الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

النقيب محمد زيان

الصدمة والحقيقة، والرسائل..

 

 

عبد المولى المروري – كندا

 

 

الحالة التي ظهر بها الأستاذ النقيب محمد زيان شكلت صدمة كبيرة للعديد من المواطنين المتابعين للمشهد المغربي، والصدمة كانت أعظم وأعنف للعديد من الحقوقيين وأصحاب البدلة السوداء لما شكله ذلك المنظر المرعب من إهانة بالغة وإذلال فظيع لشخص النقيب..

هناك الكثير من علامات الاستفهام حول الطريقة التي اقتيد بها النقيب إلى المحكمة.. وهل تلك الطريقة كانت مقصودة؟ أم جاءت بطريقة عفوية وغير مدروسة؟

 

لذلك، فإن معظم من قرأت لهم يطرحون الأسئلة التالية:

 

لماذا قرر رجال الدرك المرافقين له عدم الدخول بالسيارة إلى مرأب المحكمة ليكون بعيدا عن أنظار الصحافة والمتطفلين؟

 

ولماذا مرافقة الشيخ المسن المريض والعاجز عن المشي بعدد كبير جدا من رجال الدرك؟ هل يخافون من فراره مثلا؟

 

ولماذا تركوا الصحافة تقترب منه كي تقوم بتصويره على تلك الحالة المؤسفة؟

 

هل هناك رسائل معينة أرادت جهات ما إيصالها إلى المغاربة؟ بهذه الطريقة عبر العديد من المواطنين!!

 

 

إن الجهات المكلفة بالضبط الأمني، أو السياسة الأمنية فرضت علينا أن نشك في كل تحركاتها، ونتساءل عن معانيها وحقيقتها، فهي لا تتحرك أمام الرأي العام في ملفات تخضع للمتابعة والمراقبة إلا وهي تحَضِّر لمجموعة من الرسائل التي تستهدف بها المتابعين، وبالأخص النشطاء في مجال حقوق الإنسان لتحقيق غايات وأهداف محددة بعناية..

 

 

وقبل الحديث عن الرسائل غير المشفرة التي وجهتها الجهات الأمنية إلى الرأي العام الداخلي، لابد أولا أن نقف على البعد الإنساني والأخلاقي لما قامت به في حق الوزير السابق لحقوق الإنسان والنقيب السابق لهيئة المحامين بالرباط..

 

1/ التشهير: 

 

نعلم نحن كمحامين أن هناك مدخل خاص إلى المحاكم، مخصص للمعتقلين الذين يتم إحضارهم إلى المحاكمة، حتى يكونوا بعيدين عن أنظار الناس.. وذلك صونا لكرامتهم من نظرات الشفقة القادمة من المتعاطفين، أو نظرات التشفي الآتية من الأعداء والناقمين، وعندما كسرت الجهات الأمنية العمل بهذا الإجراء، فقد اعتبر جل المتابعين أن الدولة، من خلال رجال الدرك، عرضت النقيب محمد زيان للتشهير أمام الرأي العام.. سواء عن قصد أو عن غير قصد..

 

لقد استقر الاقتناع لدى العديد من المغاربة أن بعض الجهات النافذة داخل الدولة أخذت من التشهير بالنشطاء الحقوقيين والسياسيين سلاحا فتاكا من أجل الضغط عليهم، وتشويه سمعتهم، واغتيالهم رمزيا.. وهذه السياسة الانتقامية الخطيرة بقدر ما أخذت في التوسع والانتشار من خلال المنابر والمواقع التابعة لهذه الجهات، بقدر ما أصبحت تعرف استهجانا وغضبا من طرف الرأي العام، وتطرقت إليها بالنقد العديد من المنظمات الحقوقية المغربية والدولية.. وأصبح له تأثير عكسي على ضحية التشهير.. وهذا ما بدا واضحا مع حملة التضامن الواسعة التي عرفها النقيب محمد زيان، والداعية إلى وضع حد عاجل لاعتقاله، ولو بدوافع إنسانية..

 

2/ انتهاك حقوق المتهم: 

 

إن إظهار النقيب محمد زيان في وضع صحي كارثي، وحالة إنسانية تبعث على الشفقة اعتبره المتابعون انتهاكا صارخا لحقوقه كمتهم يتمتع بقرينة البراءة في القضية التي جيء به من أجلها، وكمُدان في قضايا أخرى (بصرف النظر عن حقيقة تلك التهم التي أدين بسببها).

 

وسواء كان قرار متابعته في نازلة الحال في حالة سراح أو في حالة اعتقال، فإنه من الناحية الواقعية والقانونية هو في عهدة الدولة التي كان عليها أن تحفظ له كرامته وتدخله من المدخل المخصص لسيارات الشرطة والدرك التي تقوم بإحضار المعتقلين، وهذا من الحقوق الأساسية للمتهم الموضوع رهن الاعتقال حتى يكون بعيدا عن أنظار المتطفلين.. إلا أنه تم خرق هذا الحق بطريقة متعسفة أدت إلى التشهير بالسيد النقيب محمد زيان..

والآن، ما هي الرسائل غير المشفرة التي أرادت الجهات النافذة داخل الدولة توجيهها إلى الرأي العام؟

 

1/ التهديد:

 

من خلال تتبعي للعديد من التدوينات والتعليقات التي عبرت عن موقفها من إظهار السيد النقيب محمد زيان بتلك الحالة المأساوية، وجدت أن جلها اتفق على كون ذلك هو رسالة تهديد مباشرة وواضحة لكل من سولت له نفسه انتقاد الدولة، أو الاقتراب من أنوية الفساد والاستبداد، أو حاول فضح سياساتهم ومخططاتهم.. وكلٌّ عبَّر عن ذلك بطريقته الخاصة..

 

فعلا هناك شك يقترب من درجة اليقين عبَّر عنه كل من واكب ما وقع، وأعطى رأيه فيه، هناك تهديد مباشر وغير مبطن، تقول من خلاله هذه الجهات في رسالة التهديد تلك أن ما ترونه سيكون مآل كل ناشط حقوقي أو سياسي، أو أي شخص آخر، كان مثقفا أو مفكرا أو من عوام الناس، أراد أن يساهم في النقاش العمومي وينتقد خيارات الدولة المضرة بالشعب.. وكلما كان صوت النقد مرتفعا، كلما كان الانتقام فظيعا.. وهنا لا اعتبار لا لسن، ولا لوضع صحي، ولا لموقع اعتباري سابق.. كل ذلك لا قيمة له عندما يستدعي الأمر التنكيل بالنشطاء المزعجين والأقوياء.. من أجل إعطاء العبرة للآخرين..

 

وبالنسبة إلي، يبدو أن هذه الرسالة أدت دورها بنجاح بالنسبة للزعماء السياسيين وقادة الأحزاب الحالية.. حيث لم ينبس أحد ببنت شفه إلى حدود كتابة هذا المقال.. فقد انعقد لسانهم وانخرست أفواههم، ولم يخرج أحد منهم بكلمة تعاطف صغيرة، ولا بعبارة استنكار مِجْهرية يدسها في زحام الكلمات الخطابية التي يلقيها كل واحد منهم بمناسبة قضايا الإلهاء التي قرروا الانشغال والاشتغال بها في زمن التفاهة العامة.. وهذا أمر كان متوقعا وغير مفاجئ..

 

أما عموم المواطنين فقد كانوا أكثر شجاعة وجرأة من جوقة الزعماء الورقيين والقادة الخانعين.. ولولا المواطنون الشرفاء ما حظي السيد النقيب محمد زيان بهذه الحملة الواسعة من التعاطف والتضامن.. ولو انتظر النقيب تضامن الزعماء الحاليين لما علم بحاله المأساوي أحد، ولطواه النسيان في سجل الإهمال.. وتجمد في سجنه البارد إلى نهاية حتفه.. ليترقي شهيدا ويُخلَّد زعيما في كتب التاريخ.. فتحية عالية للمواطنين الشرفاء.. والخزي والعار للزعماء الجبناء والقادة السفهاء ..

 

2/ القدرة على الانتقام بلا حساب:

 

سؤال آخر يطرحه المتابعون والنشطاء الحقوقيون.. هل هناك جهة قضائية أو إدارية يمكن لأي ضحية من ضحايا التشهير، كما وقع للنقيب زيان، أن تسمع لشكايته إذا تقدم بها؟ العرف والواقع المغربي أبان عن إهمال كل قضايا التشهير التي كان ضحيتها العشرات من النشطاء السياسيين والحقوقيين والمدونين، وهذا يؤكد إصرار هذه الجهات على اعتماد أسلوب التشهير كسلاح للانتقام والعقاب والاغتيال الرمزي، وبذلك تريد هذه الجهات التأكيد على تسيُّدها وسلطويتها ومنزلتها ومنزلة قادة التشهير التي تتربع بكبرياء فوق القانون وخارج الأخلاق..

 

هذه الحقيقة التي هيمنت على عقل المغاربة تدفع بالمواطن الحر إلى اليأس من أي عمل إصلاحي، والإحجام عن المبادرات الداعية إلى رفع الظلم عن الشعب أو المطالبة بحقوقه الأساسية الدنيا، فضلا عن حقوق أخرى أصبحت تُصنف عندنا من باب الترف والرفاهية..

 

لقد أصبح المغاربة مقتنعون بحقيقة مؤلمة؛ أن مدونة القانون الجنائي أصبحت تطبق بشكل انتقائي في حق الشخصيات العامة، فكلما كان الشخص قريبا من السلطة، خادما لها، مطيعا لأوامرها، إلا كان مستفيدا من حمايتها، ومحصنا من متابعات فصول القانون الجنائي، كيفما كانت خطورة جرائمه.. وكلما كان الشخص معارضا للسلطة أو منتقدا لها، إلا وكان عرضة لمتابعات جنائية أو جنحية، حسب ما تقتضيه القضية ومنزلة الشخصية، وكلما كان شديد النقد، كلما كانت فصول المتابعة خطيرة وعقوبتها قاسية، وإذا كان الشخص حريصا ويحتاط من الوقوع فيما يجعله تحت رحمة القانون الجنائي، فإن افتعال جرائم وهمية من أجل إدانته ليس بالأمر الصعب أو المستحيل.. بالنسبة لتلك الجهات!!

 

وحقيقة أخرى انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي أن المحاكمات أضحت في مجملها شكلية، مهما تقدم دفاع الناشط الحقوقي أو السياسي بدفوع قوية، وطلبات معقولة، وأدلة براءة دامغة، فإن كل ذلك لا ولن يؤثر في الحكم المعد سلفا.. الأمر الذي يجعل معظم المحاكمات عبارة عن محاكمات استعراضية لا تخضع لمساطر، ولا تنضبط لقانون.. وهذا واقع آخر – حسب المغاربة – دفع بالعديد من المحامين الحقوقيين إلى اليأس والإحباط..

 

هذه جملة من الحقائق والرسائل التي استنتجها جل المواطنين من خلال الظهور الأخير للأستاذ النقيب محمد زيان.. فلا شيء يعلو على منطق السلطوية، ولا أحد بمقدوره إقاف تغولها وهيمنتها على المشهد الأمني، ولن تسمح بمساحات مزعجة من الحقوق وحرية الرأي والتعبير للتطاول على رجالات الدولة العميقة والجهات النافذة، وأن تقليص تلك المساحة قرار فوق النقد وخارج الاعتراض، ومن سولت له نفسه الخروج عن منطق السلطوية، فمصيره لن يختلف عن مصير النقيب محمد زيان، إذا لم يكن أنكى وأشد.. ولو كان وزيرا سابقا، أو شيخا هرما، أو مريضا متهالكا… أو حتى بريئا براءة تامة بأدلتها الواقعية والقانونية.. فكل ذلك لن يشفع له، ولن ينجيه من الانتقام..

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات