إلى أين تقودنا السياسة التعليمية في المغرب؟
البدالي صافي الدين/المغرب
حسب التصنيف الجديد لموقع “إنسايدر مانكي” الأمريكي، احتلت المملكة المغربية المرتبة 154 في مؤشر التعليم العالمي، من أصل 199 دولة التي شملها التصنيف، هذا المؤشر يؤكد مرة أخرى استمرار النظام التعليمي في الهبوط. و في هذا السياق، كشفت منظمات دولية تهتم بالتعليم، بأن ضعف التعليم في المغرب ظل يحافظ على الرتب المتأخرة من حيث الجودة و من حيث القراءة و الحساب. حيث كشف مؤشر جودة التعليم العالمي، الصادر عن المنتدى العالمي في دافوس عن تدني ترتيب أغلب الدول العربية في مجال جودة التعليم، حيث تصدرت سنغافورة المركز الأول، تليها سويسرا، وفنلندا في الصف الثالث، فيما احتل المغرب في هذا التصنيف الرتبة الواحد بعد المائة (101) عالميا، والتاسع عربيا من بين 13 دولة عربية. وحسب تقرير ‘اليونيفيل’ وهي المؤسسة التابعة لمنظمة ‘اليونسكو” فإن نظام التعليم بالمغرب يوجد في وضعية كارثية ويعتبر ضمن الأنظمة التي تتذيل ترتيب العالم، أي 110 عالميا، من أصل 160 دولة شملها التصنيف الخاص بجودة التعليم. كل التقارير الواردة في شأن التعليم و الصادرة عن منظمات دولية أو إقليمية تكشف عن بؤس التعليم في بلادنا، وحسب تصنيف المركز الدولي للتعليم “اليونيفيك”، التابع لمنظمة اليونسكو، الخاص بالتعليم والتدريب التقني والمهني، حيث صنف المغرب في الرتبة 101 من بين 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم، بمعدل 3.6 نقط من أصل 7، كما سبق لتقرير آخر أصدره صندوق النقد الدولى، مشيرا إلى أن نسبة جودة التعليم في المغرب، “تصنف بين أدنى مستويات الجودة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
إن كل التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتعلقة بالتعليم ظلت دائما تجعل التعليم في المغرب في الرتب الدنيا، قد يتساءل البعض عن مدى مصداقية هذه التقارير و مدى أهميتها بالنسبة للمغرب. كما قد يبدو للبعض بأن خريجي التعليم المغربي يحتلون مراكز مهمة في البحث العلمي في العالم و في الطب و الصيدلة و في التعليم الجامعي في الداخل و في الخارج. هي تساؤلات مشروعة، لكنها تفتقر إلى الواقعية و الموضوعية، لأن النتائج الإيجابية التي تحققها المدرسة العمومية و الجامعة المغربية يرجع الفضل فيها إلى ثلاثة مكونات :
المكون الأول : الأستاذ
هو الذي يضحي بحياته اليومية و يعمل في ظروف تنعدم فيها شروط التدريس من وسائل ديداكتيكية مساعدة على بناء المفاهيم لدى المتعلم و على توظيفها توظيفا سليما . ثم انعدام فضاءات تربوية مناسبة و بنية استقبال مناسبة للمؤسسة حتى تكون لعمل الأستاذ قدسيته ، لأنه يغير الطفل/ الإنسان من حال الى حال، أي من حال الجهل و التخلف والهوان إلى حال القوة و العزة و الكرامة و الإقدام، و لأن الدول التي تتطور هي التي تقدر الأستاذ حق قدره ، لأنه الفاعل الرئيس في بناء الأجيال القادرة على تحمل المسؤولية و المضي قدما بكل ثقة في النفس إلى الأمام في مختلف مجالات الحياة. لكن الدولة المغربية تحتقر الأستاذ ، رغم تضحياته من أجل المدرسة العمومية.
المكون الثاني: الأسرة
تتحمل الأسرة في بلادنا عبء الدراسة و التضحية من أجل توفير شروط التعلم من كل المستلزمات الضرورية رغم ضعف مداخيلها و رغم ما تؤديه يوميا من ضرائب مباشرة و غير مباشرة. فإنها تتحمل وزر الدراسة قدر المستطاع، لأن ميزانية التعليم ظلت تتعرض للاستنزاف في المشاريع الفاشلة و إلى النهب و السرقة ( البرنامج الاستعجالي نموذجا،) و لأن المراقبة تتمحور حول الأستاذ والتلميذ فقط . و تظل الأسر المغربية تعاني من الخوف على أبنائها وعلى بناتها من المنعرجات الخطيرة التي تصيب التعليم في كل مرة ، جراء تغييرات غير معلنة على مستوى البرامج والمناهج، والتقشف الذي يصيب القطاع التعليمي على مستوى البنية التحتية وتأهيل المؤسسات التعليمية وتوفير الأطر الضرورية و الكفءة .
المكون الثالث : التلميذ و الطالب
رغم تخلف البرامج و انعدام الشروط التربوية المناسبة بالمؤسسات التعليمية بجميع الأسلاك يتحمل التلميذ تبعات تعليم يظل تلقيني و لا يساعد على بناء الذات المعرفية و المهارة العقلية و استثمار المفاهيم في الحياة العامة و في الانتاج الفكري. أما الطالب فهو الآخر يعاني مما تعرفه الجامعات ببلادنا من تخلف و من زبونية و من ابتزاز وعزلة عن العالم، لأنها جامعات تكرر نفسها كل عقد من الزمان، دون أن ترقى الى مستوى الأبحاث الأكاديمية التي تعود على الجامعة بالفائدة و تمكنها من عقد شراكات مع الجامعات الرائدة في العالم و تبادل الخبرات و تبادل الوفود الطلابية للمساهمة في البحث و في الإنتاج. و هذا ما كشف عنه تقرير نشرته شبكة “أفروبارومتر” بأن نسبة المتمدرسين الذين يصلون التعليم الجامعي بالمغرب لا يتعدى 34 في المائة. في حين يتوقف 19 في المئة منهم عند المرحلة الثانوية و 33 في المئة عند المرحلة الابتدائية، هذه الأرقام الصادرة عن جهات متخصصة في تتبع مسار التعليم في إفريقيا هي حقيقة. مما يثبت بأن تعليمنا يظل إقصائيا و غير شمولي لعدة أسباب منها، كون المدرسة العمومية في بلادنا لا تصنع من التلميذ الإنسان الباحث والمبدع، لأن برامجها يطغى عليها النقل و المحاكاة و الحشو، لا تساعد على الاكتشاف و المبادرة و بناء الذات المعرفية و لا تعمل على صقل المواهب لأنها تفتقر إلى مرافق مناسبة لأنشطة الانفتاح والإبداع الثقافي والفني و تفتقر إلى أطر متخصصة في المسرح و في السباحة و في الموسيقى و ألعاب القوى، وهي أنشطة تساعد على النمو العقلي و التوازن الفكري والوجداني. هي أنشطة تربوية تتخللها معارف و مهارات و تساعد التلاميذ على تحدي الإكراهات النفسية و العوائق المعرفية.
إنها متطلبات تعليمية/تربوية، هي عنوان الحرية و الخروج من الأزمات الفكرية و التزمت والانغلاق إلى النور والطريق المضيء. ودون ذلك فإن المنظومة التربوية تعتبر فاشلة بكل المقاييس .مثلها مثل فشل منظومة الصحة العمومية و السياسة الاقتصادية والاجتماعية .