الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

تاريخنا ضد التطبيع مع الإعداء

 

مبارك المتوكل/المغرب 

 

قال الشيخ جمال الدين الأفغاني لهنود اشتكوا من ظلم المحتل الإنجليزي” لو تحولتم إلى سلاحف وغصتم في البحر لاقتلعتم الجزيرة البريطانية من الجدور” وبريطانيا حينها إمبراطورية لا تغرب عليها الشمس. ماذا نقول نحن اليوم للعرب الذين تمتد أوطانهم لتغطي جزئا كبيرا من إفريقيا ومثله من آسيا ويفرطون في البقعة المحملة بثقل الجغرافيا وعبق التاريخ وهي بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي تضم مآثر السابقين من الحضارة والعمارة والجزء الأكبر من تراث الإنسانية. على أرضها التقت اليهودية والمسيحية والإسلام فامتلأت سماؤها بأصوات المآذن ورنات نواقيس الكنائس في تناغم وتآخ. إليها هاجر موسى طريدا وفيها ولد المسيح وعليها أسرى برسول الإسلام قبل المعراج فكانت أرض التلاقي والتآزر والتآخي طريق إبراهيم إلى أم القرى وطريق دارعي الأرض من ثلاث قارات وعابري البحار والصحاري من مبدعي أحرف صور وعمارة بابل …..

 

إليها اتجهت الأطماع وعلى أرضها التقى أحرار العالم للدفاع عن الحقوق وحماية المظلومين. ولم يكن وجود المغاربة ضمن المدافعين عن فلسطين صدفة وإن كان بعض أحفاد من ساهموا في تحرير فلسطين من أعتى جبروت وأخبث استعمار قد نسوا بطولات الأجداد فأخذوا يبحثون عن صيغ يبررون بها عجزهم فادعوا أن لليهود جذورا في المغرب .

 

صحيح أن المغرب آوى يهود الشتات بعدما شردهم الرومان وعندما طردتهم إزابيلا فرديناند وحماهم من حكومة فيشي وبالتالي من محرقة النازية. لم يطلب منهم أجرا ولا حتى عرفانا بالجميل، ولكن يتحتم عليهم وعلى من يريد أن يربط البلد بأساطير عفا عليها الزمن بحجة أن لنا جالية ضمن من سموا بمغاربة العالم هناك في الأرض المحتلة أن يصححوا مفاهيمهم. نعم لنا إخوة ورفاق في مختلف بقاع الأرض لكنهم ضلوا أوفياء لقيم المواطنة حتى ولو شط بهم المزار بعيدا وظلوا وهم في الغربة يدينون بنفس الأخلاق ويعتنقون نفس القيم التي وجدوا عليها آباءهم الذين دافعوا عن أرض طغا عليها الصليبيون وبدأ الهمج في تدميرها فكانوا جند حمايتها وكانت لهم فيها أوقاف وآثار خلدت بطولات التقت فيها الشهامة والعفة مما لقن الغزاة دروسا ساهمت ولو بطريقة معكوسة في تنوير المجتمعات في الغرب قبل الشرق. استفاد جنود الصليبيين المهزومين من تعاملنا مع أئمتنا فراجعوا علاقتهم مع كنائسهم وتأثرنا بتقديسهم لرهبانهم فابتدعنا لأنفسنا رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان .

 

لم يرد الاستعمار أن يغادر الشرق الأوسط دون أن يخلف من ينوب عنه في إنجاز مهام التحكم ولو عن بعد في مسار منطقة كانت لها أدوار في صناعة تاريخ البشرية ويخشى أن تعود إلى أمجادها لتنافس دول الغرب أو تحاسب من نهبوا خيراتها ودمروا حضارتها وشردوا أهلها من الاستعمار إلى وعد بلفور الذي جاء تنفيذه بمبرر ما تعرض له اليهود من إبادة على يد النازية التي لم يكن لفلسطين يد في جرائمها . وإذا كانت بريطانيا في مقدمة المخططين فأن هيئة الأمم المتحدة تتحمل كامل المسئولية في مصادقتها على إنجاز وعد بلفور بتقسيم أرض فلسطين وإدخال شتات من شداد الآفاق إليها . ادعى الصهاينة أن تلك الأرض هبة من الرب لبني إسرائيل . ومن المعلوم أن الطعام المجاني يستفز شهية النهم لذلك نرى أن حكومة إسرائيل اليوم تسعى لابتلاع كل أرض فلسطين وحرمان أهلها من حق الانتساب إلى أرض تربتها من أجساد ورفاة أجدادهم .

