطاقة، وزارة الزراعة، ووزارة التجارة.
في وزارة الطاقة، على سبيل المثال، يشرح لويس كيف أن هذه الوكالة مسؤولة ليس فقط عن سياسة الطاقة في البلاد ولكن أيضًا عن إدارة الأسلحة النووية ومنع الانتشار النووي. يتم استخدام تعيين ريك بيري، الذي دعا سابقًا إلى إلغاء الوزارة، كدراسة حالة لإظهار المخاطر المحتملة لوضع أفراد بدون المعرفة اللازمة في مواقع السلطة. يوضح لويس كيف أن عمل الوزارة في تأمين المواد النووية وإدارة المختبرات الوطنية أمر حيوي للأمن القومي، وكيف أن الجهل أو الإهمال في هذا المجال يمكن أن يكون له عواقب وخيمة.
وبالمثل، في وزارة الزراعة، يبرز لويس الدور الحيوي الذي تلعبه هذه الوكالة في ضمان سلامة الغذاء، وإدارة البحوث الزراعية، وتقديم المساعدة الغذائية لملايين الأمريكيين. يناقش كيف أن تعيين أفراد بقليل من الفهم لهذه المسؤوليات يمكن أن يعرض رفاهية المواطنين واستقرار سلسلة الإمداد الغذائي للخطر. يستخدم لويس أمثلة محددة لإظهار كيف أن تعطيل هذه الوظائف يمكن أن يؤدي إلى أزمات صحية عامة واسعة النطاق وعدم استقرار اقتصادي.
وزارة التجارة هي نقطة محورية أخرى في “الخطر الخامس”، حيث يتعمق لويس في دور خدمة الطقس الوطنية في التنبؤ والاستجابة للكوارث الطبيعية. يجادل بأن تعيين قادة لا يعطون الأولوية للعلم واتخاذ القرارات المستندة إلى البيانات يمكن أن يقوض قدرة الوكالة على حماية الأرواح والممتلكات خلال الأعاصير، وغيرها من الأحداث الجوية القصوى. من خلال تفصيل الأنظمة والعمليات المعقدة التي تدعم هذه الوكالات، يؤكد لويس على الأهمية الحيوية للقيادة الكفؤة والمخاطر المحتملة لغيابها.
على مدار الكتاب، يؤكد لويس على الترابط بين هذه الوظائف الحكومية وكيف أن الإهمال في مجال واحد يمكن أن يكون له تأثير متسلسل على الآخرين. يوضح هذه النقطة من خلال مفهوم “الخطر الخامس”، الذي يعرفه بأنه خطر الأزمات غير المتوقعة وغير المدارة. يجادل لويس بأن الفشل في الاستعداد بشكل كافٍ وإدارة هذه المخاطر يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، من الكوارث الطبيعية إلى الانهيارات الاقتصادية.
تجاهل الخبرة والكفاءات:
ينظر لويس مايكل لمسألة الحكم بنوع من الحذر والقلق، ويجادل بأن نهج إدارة ترامب، الذي تميز بتجاهل الخبرة والتركيز على الولاء على حساب الكفاءة، قد خلق نقاط ضعف كبيرة. ويذكر الكاتب بشكل صارخ بأهمية تقدير والحفاظ على المعرفة المؤسسية والخبرة التي وجهت تاريخياً الحكم الفعال. يؤكد لويس أن تآكل هذه المبادئ يقوض استقرار ووظائف الحكومة، مما يترك الأمة غير مستعدة للتعامل مع الأزمات.
“الخطر الخامس” ليس مجرد نقد لإدارة ترامب ولكنه أيضًا تعليق أوسع على طبيعة الحكم والتحديات التي تواجهها آلية الحكم في غياب الأطر والكوادر المسلحة بالمعرفة. يستكشف لويس الأبعاد الأخلاقية والمعنوية للخدمة العامة، مجادلاً بأن موظفي الحكومة غالبًا ما يعملون بلا كلل ومع قليل من الاعتراف لحماية وخدمة الجمهور. يبرز التفاني والالتزام لهؤلاء الأفراد، مقارناً إياه بالموقف اللامبالي للمعينين السياسيين الذين قد يفتقرون إلى نفس المستوى من الالتزام والفهم.
تآكل مبادئ الديمقراطية:
في كتابه “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية”، يسلط مايكل لويس الضوء على المخاطر التي تواجه النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة وغيره من البلدان نتيجة لتعيين أفراد غير مؤهلين في مناصب حكومية حيوية. يوضح لويس أن هذا النهج يؤدي إلى تآكل تدريجي للمبادئ الديمقراطية ويعرض البلاد لأزمات غير متوقعة.
يبدأ لويس بتسليط الضوء على الفوضى التي صاحبت انتقال السلطة من إدارة أوباما إلى إدارة ترامب، مشيرًا إلى أن العديد من المناصب الحكومية الهامة بقيت شاغرة، وأن المعلومات الحيوية تم تجاهلها أو فقدانها. هذا النقص في الاستمرارية والاحترام للخبرة شكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار الحكومة وفعاليتها.
يؤكد لويس أن الحكم الفعال يعتمد بشكل كبير على خبرة ومعرفة الموظفين الحكوميين. من خلال تهميش المهنيين ذوي الخبرة وتفضيل الولاءات على الكفاءة، خلقت إدارة ترامب بيئة خصبة للأزمات المحتملة. يوضح لويس كيف أن تعيين أفراد غير مؤهلين في مناصب حيوية داخل الحكومة قوض فعالية الوكالات المختلفة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات سيئة وزيادة التعرض للأزمات.
تفكيك الديمقراطية :
مفهوم “الخطر الخامس” هو محور حجة لويس مايكل، حيث يعرفه بأنه خطر الأزمات غير المتوقعة وغير المعروفة التي تنشأ من إهمال الوظائف الحيوية للوكالات الحكومية. يجادل لويس بأن فشل إدارة ترامب في الاستعداد بشكل كافٍ وإدارة هذه المخاطر يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية، من الكوارث الطبيعية إلى الانهيارات الاقتصادية. من خلال التأكيد على الترابط بين وظائف الحكومة، يوضح كيف أن الإهمال في مجال واحد يمكن أن يكون له تأثير متسلسل على الآخرين.
يقدم الكاتب في كتابه “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية” عن أهمية الحكم الجيد تأتي من تقدير الكفاءات في مكانها المناسب وإلى المساءلة والشفافية في الإدارة العامة. يفحص مايكل لويس بشكل مفصل نهج إدارة ترامب في الحكم الضوء على المخاطر المحتملة لتقويض المؤسسات الديمقراطية والدور الحاسم للخبرة والمعرفة المؤسسية في الحفاظ على استقرار ووظائف الحكومة. من خلال استكشافه للمخاطر المختلفة التي يشكلها هذا النهج، مؤكدا على الحاجة الملحة لتفضيل الكفاءة والخبرة في القيادة الحكومية لحماية الديمقراطية وضمان الحكم الفعال.
من حيث أسلوب الكتابة، يستخدم لويس نهجه السردي المميز، حيث ينسج بين القصص الشخصية والمقابلات والوصف التفصيلي لخلق حساب مقنع وسهل الوصول إليه. قدرته على إضفاء الطابع الإنساني على المواضيع المعقدة والجافة في كثير من الأحيان تجعل “الخطر الخامس” جذابًا ومثيرًا للتفكير. السرد الخاص بلويس هو مزيج من المعلومات والإثارة، يجذب القراء إلى عالم البيروقراطية الحكومية والأفراد الذين يتنقلون في تحدياتها.
نشر الكتاب في سنة 2018 في الوقت المناسب، حيث تردد صداه مع النقاشات الجارية حول دور وفعالية الحكومة في معالجة القضايا المعاصرة. “الخطر الخامس” تمت مناقشته ومراجعته على نطاق واسع، حيث أشاد الكثيرون برؤاه وأهمية رسالته. أثار عمل لويس محادثات حول أهمية الحكم الجيد والحاجة إلى المساءلة والشفافية في الإدارة العامة.
يعتبر كتاب “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية” استكشاف قوي وبصير لعمل الحكومات ومدى أهمية أعمالها التي تستند إلى الدراسات و تحليل البيانات وتبيان المخاطر المحتملة التي يشكلها الإهمال وعدم الكفاءة. يتناول الكتاب الأدوار الحيوية التي تلعبها الخبرات والمعرفة المؤسسية والقيادة الكفؤة هي التي تقود الحكومات حول الرفاه الاجتماعي.
كتاب : لويس مايكل * “الخطر الخامس: تفكيك الديمقراطية” The Fifth Risk: Undoing Democracy