الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

جوع وعزة ووفاء هناك،

وتخمة وذل وخيانة هنا

عبد المولى المروري – كندا

هذا الجوع الذي يطوي بطون أطفال رضع في غزة، وهذا العطش الذي يجرح حلوقهم الطرية، وهذا العراء الذي يلف أجسادهم الغضة، وهذا التهجير الذي يطارد حياتهم الضائعة، وهذا التقتيل الذي يسرق أرواحهم البريئة.. كل ذلك لم يشفع لهم أمام الحكام العرب الخونة والجبناء، ولا أمام الحكومات الغربية المنافقة، ولا أمام هيئات العالم ومنظماته..

الكيان الغاصب أصبح سيد الكون بلا منازع، وبلا منافس، وضع الحكام العرب تحت أقدامه الملطخة بدماء أطفال غزة، والحكام العرب يستمتعون بما يسومهم الكيان من إذلال واحتقار وإهانة مستمرة ومتواصلة، بل إنهم يتنافسون على ذلك، ويتسابقون تسابق المدمن المتلهف إلى شم رشفة من الكوكايين الرديء، من منهم يحظى بأذل وأحقر تعامل يتلقاه من الكيان.. حتى يحصل على بضعة من ذلك المخدر القذر، رخيص الثمن.. وينتشي به في لحظات السفاح والعهر الرسمي في الداخل أو في ليالي المؤتمرات الحمراء..

لا أدري هل بقي ذل أحقر من هذا الذل، ولا خزي أفظع من هذا الخزي، ولا عهر أقبح من هذا العهر، ولا عار أعظم من هذا العار الذي تتمرغ فيه الأنظمة العربية بكل بؤس وخسة وشنار ، مع ابتسامة واسعة متشدقة مغرقة في التفاهة والإسفاف والابتذال الرسمي.. على أمل أن تتشرف برضى الكيان وتحصل على ما يزيدها ذلا ومهانة.. يتجاوز ذلك الإذلال الذي مارسه بيض أمريكا على عبيد الحقول من سود أفريقيا..

لا أدري هل بقيت خيانة أشنع من هذه الخيانة، ولا خلاعة سياسية مثل هذه الخلاعة، ولا فجور سياسي مثل هذا الفجور، ولا خذلان أدنس من هذا الخذلان، ولا تآمر أمر من هذا التآمر، ولا هوان مثل هذا الهوان الذي أصاب الأنظمة العربية في رجولة حكامها ومروءتهم وشرفهم.. حتى أصبحوا بلا رجولة، ولا مروءة، ولا كرامة، ولا شرف..

مواقف الأنظمة العربية عرفت أحقر أشكال الفحش السياسي والفسق الإنساني، والنجاسة العربية التي لم يشهد التاريخ مثيلا لها من قبل.. أطفال رضع يموتون جوعا وعطشا وبردا وذلا وهوانا، كل يوم، كل ساعة، كل لحظة، مباشرة وأمام كل كامرات وأنظار أثرياء الحكام العرب الذين يتقلبون في نعيم الشعوب العربية المنهوبة.. لم يتحرك لهم جفن، ولم تتزعزع لهم شعرة، ولم تستفق لهم نخوة، ولم يستيقظ لهم ضمير.. هكذا هكذا .. موت الضمير، تبلد الحس، قسوة القلب، عمى البصر والبصيرة هي عاهات أصابت الأنظمة حتى أضحت وبالا على الدنيا كلها، على الأرض وسكانها وحيواناتها وبحارها وأنهارها وأسماكها ورمالها ونباتها وحشراتها وجمادها، ومصيبة على السماء ونجومها وكواكبها وأقمارها وشهبها وفراغها وظلماتها.. أنظمة عربية غدت مصيبة على الزمان سرمده وآنه وأزله، وعلى المكان عرضه وطوله وارتفاعه وعمقه.. ماذا تبقي؟

ما نعيشه اليوم هو نوع من أنواع نهاية تاريخ، وميلاد تاريخ جديد، نهاية حقبة وبداية أخرى.. هذا أمر حتمي ومؤكد، ذلك أنه لم يسبق للتاريخ أن عرف اجتماع هذه الوحشية في القتل، والشراهة في الإبادة، والهمجية في التشريد، والإمعان في التجويع، والبشاعة في الدمار مثل ما نشاهده اليوم على يد عصابة الاحتلال ومجرمي الحرب.. ولم يشهد التاريخ تسابق أنظمة عربية نحو معانقة الذل بهذه الطريقة الفجة كما نشاهده اليوم، ولا تعطشا للخيانة مثلما نشاهدها اليوم، ولا شراهة نحو العهر السياسي مثلما يجتهد فيه حكام هذه الأنظمة..

فلا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هناك ما هو أسوأ مما نعيشه اليوم في ظل أنظمة بائدة، فاجرة، استنفدت كل مخزونها من الخيانة، وكل رصيدها من الذل والخذلان.. وأضحت ومفلسة تماما، إلا بما تبقى لها من علاقة سفاح ماجن مع الكيان المحتل.. تنجب من خلاله اتفاقيات مذلة تملأ به حساباتها من جديد بمخلفات الفجور والعهر، وزبالة الخيانة المتعفنة التي هي عصارة خيانات سابقة، حيث لم يتبق من أنواع الخيانات وأشكالها وأصنافها ومراتبها إلا ومارسته هذه الأنظمة على أهل أراضينا المحتلة، فاضطرت إلى ما تبقى من زبالة الخيانة لتعيد تعصيرها وتدويرها للحصول على عفونتها المتبقية.. وتستمر على طريق الخيانة حتى تجف تلك العصارة، وها هي قد أوشكت على استهلاك واستنفاد ما تبقى لها.. وبعدها تبدأ الحقبة الجديدة، التي ترمى فيها هذه الأنظمة في مزابل الخيانة ومتلاشيات المواقف المخزية..

صمود أهلنا هناك هو ميلاد فجر جديد، يشع نوره على مستقبل جديد، بعدما داس أبطاله على ظلمات الخيانة التي كان أنذالها من صناديد الظلم والطغيان، أولئك الذين كانوا وما يزالون عبئًا ثقيلا على الشعوب والقضية..

عِزة أهلنا هناك هي عنوان حقبة مشرقة آتية بشموخ وعنفوان تزف بشائر النصر والتحرير، ودَحْر الاحتلال وأنظمة الإذلال..

كل يوم صمود هو يوم نصر وفتح قريب.. لا يدرك حقيقته إلا أعمى البصر والبصيرة، بليد الحس والضمير.. أما الأحرار فإنهم يرونه قريبا متعطرا بعطور شهداء النصر والتحرير الذين وهبوا أرواحهم الزكية فداء للأقصى وغزة وعسقلان.. بشرى ربك الذي لا يخلف وعده، وتحقيق نبوءة نبيه الذي لا ينطق عن الهوى.. ولكن الخونة لا يعلمون، لا يفقهون، لا يشعرون.. طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون، وطمس عقولهم فهم لا يعقلون، وأعمى أبصارهم فهم لا يبصرون.. فهم كالأنعام، بل هم أضل، والعاقبة للمتقين المجاهدين الصادقين.. وإن غدا لناظره قريب..

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات