الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

بَشَرٌ «فوق القانون وتحت الأخلاق»

 

 

 

عبد المولى المروري – المغرب

 

 

تُرى ما الذي يجعل هؤلاء البشر في هذه المنزلة؟ «فوق القانون وتحت الأخلاق»، هل لكونهم فوق القانون دحرجهم ذلك ليكونوا تحت الأخلاق؟ أم لكونهم تحت الأخلاق أغواهم ذلك ليكونوا فوق القانون؟ أم إن المعادلة تكون كذلك دائما؛ أن يكونوا فوق القانون فذلك يجعلهم دائما وحتما تحت الأخلاق، وأن يكونوا تحت الأخلاق يعني أنهم فوق القانون؟ بمعنى أن شخصا ما فوق القانون يعني ضرورة أنه تحت الأخلاق، أي إن «اللا قانون يساوي اللا أخلاق»! ربما هذه هي المعادلة الصحيحة! ليصبح ذلك عنوانا اجتماعيا لدى هذه الفئة من البشر.. أن يكونوا فوق القانون كامتياز، وأن يكونوا تحت الأخلاق كشرط..

 

وغالبا ما يكون هذا الامتياز دائما متصلا بالنسبة للبعض، في حين يكون مؤقتا منقطعا بالنسبة للبعض الآخر. فنحن نسمع في كثير من المناسبات أن البعض لا تمتد إليهم أبدًا يد القانون ولا يصلهم سيف العدالة، مهما ارتكبوا من جرائم واقترفوا من فظائع التي تضعهم في أدنى دركات الأخلاق، لأنهم بكل بساطة فوق القانون، يتربعون في أعلى قممه، فيرونه صغيرا حقيرا، وأحيانا يضعونه تحت أقدامهم بكل ثقة واطمئنان.. إلا أنه كلما ارتفعوا وترفَّعوا عن القانون، إلاَّ وتَكَبْكبوا وارتكسوا في أحقر دركات الأخلاق.. هكذا هي المعادلة.. وهؤلاء هم أصحاب الحظوة العظمى والحقوق الفضلى والامتيازات المطلقة، إلى درجة أنهم أصبحوا بلا ضمير، بلا أخلاق، بلا إنسانية.. وحدهم من دامت لهم هذه المعادلة المتضخمة بالامتيازات، واتصلت دون انقطاع فأصبحوا فوق الناس، وفوق الحقوق، وفوق العدل، وفوق المساواة، إلا أنهم مهما طال استعلاؤهم وامتد طغيانهم، فإنهم بين أصبعي الجبار وتحت عرش الرحمان.. لا يساوون عند الله جناح بعوضة ولا ونيم ذبابة..

 

فهذه معادلة أو قاعدة ذات طابع حتمي وقانون اجتماعي ثابت، فكل من اعتبر نفسه فوق القانون فهو بالضرورة تحت الأخلاق.. فمن لا يقيم للقانون وزنا، ولا يخضع له ولا يحترمه، ولا يقف عنده، فهو يقوم بذلك إشباعًا لنزواته بالتسلط على حقوق الغير وهضمها ظلما وعدوانا، وتعنتا واستكبارا، وإخضاعهم لرغباته وسطوته، كما يقوم بذلك تلبية لنهمه وجشعه في السيطرة على رقاب الضعفاء والمساكين.. فلا قانون يمنعه لأنه جاثم على رقبته، وواضعه تحت قدميه، مستويا بكبرياء فوق فصوله وبنوده، بلا ضمير يؤنبه، ولا أخلاق تهذبه لأنه مرتكس تحتها.. وبسلوكه هذا وضع نفسه فوق القانون فلا يراه، وتحت الأخلاق فلا يشعر بوجودها..

 

وهناك آخرون، حظهم من هذه المعادلة مؤقت ومنقطع، ومرتبط بمستوى عبوديتهم وخضوعهم لأصحاب المعادلة الدائمة والمتصلة.. لذلك يتم إدخال عنصر آخر في هذه المعادلة بالنسبة لهؤلاء، وهو معامل متغير بين الصفر والواحد (بين 0 و1) من أجل استطالة أمد الاستفادة من منزلة «فوق القانون وتحت الأخلاق» وتقوية وجودها، هو عنصر الرضى بالذل والمهانة والعبودية دون حد أو نهاية، فكلما أبدعوا في إظهار الذل والخضوع المطلق، وبرعوا في انتهاك كرامتهم واحتقار ذواتهم لفائدة أسيادهم، وتفننوا في ممارسة طقوس العبودية أمامهم إلا وساعدهم ذلك في استطالة أمد الاستفادة من مزايا ومنافع المعادلة العجيبة؛ «فوق القانون وتحت الأخلاق».. ولكن إلى حين انتهاء مدة صلاحيتهم، إما بالموت، أو الرمي بهم في قمامة المجتمع، أو الإلقاء بهم في السجون الباردة نكالا لهم لاقترافهم خطيئة الانفراد بغنيمة، أو التسرع في كسب مصلحة ذاتية، أو التكتم على الحصول على منفعة شخصية، دون مقاسمتها معهم أو إشراكهم فيها بالنصيب الذي يناسب سلطانهم ويعزز سطوتهم، والأعجب من ذلك كله، عندما يفتضح أمر فسادهم وتفوح روائح فظائعهم، فهنا يتم التخلص منهم بأسرع وأبشع طريقة، لإيقاف نزيف الفضائح وقطع دابر الفظائع عند ذلك الحد الذي وصل إليه العبيد.. حتى لا يصل إلى الأسياد الكبار..

 

هؤلاء المساكين هم عند أسيادهم أدنى قيمة من ورق المرحاض الذي انتهى الأسياد من استعماله لمسح برازهم، وأقل مرتبة من فضلات الطعام الذي يجود به السيد إلى أحد كلابه، أو فلاح البادية الذي يلقي به إلى دجاجه.. وهم على وعي وإدراك بذلك.. ويعلمون حقيقتهم جيدا، بل إنهم مستعدون للتعايش مع هذا الوضع المقزز والمغرق في الذل والعبودية، وهم أشد حبا له وارتباطا واستمتاعا به.. فذلهم هذا الذي ينعمون به، وعبوديتهم تلك التي يحيون طقوسها بمناسبة وبغير مناسبة، كل ذلك يتيح لهم فرصة التعالي على الناس الذين هم خارج المعادلة العجيبة، البعيدين عنها بعد المشرقين، من أجل ترميم التمزقات وترقيع الثقوب التي اعتلت صفحات كرامتهم بعد ليلة ممتعة من طقوس إهدار كرامتهم.. ليأتي دورهم على مساكين الشعب ويجرعوهم بعضا من كؤوس الذل التي تجرعوها من أسيادهم، ومحاولة الاستفادة من معادلة «فوق القانون وتحت الأخلاق» بأكبر قدر ممكن، وبأسرع طريقة ممكنة، ولو إلى حين.. من أجل تحقيق الكثير من الامتيازات المالية والمادية والإدارية والقانونية.. وفي نهاية المطاف هم على استعداد ليستعملوا أنفسهم كمناديل أرضية تُمسح فيها أحذية الأسياد بعد جولة متسخة في بؤر الفساد الاقتصادي وأنوية الاستبداد السياسي..

 

شعور الشخص بأنه فوق القانون من أي فئة كان، سواء من فئة الدائمين أو من فئة المؤقتين، هو أمر في منتهى الرعب والخطورة، فيكفي هذا الشعور أن يصنع لصاحبه عالما خاصا به، يعتقد أنه فيه هو مركز الكون وملك الملوك، بين يديه كل السلط، وتحت قدميه كل القوانين، حتى تلك التي يصوغها بنفسه ولأجله ومصلحته.. وكل المؤسسات طوع بنانه وتبعا لرغباته، وكل البشر في خدمته ورهن إشارة أصابعه.. فيصاب بحالة من تضخم السلطة المفرطة إلى درجة التخمة، ومنسوب مرتفع جدا من النرجسية والأنا التي لا حدود لها ولا قيود .. والجميع أمامه يدينون له بالخضوع المطلق والولاء الكامل.. ولكن هذا الشعور لا يمنعه من التحول إلى نقيضه عندما يجد نفسه داخل عالم أسيادٍ آخرين يفوقونه سلطة وقوة وجبروتا وطغيانا.. عندها يتحول بسرعة البرق إلى صرصور خارجٍ تواً من إحدى قنوات الصرف الصحي، يخشى أن تطأه قدم سيده دون أن ينتبه أو يشعر بذنب تحطيمه، أو الدوس عليه ودعسه مع سطح الأرض.. فكل تلك العظمة المغشوشة والعنجهية المصطنعة تتحول في لحظة إلى ذل مقيت وعبودية كاملة لمن هو أكثر منه استعمالا لمعادلة «فوق القانون وتحت الأخلاق»، والرضى بالذل والقبول بالقهر والعبودية هو من أبرز علامات التدني الأخلاقي، فالذي بلا أخلاق هو بالضرورة بلا كرامة، والذي تنازل عن كرامته وتاجر بها بمتاع من الدنيا قليل ساءت أخلاقه وفسدت طباعه.. هؤلاء هم من سماهم الرسول صلى الله عليه «لُكَع بن لُكَع».. وهم «الرويبضة».. وهم «التَّحُوت».. وذلك من علامات الساعة، فهم التافهون الذين يتحدثون في أمور العامة.. وهو زمن يكون فيه التافه فوق القانون وتحت الأخلاق… ولهم السيادة اليوم، وإن غدا لناظره قريب..

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

One Response

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات