تقديم كتاب فلسفي جديد للمفكر والباحث المغربي المعاصر عزيز الحدادي بعنوان: الهروب من الوجود إلى العدمية.
ذ. المعانيد الشرقي ناجي
صدر عن دار الحداثة مؤلف فلسفي جديد للدكتور عزيز الحدادي له جدته وراهنيته في مجال الفلسفة، نظرا لأنه تناول بعمق ضياع الإنسان وتشظيه داخل المدينة الجاهلة التي فقدت كل مقومات الفكر والإبداع والثقافة عموما، بحيث أضحى البؤس يتجول بمعطف إنسان، لكنه إنسان كسول يجتر أسمالا بالية متسخة من فرط تكرار استعمالها، كتلك المفاهيم التي فقدت بريقها الساطع لما وجدت إقامتها المريحة داخل عالم المسكوكات والعبارات الجوفاء. إن هذا البؤس المُؤسس الصامت أدخل الإنسان إلى دوامة تقهقر القيم واضمحلالها، فلم يعد داعٍ للحديث عن التفلسف مع بعض أهل التخصص والمهتمين بالفلسفة، حيث أضحت هذه الأمور من بين السفاسف والقشور بحسب تمثل العامة وبعض الخاصة.
إن الخروج إلى العدمية في عصرنا الحالي بات منهجا، بل الأنكى من ذلك، تحول إلى عادة يفتخر بها البعض داخل المدينة الجاهلة التي تحولت معها القيم إلى سلع. لا شك أن هذا الكتاب، عمل على خلخلة الجاهز ودحض كل فكرة تريد الظهور بحسب منتجها بأنها البديل عن كل الافكار، لكن الفكر ذاته بكيفية من الكيفيات زاغ عن طريق نداءات الحقيقة، وبدا الشخص الذي يتحدث بهدوء عن الحقيقة إنسان أهوج، وبتعبير نيتشه، ” إني أفضل أن أكون مهرجا على أن أكون قديسا.” بمعنى، أن الجهل أصبح في أيامنا هذه، مقدسا عند العشرات من الناس، وأضاف نيتشه، ” هناك خياران: إما الضحك وإما الجنون، لكن زمننا الباهر يوفر لنا الإمكانية الثالثة: أن نرقص.” بمعنى، أن زمننا هذا، من فرط انتشار الجهلة والدهماء، يوفر لنا أن نرقص كإمكانية ثالثة على أنغام تجد تحققها داخل المدينة الجاهلة، وكأن الجهل أصبح سيمفونية ثامنة.. وهو استنكار في ثوب الرقص بما هو استخفاف من الجهل ذاته، الذي أضحى يخيم على كل المناحي والفضاءات..
إن هذا الكتاب ” الهروب من الوجود إلى العدمية” لهو بحق الكلمة كتاب ملغوم، يتناول فيه المفكر والباحث في مجال الفلسفة الدكتور عزيز الحدادي التخلي عن الوجود المطبوع بالصيرورة والتغير، والإندراج في وجود عدمي أفرغ الإنسان من إنسانيته وساقه إلى الملذات والقيم المنحلة والمتفسخة يجول وقد أرهقه الكسل والتكاسل، تحول هذا الإنسان، إلى بضاعة تُسَوّقُ بأثمنة بخسة ورخيصة. لقد أدار إنسان اليوم ظهره للفكر الفلسفي بشكل لافت ومخيف، ولم تعد فلسفة الوجود والصيرورة تفعل فيه فعلها كما كان الأمر في السابق، إنها لحظات بئيسة هاته التي بات فيها الفكر يحتل الطابور الخامس.
ومن أجل أن نفهم مسار الإنسان في هذا الوجود، لا بد من العودة إلى ما قاله الفيلسوف اليوناني هيراقليدس:
” لا يمكن أن نستحم في نفس النهر مرتين، لأن مياه أخرى ستغمرنا من جديد.” فالكيف ينتقل باستمرار إلى ضده، لأن ضرورة الوجود تقتضي أن يكون هناك كيفا في الزمان، ومن المستحيل أن لا يتحول إلى ضده، فالتغيير يلزم كل شيء أن يتحول إلى عكسه ، وبمعنى آخر ، أن الوجود لما كان هو نظام الموجودات، فإنه يعبر عن هويته انطلاقا منها، ولذلك تتحدد العلاقة بين السبب والنتيجة أو العلة والمعلول من خلال تغير وثبات. هكذا يصبح القول بأن ظواهر العالم تحكمها أسبابا معينة، لأن ما في العالم من أشياء وظواهر ليست سوى نتائج، وفكرة النتيجة تلخص مقولة السببية باعتبارها موجود في قلب النظام، بيد أنه إذا كانت مقولة الكيف، أي كيف هو الإنسان؟ تقودنا حتما إلى السببية فإن نقضيها هو الغائية.