أيطال الغفران خيانة الاوطان ؟
مبارك المتوكل/المغرب
إن الله يغفر الذنوب جميعا (سورة الزمر آية 53) ويقول المثل العربي “أم القاتل تنسى وأم المقتول لا تنسى” أي أن العباد لا يغفرون. كثيرون هم الدعاة أو على الأقل الذين يدعون أنهم كذلك والذين يبشرون بأن المؤمن إذا ثاب وأصلح فإن الله يتوب عليه. ومن غير أن أكون داعية أو مؤولا للنصوص فإنني أسترجع موقفا للمرحوم الحاج العربي أيت المؤذن الذي رفض الاجابة على أسئلة رئيس جلسة محاكمة مراكش الكبرى سنة1971 مذكرا بأن رئيس محكمة الجنايات الكبرى الذي حاكم مناضلين من ضمنهم محمد أجار (بونعيلات) وأحمد بنجلون اللذين سلمهما فرانكو دكتاتور إسبانيا آنئذ إلى المخزن، واللذين حوكما بتهمة المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي … الخ وكان موقف الحاج العربي إذ ذاك أنه لا يحق لمن حاكم وأصدر أحكاما قاسية على المقاومين خدمة للاستعمار وخيانة للوطن أن يحاكم نفس المقاومين اليوم وقد غير موقعه دون أن يغير لا منهجه ولاسلوكه .
يمكن للمذنب أن يطمع في مغفرة ربه إذا كانت خطيئته عصيان الأوامر الإلاهية التي لا ضرر فيها للأغيار، أما إذا كانت ضحايا خطيئته من البشر فلا غفران من الله إلا إذا رضيت الضحية بعد القصاص والتعويض عن الأضرار، ومن هنا يبدأ التعقيد. كيف يمكن القصاص اذا تعدد المتضررون؟ وكيف يتم التعويض إذا كان المتضرر مجتمعا بأكمله؟.
سيقولون لنا إن استفادتهم من المال العام تم بإرادة الدولة التي اختارت أن تدعم أحزابا معينة نظرا لما تتوفر عليه من أطر وقدرات على البحث والدراسة لإنجاز ما يطلب القيام به من أبحاث ودراسات يتسابق عليها العارفون من هذه الأحزاب التي كبرت بما حققته في تجارب انتخابية متوالية كرستها كأقوى تنظيمات سياسية في البلاد، ولم يرد أحد لا من تلك الأحزاب ولا من المسؤولين في الدولة أن يتذكروا كيف مرت تلك التجارب الانتخابية التي أوصلت المواطن المغربي إلى اليأس من أي تغيير يأتي عن طريق الانتخابات، فقرر العزوف عن التصويت إلا بالمقابل الذي يجبره الفقر والحاجة إلى القبول ببيع ما لا يملك ليحقق حاجة آنية ليخسر ويخسر معه الوطن.
الدولة هي التي تقرر إذا شاءت مرة أخرى أن تسلم الحكومة إلى من لم يتوفر على أغلبية، لا نسبية ولا مطلقة، ليبقى الأمر دائما بيد المخزن يتحكم في اللعبة بواسطة أحزابه إلكرطونية التي تأتمر بأوامر من كان يجب أن يكون مسؤولا أمام برلمانييها. إنها الديمقراطية المغربية التي تجعل الجهاز التنفيذي متحكما في أجهزة التشريع بدلا من أن يكون تحت مراقبتها و مساءلتها وطبعا لقبول هذا الوضع ثمن، يعطيك المخزن الأغلبية في المؤسسات التمثيلية ويمدك بالدعم الملائم من ممثلين في مؤسساته، ثم يمنحك تعويضات إضافية تأخذها بدعوى إنجاز أبحاث ودراسات تفتقر مكتباتنا إليها، فعلا لكن الذين كلفوا بإنجاز هذه الدراسات لا يتوفرون على المعرفة ولا التقنية أو الإرادة لإنجاز عمل مفيد للباحثين الحقيقيين. وهكذا يتسابق زعماؤنا الذين سبق أن استفادوا من عقارات بأثمان تفضيلية لا تصل إلى ١%من ثمن السوق، فيتسابقون على الغنيمة الجديدة كما تتسابق الحيوانات الجارحة على الفرائس .
هناك من يسلم إنجاز الدراسة إلى أصدقائه وخلانه، ومنهم من ينشيء مكتبا للدراسات خصيصا لإنجاز هذا البحث-الدراسة، وبما أن المقربين أولى فلماذا-نعطي خيرنا لغيرنا-لذلك من الأحسن أن يفتح المكتب باسم الابن البار ويسمى مكتب دراسات ليحضر أوراقا قد تجمع من خلال ما نشر في المجلات والصحف و يسميها دراسة، لكن عندما تعرض على المحك يتبث أنها لا تأتي إلا بما هو متداول يمكن لأي مطلع أن يسوده في أيام بل في ساعات. وقد كشفت إلهيئات المختصة ضحالة ما قدم باسم الدراسة وعوض أن يستعمل القلم الأحمر للتصحيح نعتقد أن الأمر يقتضي العرض على القضاء ليقرر على الأقل إرجاع الأموال غير المسحقة وربما عقوبات زجرية إذا تبث أن الاستغلال كان بسوء النية .
الذين يتوفرون على قليل من عزة النفس فضلوا تقديم الاستقالة من مواقع لا طاقة لهم بها. قد يكون في هذا نوعا من المروءة لو سبق أو رافق هذه الاستقالة نقد ذاتي واعتراف بالأخطاء واعتذار للخصوم والضحايا والناخبين الذين أعطوا أصواتهم طواعية دون الذين اعتبروا تلك الأصوات بضاعة تباع في سوق النذالة، على أن يخص بالاعتذار أولائك الذين اعتقدوا أن إسناد العمودية إلى امرأة سيكون تشريفا للمرأة الرباطية وسيكون نجاحها مفخرة للمرأة المغربية، لكن كان على من يتولى عمادة العاصمة أن يعي أن قراراته ستكون وباستمرار محط دراسة وتحليل، ليس فقط من طرف الأجهزة الحكومية المتمركزة في العاصمة بل وأيضا من طرف البعثات الدبلوماسية والصحافة الدولية. يكفي أن نسجل أن معظم أخبار الرباط لا تأتي من طرف الاعلام الوطني بقدر ما تأتي عن طريق الإعلام الأجنبي، وهذا قد لا يمس سمعة الفرد أو المدينة التي تولى أو تولت عموديتها بل يخشى أن يمس سمعة الوطن.
لا فرق بين من يتصرف في مال الجماعة أو من يتحايل ليتصرف في أموال اقتضى الوضع تخصيصها للدراسات والبحث وليس لتمكين بعضهم من إمكانية الاغتناء الغير المشروع مما لا يدع فرقا بين من ردد الشعارات الثورية أو من ادعى القدرة على التوفيق بين ماض تليد وحاضر جديد، فاختلط عليه التراث باالثروة ليلج العصر بقدم معاقة ويبث في مصير وطن لم تعد تربطه به إلا بطاقة هوية. المفروض أن تتحرك الأجهزة المختصة في كلتي الحالتين للتحقيق والتدقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة، لأن المال المبدد أو المتصرف فيه من غير حق هو مال عام، و ما أحوج الوطن إليه لإطعام الجائعين أو علاج المرضى أو إصلاح التعليم أو صرفه على البنية التحتية التي تضررت من الزلزال ومن الغش والإهمال واللامبلاة .
قد يقال إن من يتحمل مسؤولية جماعة كبرى ومهمة كجماعة العاصمة، أو من تكلف بإنجاز دراسة أو بحث في موضوع ما، يجب أن يتوفر على مستوى معرفي متقدم ولن يحاسب وحده، لأن المسؤولية يجب أن يشترك معه فيها المجلس بكل مكوناته والسلطة التي ساهمت في الفساد بسكوتها على المفسدين حتى طغوا واعتبروا أنفسهم فوق كل حساب. ولكن المسؤولية الكبرى تقع على الحزب الذي رشح من يستطيع أن يوفر له النجاح من غير مراعاة انتمائه أو قناعاته أو مهاراته في القدرة على التأطير والتسيير والحوار، بمعنى أشمل و أوضح لا يعقل أن يرشح الحزب شخصا كل ما يعرف عنه هو رصيده البنكي أو ما يملك من عقار.
بنفس المقاييس تسند المهام للمقربين والأقربين، وننسى أننا لا ندير مشروعا خاصا نسند مهمة تسييره لمن نشاء ونتحدى الشركاء والأغيار، لأن سلوكا كهذا يفضح ما خفي في الصدور ليس من الأحقاد فقط بل أيضا من مافي النفس من أطماع لدى الفرد و لدى الحزب وقياداته التي تعاقدت عل إنجاز دراسة دون طلب عروض أو تأكد من تجربة أو مهارة والاكتفاء بالصحبة أو القرابة، الأمر الذي أصبح من مميزات تحمل المسؤولية في لامسؤولية من أسند إليهم أمر تدبير الشأن العام في هذا البلد السعيد.