الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

جريمة زعزعة العقيدة (1)

تجاهل مشترك بين العلماء والدولة

 

 

 

عبد المولى المروري – كندا

 

باعتباري فردا من المجتمع، وشخصا صاحب رأي، فأنا مبدئيا مع حرية الرأي، وحرية الاعتقاد، و«من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر»، ولا يهمني شخص يعلن إلحاده أو كفره.. فذلك شأنه، هذا رأيي في الموضوع لأنني لا أمثل إلا نفسي.. وهذا يسمح لي أن أقدم وجهة نظر خاصة بي في جملة من القضايا العامة في إطار تخصصي واهتماماتي ومتابعتي للشأن العام.. ويخول لي أيضا أن أؤيد أفكارًا وأعارض أخرى بما ينسجم مع أفكاري وقناعاتي..

 

المشكلة ليست هنا، فأنا مع إفساح الحرية للجميع ليقولوا ما يشاؤون، شرط أن يكون ذلك على قدم المساواة بين جميع التيارات والفرقاء، دون إقصاء فريق واحتضان آخر.. المشكلة في ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين، وتطبيق قانونين مختلفين..

 

ظهر مؤخرا تيار قوي من الرويبضة أو «اللكعيين» (نسبة إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه لكع ابن لكع) أخذ على عاتقه التشكيك في قطعيات الدين الاسلامي، والطعن في مصادره، والاستهتار بشعائره، والتهكم على صحابة رسول الله وعلماء الأمة.. وأصبح لِلُّكَعِيين امتداد واسع في المجتمع، وصوت مسموع بين الناس، وحظوة معتبرة عند بعض مؤسسات الدولة.. وباختصار يقترف هذا التيار تحت مسمع ومرأى الدولة جريمة زعزعة العقيدة حسب ما ينص عليه الفصل 220 من مجموعة القانون الجنائي المغربي في فقرته الثانية..

 

بعض رموز الرويبضة هؤلاء لا يجدون حرجا في سب عمر بن الخطاب واتهامه بالجبن والظلم والتطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وادعاء اعتداءه على ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ورفس بطنها وتسبب لها في إسقاط جنينها (محسن)، ولا يجد حرجا في اتهام الصحابة بالجبن وخذلانهم للرسول في موقعة أحد، والتشكيك في عدالتهم التي أكده الرسول وأجمعت عليها الأمة، ولا يجد هذا التيار حرجا في اعتبار بعض أركان الإسلام، مثل الصوم والحج هي أركان غير ثابتة وغير صحيحة، بل ويعتبرونها قهرا للناس واعتداء على صحتهم.. ولا يجدون حرجا في الطعن في مصادر التشريع وعلى رأسها السنة المطهرة، وكل هذا بهدف زرع الشك في نفوس المسلمين وزعزعة عقيدتهم وإخراجهم عن إسلامهم..

 

و إن كنت لا أوجه اللوم على هؤلاء الرويبضة، لأن هؤلاء وأمثالهم لم تخل منهم الأمة، حتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهروا في كل عصور وحقب الإسلام، ومع ذلك لم يزعزعوا مثقال قطمير من تعاليم الإسلام وقيمه وشرائعه وقوانينه الباقية ببقاء الإنسان.. لومي موجه على من يجب أن يكون لهم رأي ودور في مواجهة تطاول اللُّكَعيين عن ثوابت الاسلام، باعتباره الدين الرسمي للشعب والدولة وباعتباره الدعامة الأولى للدستور..

 

أولا: لوم إلى العلماء: 

 

فأمام تهجم اللكعيين على ثوابت الدين علانية وفي كل وسائل التواصل الاجتماعي، وفي القاعات العمومية، تهجما مستمرا ومتصاعدا ومتطورا، يُطرح السؤال عن سبب اختفاء العلماء المغاربة وتجاهلهم لكل هذه الحملات الممنهجة ضد الإسلام ورموزه وثوابته؟ لماذا أفسحوا المجال لهؤلاء ليقولوا ما يشاؤون دون فضح لغوهم، والكشف عن مغالطاتهم وكذبهم على الإسلام (قرآنا وسنة)، واستهداف أصوله ومصادره وصحابته وعلماءه؟

 

اللكعيون أو الرويبضة يتكلمون بثقة عالية وشجاعة قوية، وموثوقية منقطعة النظير، وكأن كلامهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نافثين أفكارهم المسمومة ومعلوماتهم الملغومة، وهرطقاتهم المذمومة في عقول الشباب غير المتمكنين من دينهم، وغير المحصنين في عقيدتهم.. ولا جرم أنهم حصلوا على هذه الثقة العالية لعلمهم بأنهم محميون من جهات ما، ومحصنون عن أية متابعة..

 

قد يقول قائل من العلماء إن ما يقوم به هؤلاء من تضليل وتشويه للدين وتشكيك لقطعياته وثوابته، وكذبهم على الصحابة والطعن فيهم، والازدراء بتعاليم الاسلام، كل هذا لا يجد له أسماعا ولا أتباعا.. وأن تأثيرهم ضعيف أو منعدم.. الأمر الذي يستدعي – حسب رأيهم – عدم الرد عليهم حتى لا تُعطى مصداقية وشرعية لما يقولون.. ولا يُسمح لهم بزيادة التعريف بهم أمام الرأي العام.. وهذا التبرير سمعته من بعضهم..

 

هذا كلام مردود على أصحابه، من عدة جهات، الأولى أن القرآن طلب من المسلمين أن يردوا على من يشكك في الدين أو يحاربه بالكلمة بقوله: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، وطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يردوا على أبي سفيان قبل إسلامه عندما قال: أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ، قالَ: إنَّ لَنَا العُزَّى ولَا عُزَّى لَكُمْ. فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَلَا تُجِيبُوا له؟ قالَ: قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، ما نَقُولُ؟ قالَ: قُولوا: اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ. فمن خلال هذه الأدلة فإن الرد بما يجب ويناسب على أدعياء التشكيك والاستهزاء بالدين وزعزعة عقيدة المسلمين واجب ومفروض على كل من هو مؤهل لذلك، ولا عذر له..

 

ومن جهة ثانية فإني أعتبر أن كل شاب أو شخص تم تضليله أو زعزعة عقيدته من طرف هؤلاء الرويبضة واللكعيين هي مسؤولية كل العلماء والدعاة، وهو حجة عليهم ودليل على تقصيرهم في الدعوة إلى الله ومحاربة تيارات الإلحاد والتشكيك في الدين.. وتفريطهم في القيام بمهمة البلاغ التي أمر بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كافة المسلمين، وعلى رأسهم العلماء.

 

الواضح والمؤسف أن غياب العلماء والدعاة ليس على هذا المستوى فحسب، فالكثير منهم لم نجد لهم كلمة أو مقالة أو مساهمة في السجال المستعر حول تغيير مدونة الأسرة، وكأن الأمر لا يعنيهم، وكأن المدونة ونصوصها القانونية ليست من الإسلام..  ولا نجد لهم كلمة أو مقالة أو غضبة حول ما يتعرض له أهل غزة، وكأن الفلسطينيين غير مسلمين، وكأن ما يتعرضون له من إبادة وتقتيل وإجرام لا علاقة له بكونهم إخوة لنا في الدين، وكأن الإسلام لا يطالب المسلمين بنصرة إخوانه والدود عن حياض الإسلام.. فقد روى جابر بن عَبْدِ اللَّهِ وأبو طَلْحَةَ بْن سَهْلٍ الْأَنْصَارِيّ -رضي الله عنهم- جميعاً، قالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» (رواه أحمد وأبو داود)، فما رأي العلماء المختفين في هذا الحديث..

 

وانسحاب الكثير من العلماء والدعاة من الحياة العامة لا تخطئه العين، فهم غائبون عن كل شيء يخص الإنسان المغربي وله علاقة بحياته العامة، واختزلوا عمله في أمور الصلاة والطهارة والصيام والحج والزكاة الفردية وبعض فتاوى الربا وشراء الشقق والسيارات، أما ما يتعرض له المغاربة من ظلم اجتماعي وقهر واستعباد، وانتهاك لحقوقهم المدنية وتسلط السلطات عليهم.. وما تتعرض له عقولهم من تدجين وتجهيل وتسطيح عن طريق إعلام وتعليم الدولة، كل ذلك لا يعنيهم في شيء، وكأن مناهضة الظلم ليس من الإسلام ولا علاقة لتعاليمه وشعائره وقيمه بذلك.. هذا أمر غريب وعجيب أجده في فهم الكثير من هؤلاء العلماء والدعاة!! وهو توجه يناقض مهمتهم ويعارض دورهم، وهو تقصير بَيِّن في ممارسة رسالتهم والأمانة التي خصهم الرسول بها.. فالعلماء ورثة الأنبياء..

 

أعرف الكثير من العلماء والدعاة التي تربطني بهم علاقة شخصية، بعضهم له حضور معتبر في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعضهم من أبناء الحركة الإسلامية، وهم من خريجي دار الحديث الحسنية وشعبة الدراسات الإسلامية، من مختلف التخصصات العلمية من علوم القرآن والحديث والأصول والفقه والسيرة… وهؤلاء كانوا في مرحلة من مراحل الحركة يقومون – ونحن تلاميذ وطلاب جامعيين – بتأطيرنا فكريا ودينيا.. ويشرفون على تكويننا حتى لا نسقط ضحية تيارات فكرية منحرفة أو مضللة، وأنا أشكر لهم عملهم وصنيعهم ذاك، فلقد كان لهم بعد الله سبحانه وتعالى فضل كبير علينا.. طبعا لا يمكن أن أذكر أحدًا باسمه، رفعا للإحراج.. ولكن أين هم الآن؟ ما هو سر انسحابهم واختفائهم؟ لماذا تركوا البلاد لهؤلاء الرويبضة واللكعيين ليعيتوا فيها فسادا فكريا وانحرافا دينيا يكون ضحيته مئات الشباب والنساء؟ أين هم مما يقع في غزة؟ أين هم من سجال المدونة؟ أين هم من مظالم الشعب وانتهاك حقوقهم؟ أين هم من حملات الانحراف الأخلاقي الذي يمارسه الإعلام برعاية رسمية من الدولة؟

(يتبع)

 

 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات