حكومة التفاهة .. وأحزاب البلاهة ..

ونخب كلها عاهة

عبد المولى المروري- كندا

ما أزال متشبثا بما قلت غداة تعيين حكومة التفاهة المغربية، أنها إذا استمرت لأزيد من سنتين، فإن الخلل – للأسف الشديد – يوجد عند الشعب المغربي الذي ما يزال عاجزا عن فرض خياراته وإرادته، أو غير مدرك لما يحاك ضده في السر والعلن من طرف الأوليغارشية المتعفنة التي تمتص دماء المواطنين بالليل والنهار، وتنهش لحومهم بافتراسيىة متوحشة .. تجاوزت وحشية الضباع والكلاب البرية الإفريقية التي تمزق فريستها حية، وتبدأ في نهش لحمها وأكلها حتى قبل أن تموت.. وتجد في ذلك متعة ولذة ونشوة.. 

يقينا إن هذه الحكومة لا تمثل الشعب المغربي، وهي غير منبثقة عن إرادته الحرة والمستقلة والمدرِكة، فلا يشك في زورية انتخابات 8 شتنبر إلا جاهل أو تافه أو متآمر .. أما الأسوياء والعقلاء والنزهاء فلا يشكون قيد أنملة في أنها مزورة من أولها إلى آخرها .. بل هي عنوان مرحلة سياسية تعتبر من أعظم مراحل المغرب السياسية تفاهة وبلا منازع .. 

ويقينا إن هذه الحكومة لا تمثل إلا نخبة خاصة من محظوظي الدولة، تسهر على مشاريعهم من أجل توسيعها، واستثماراتهم من أجل تنويعها، وأرباحهم من أجل تضخيمها ومضاعفتها .. لذلك أحكموا قبضتهم على كل المشاريع التي يحتاج إليها المواطن التعيس وتحويله إلى زبون بئيس.. بل تحويل جزء كبيرا منه إلى متسول رعيس.. فلا يشتري إلا بضاعاتهم، ولا يأكل إلا منتجاتهم، ولا يشرب إلا مياههم، ولا يرتدي إلا منسوجاتهم، ولا يتنفس إلا هوائهم، ولا يستعمل إلا وقودهم .. فإذا لم يجد المسكين إلى ذلك سبيلا، تجده واقفا على أعتابهم في انتظار تبرعاتهم المذلة .. أو ممتطيا قوارب الموت متجها نحو الخلاص .. إما بين أنياب القروش بكرامة .. أو غريقا في أعماق البحر هربا من الذل .. أو على شواطئ الضفة الأخرى في رحلة استعباد جديدة.. 

هذه الحكومة جاءت لتدق آخر مسمار في نعش السياسة.. وتغلق آخر ثقب في سماء الحرية.. وتصادر آخر خلية في جسد الكرامة .. هي حكومة الأوليغارشية ضد الشعب .. تستعمل كل برامج التجهيل لاغتيال الوعي.. وكل أشكال التنكيل لقمع الرأي.. فهذه أدوارها.. وهناك وقفت رسالتها .. ولن تزيد عن ذلك مثقال قطمير وزنا .. ولا قيد أنملة مسافة إلا بأمر الأسياد وتوجيه الأوغاد .. وهكذا ينتعش الفساد .. ويتقوى الاستبداد .. ويستمر الاستعباد .. 

لا أدري كيف ستواصل هذه الحكومة تفاهتها ونهبها واستغلالها .. أمام هذا التدهور العام الذي تعرفه جل القطاعات التي تتسارع نحو الانهيار التام.. وأمام الغضب الشعب الذي يتسارع نحو السخط العام؟ فهذه الحكومة لا تسعى إلى الحلول إلا في الشق الذي يحقق الهدوء الجماعي .. وليس الاستقرار الاجتماعي.. فالهدوء يفرض بالقمع والتخويف.. أما الاستقرار فيتحقق بالعدل والحرية.. وشتان بين هذا وذاك .. والحكومة لا يهمها من هذا الشعب إلا دريهماته القليلة التي يجب أن تصب في أرصدة أثرياء رجالات الدولة عن طريق استغلاله ببيعه ما فضل من خضر كاسدة لا تصلح للتصدير .. فوُجِّهت إلى بطون المغاربة الجوعى .. بأثمان تفوق ما هي عليه في دول التصدير .. وما قيل عن الخضر يصدق عن كل شيء يحتاجه المواطن المغبون في خيرات وثروات وطنه .. 

لا أفهم كيف غاب العلماء عن ساحة الإصلاح وقدموا استقالتهم من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ألا يعتبر إفقار الفقير وإغناء الغني منكرا؟ ألا يعتبر انتهاك الحقوق وقمع الحريات منكرا؟ ألا يعتبر الظلم الاجتماعي وجشع الأوليغارشية منكرا؟ ألا يعتبر الفساد الاقتصادي منكرا؟ ألا يعتبر الاستبداد السياسي منكرا؟ ألا يعتبر الجهاد في هذه الثغور أمرًا بالمعروف ونهيا عن المنكر؟ 

لا أفهم كيف غاب المثقفون عن مسرح الفكر وفضاء الثقافة.. وتركوا المجال لمن يختزل الثقافة في الدفاع عن الزليج المغربي واعتباره معركة وطنية ضد خصوم الوحدة الترابية، من أجل الدفاع عن موروث ثقافي جامد جمود فكرهم.. والمنافحة عن مركزية القفطان المغربي في عالم الموضة العالمية والدفاع عن وجوده واستمرار إشعاعه في ساحات العروض الدولية كرمز من رموز الوطن التاريخية .. لقد أصبح الزليج والقفطان في زمن التفاهة الفكرية  والفراغ الثقافي يرمزان إلى النبوغ الفكري والتميز الثقافي، تقام لهما الندوات والمحاضرات واللقاءات التلفزية والإذاعية لما لهما من إشعاع دولي بالغ الأثر على الاقتصاد والسياسة الخارجية والنهوض بالفكر والثقافة الوطنية.. 

ولا أدري كيف نأت الأحزاب بنفسها عن الدفاع الحقيقي عن هذا الشعب المنكوب.. وأخذت تمارس معارضتها المثقوبة ضد حكومة منكوبة هي الأخرى.. حكومة تمارس السخرة الاقتصادية والأمنية لفائدة الأوليغارشية المخزنية.. بعض هذه الأحزاب تقوم بدور ” الطبالة والغياطة “، وتمارس حركات “حماد وموسى ” في ساحة جامع الفنا سعيا منها للحصول على بقايا طعام الكبار والأعيان.. وأحزاب تمارس دور معارضة على شكل حرب دونكيشوتية ضد طواحين الهواء .. شجاعتها العظيمة تقف عند باب رئيس حكومة منعقد اللسان .. عديم البيان.. محدود الفكر .. يمشي مكبا على وجه من غير هدى .. بينما تصاب بالخرس عندما تقترب من أعتاب المخزن السياسي والاقتصادي .. والغريب أن يعتقد زعماء هذه المعارضة أنهم خرقوا الأرض بقوة صراخهم .. وبلغوا الجبال بطول لسانهم .. ووصلوا عنان السماء.. والحال أنهم يصرخون في وجه قزم سياسي منبطح على بطنه يسهل القفز عليه برجل واحدة .. وقد أغمضوا أعينهم – عن عمد – عن مراكز الفساد ومواطن الاستبداد .. ولا يقوون عن الاقتراب من حماها مخافة الوقوع فيها وفي مشاكلها وتبعاتها وأهوالها وآفاتها ومصائبها .. التي ستقع على زعمائها وقادتها، وتفقدهم مناصب ومواقع ومنافع .. ولسان حالهم يقول « حسنة نقية خير من حسنة متسخة ».. إنه مشهد سياسي يعبر عن نوع من الفكاهة السياسية السوداء الممسوخة .. وفي جملة صغيرة « معارضة البلاهة ضد حكومة التفاهة ».. 

وأخيرا وليس آخرا : الصمت أحسن !