 

وكانما كانوا مجرد حرس لأرض فلسطين في انتظار أن يأتي من يستحقها . ابتدعوا اكذوبة آخذين من حكم التراث ما يروقهم غاضين الطرف عن الجزء الثاني الذي يفضحهم . وهكذا توهموا أو حاولوا إيهام العالم أن الله اختارهم دون غيرهم من البشر وخصهم بتلك الأرض . أرض كانت دائما تستقبل مرحبة بمن ياتيها مسالما وتتصدى لمن جاء غازيا .

 

ادعت الحركة الصهيونية أنها استعادت أرضا لتكون وطنا لكل اليهود حتى أولائك الذين لم يعودوا يدينون بها أو الذين آمنوا بنص التورات فلم يرضوا بإقامة دولة يهودية فأحرى أن يقبلوا إقامتها على أرض الغير.

 

دولة تدعي أنها واحة الديمقراطية وسط صحراء من الاستبداد والرجعية بنيت على تناقضين أساسين اولهما أنها دولة ليهود العالم دون غيرهم في وقت أصبحت الدولة الدينية نقيض الدولة الديمقراطية العلمانية وأن أغلب من استقدمتهم من أراضي الشرق ومن الغرب لا تربطهم ب”أرض الميعاد”أية رابطة . وثاني التناقضين أنها تسعى إلى التطبيع مع من تعتبرهم أعداءها وأعداء الديمقراطية التي تدعي أنها جاءت لتنشرها في منطقة الشرق الموغلة في”التعصب والتطرف الديني” ولكن الوالغين في التناقض حتي النخاع هم أولائك الذين قبلوا ويقبلون التطبيع مع كيان ينعتهم بالطغيان والجبروت وباضطهاد مواطنيهم ويرون أن دولة الصهاينة تضطهد أهل الأرض بل تشن عليهم حرب إبادة مع ذلك يعقدون معها اتفاقيات اقتصادية وفلاحية وعلميه وعسكرية بل وحتى استخباراتية

 

ولكن الغريب هو أن نجد بين مثقفينا من يحاول اختلاق علاقة مزعومة بالصهيونية . صحيح أن المغرب آوى اليهود في مراحل تاريخية متعددة . فقد سمح لهم بالإقامة والعيش عندما اضطهدهم الرومان وفرضوا عليهم الهجرة وأكرم وفادتهم عندما اضطهتم ايزبيلا فرديناند فهاجروا بدينهم من الأندلس إلى المغرب وحتى عندما تخلت عن حمايتهم حكومة فيشي الفرنسية وجدوا ملاذا في المغرب الذي تمتعوا فيه بحق المواطنة قبل أن يختاروا صف العدو فكيف يمكن أن نعتبرهم من”؟مغاربة العالم”ونحتفظ لهم بالجنسية المغربية. إذا لم يكن فعلهم هذا خيانة فبما ذا تسميه أيها المثقف الألمعي ؟ الأدهى إن دولا عربية منحت جنسيتها مختارة إلى من ينكرون علينا حتى حقنا وحق إخواننا الفلسطينيين صفة البشرية .

نحن الأمة التي مكنتها الجغرافيا من اكتساح مساحة أرضية تمتد من المحيط إلى الخليج جمعتنا لغة واحدة هي العربية ووحدنا التاريخ تعددت أعراقنا وأعرافنا ودياناتنا . ولكن عوض أن تكون الديانات أدوات توحيد وتآخ لعبت الأنانيات والمصالح الفئوية باسم الدين دورا خبيثا عبر تعدد المذاهب وفي الديانات الثلاثة على حد سواء حتى لا تلاقي بين السني والشيعي أو بين الصهيوني والأرتودوكسي . الثورات البورجوازية في الغرب هدأت الصراع بين المذاهب في الديانة المسيحية بتبنيها العلمانية التي نجد لها أثرا واضحا في القرآن الكريم ضمن آيات قرآنية تناسيناها أو أسأنا فهمها :”عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إن اهتديتم” . “لكم دينكم ولي دين” آيات مضمونها واضح ولكننا أولناها حسب أهوائنا لينقلب دين التسامح إلى إرهاب فكري ومادي حولنا إلى طوائف متناحرة يوحدها الدين وتمزقها مذاهبه

 

عدد من حملة الفكر والرأي وحرية التعبير تمت تصفيتهم لمجرد اختلاف في الرأي بفتاوى ضالة ومضللة على أساسها يعبيء جهلة يتوهممون إن ما يرتكبونه من جرائم جهاد في سبيل الله فيتحولون إلى أدوات تنفيذ أحكام يصدرها شيوخ جهلة لا صفة علمية ولا شرعية لهم وكأن الرب كلفهم بقتل شهداء في مناطق متعددة من هذا الوطن العربي الشاسع فيتلاقى إرهاب التطرف الإسلامي بإرهاب التطرف الصهيوني وكانهما أو لعلهما حليفان يهدفان إلى غاية واحدة هي إخماد كل صوت حر ارتفع في أي بقعة من هذا الوطن العربي الشاسع بحيث توافقت أهداف قاتل الشهيد عمر بنجلون وقاتل الشهيد غسان كنفاني في السعي لاغتيال الكلمة الحرة والأبداع المعبر عن إنسانية الإنسان وحقه في الحياة الكريمة .

 

عندما نصتدم بقضية خلافية ويكون فيها أحد طرفي الخلاف يمتلك السلطة فإنه سيستعملها لفرض رأيه عوض السعي إلى الإقناع والاقتناع غند الأقتضاء . وقد شهد التاريخ البشري كثيرا من القضايا التي لجأت فيها السلطة إلى العنف لفرض رأيها وهكذا سجل التاريخ لائحة طويلة من شهداء حرية الفكر من سقراط إلي إنياس دي ليولا إلى ابن المقفع إلى مهدي عامل إلى عمر بنجلون وتطول اللائحة ويستمر الاختلاف في الرأي وكثيرا ما تكون وجهة النظر التي لاتملك ما يكفي من الحجج أو ما يكفي من القوة خاصة في ظروف كالتي نعيش فيها من غياب العقل وسيادة الأطماع وهضم الحقوق وقلب المقاييس فيتقمص الباطل ثوب الحق ويسود الإرهاب بنوعيه إرهاب الدولة وإرهاب التطرف الديني وكلاهما تعبير عن الضعف والعجز .

 

على أننا في المغرب اليوم نعيش وضعا يؤكد إلى جانب استفحال الاستهانة بالأخلاق والقيم فيظهر الباطل حقا ليس لدى سلطة الاستبداد التى تغض الطرف أو تحمي الزور فقط بل تساهم أطراف تدعي الدفاع عن القيم وترفع شعارات تؤكد ممارستها اليومية نقيضها . فما يقع اليوم في فلسطين حيث تعثو الصهيونية فسادا وتقود حرب إبادة ضد شعب أعزل منا من يعتبر المقاومة إرهابا لأننا طبعنا العلاقة مع دولة التمييز العنصري فقبل بعضنا وضع يده في يد مضمخة بدماء شهدائنا في فلسطين ومدعيا أن لنا جالية مغربيةمزدوجة الجنسية ونحن نعلم أن الصهيونية تسعى ومنذ أزيد من قرن إلى اكتساح الأرض العربية ابتداء من القدس الذي ندعي حمايته ونطبع مع من انتهك حرماته ويسعى إلى هدمه لإقامة الهيكل المزعوم .

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات