الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

متى تنتهي أزمات المدرسة العمومية ؟

 

 

مبارك المتوكل/المغرب

 

القرارات التي اتخذتها الأكادميات في حق العديد من نساء ورجال التعليم تذكر مع فارق كبير ماحدث لشغيلة التعليم على إثر الدعوة والتعبئة لإضراب 10و11 أبريل 1979 . ذلك أن القرارات كانت هي الطرد ولكنه لم يكن موقعا من طرف سلطة تعليمية . فقرار الطرد الذي توصلت به وأنا في الحراسة النظرية لدى شرطة آسفي كان قرارا موقعا من طرف عامل إقليم آسفي . ولم تكن حالتي منفردة . ذلك أن أم الوزارات لم تكن تخفي أنها تجمع كل السلطات وتتحكم في تدبير كل المصالح . إن هذين الحدثين رغم الفارق الزمني بينهما ورغم اختلاف صغة القرارات و اختلاف السلطة التي اتخذتهما حدثان يؤكدان أن أزمة التعليم كانت وستبقى الهاجس الأول لكل الأطراف أساتذة وأباء وتلاميذاو طلبة وستبقى رؤية الدولة تابثة تعتبر أن التعليم عبء ثقيل على الميزانية .

 

الخلاف حول التعليم ليس جديدا . فقد وضعت الحركة الوطنية التي شاركت في الحكم مع بداية الاستقلال الشكلي أربعة مباديء للمدرسة المغربية : التعريب- التعميم- التوحيد- المغربة . وحاول وزراء التعليم في البداية احترام هذه المباديء وخاصة منهم محمد الفاسي وعبد المجيد بنجلون التويمي الذين كانا على رأس وزارة كانت تسمى وزارة التعليم والفنون الجميلة . التعريب بدأ مرتجلا من غير توفير المستوى المعرفي ولا التكوين الضروري لمن مارسوا مهنة التدريس . هذا إلى جانب غياب الشروط الضرورية للتعلم من تجهيزات وقاعات وأدوات ديداكتيكية لتأطير جيل كان متعطشا للمعرفة . طرحت المغربة كمبدأ ولكن تحقيقها كان معيبا لأن من وكل إليهم التدريس بالعربية لم يكونوا مطلعين حتى على مباديء اللغة فأحرى أن يدرسوا مواد كانت تعتبر ترفا كالعلوم الاجتماعية ناهيك عن الجهل التام للرياضيات والعلوم مما فرض الاحتفاظ بالمدرسين الفرنسيين .

 

مبدأ التوحيد وجد أمامه صعوبات جمة .كانت هناك مدارس حرة أنشأتها الحركة الوطنية إبان الاستعمار وكانت تدرس فيها كل المواد باللغة العربية .كما كانت مدارس خاصة بأطفال اليهود أنشئها الطائفة الإسرائلية العالمية alliance israilite universelle وفتحت مدارس البعثة الفرنسية أبوابها في وجه أبناء المغاربة وتبعتها بعثات دول أخري لتصبح عدد من الأسر زبونا لها بإستثناء المعهد المصري الذي سيصبح معهد المغرب الكبير وستستولي عليه الدولة كرد على موقف مصر من حرب الرمال سنة 1963. وبالطبع بقيت المدارس العتيقة في حين وضعت وزارة التربية الوطنية يدها على المدارس التي أنشأتها الحركة الوطنية . وبدأت تتوالى اللقاءات والمناظرات حول التعليم ومشاكله .

 

كان التعريب قضية زائفة لأن عيب المنطلق حمل لغة الضاد كل العيوب بغض الطرف عن غياب الموهبة والقدرة على التبليغ لدى من انتدبوا لممارسة مهنة التدريس . لذلك ستهتدي عبقرية أحد وزراء التربية إلى مشروع جديد سمي بمشروع الدكتور محمد بنهيمة . يقضي هذا المشروع(1)بالتراجع عن تعريب تعليم المواد العلمية والمواد الاجتماعية بإستثناء تاريخ الإسلام والتربية الدينية والوطنية (2) اعتماد اللغة الفرنسية في بقية المواد (3)تقليص ميزانية التعليم وبالتالي عدم بناء مدارس جديدة ولا ضرورة للتكوين ولا للتوظيف لأن ذلك يكلف الدولة نفقات إضافية وكأن التعلم امتياز يخص المتوفرين على الإمكانيات (4) اعتبار السنة الدراسية 66-67سنة بيضاء يكرر كل تلاميذ المدرسة العمومية أقسامهم وبالتالي لا تلاميذ ولا موظفين جدد ولا بنايات جديدة ولا تفكير في مواد ديداكتيكية .

 

صادفت هذه السنة الدراسية نتائج اختطاف واغتيال الشهيد.المهدي بنبركة وما نتج عنها من أزمة دبلوماسية بين المغرب وفرنسا مما فرض على وزارة التربية اللجوء إلى أوربا الشرقية من أجل توظيف معلمين وأساتذة معرفتهم بالفرنسية محدودة مما صعب التواصل على الأساتذة والتلاميذ معا . وأذكر شخصيا أنني كأستاذ اللغة العربية أسند إلي تدريس الفرنسية للثانية والثالثة إعدادي كما درست أيضا الترجمة عربية-فرنسية . شهدت هذه السنوات تخرج أول أفواج المدرسة العليا للأساتذة الذين سيعين الناجحون منهم كأساتذة السلك الثاني أي التأهيلي حاليا ويعين الراسبون كأساتذة السلك اللأول وكان الصنف الثالث يتكون من أساتذة دخلوا الوظيفة بعد حصولهم على الإجازة قبل افتتاح المدرسة العليا للأستاذة وكنت ضمنهم فأصبح وضع الأستاذ المجاز أحسن من وضع أستاذ السلك الأول وأقل من وضع أستاذ السلك الثاني.

 

في هذه المرحلة بدأ التحضير لتأسيس النقابة الوطنية للتعليم . ساهمت في الإشراف على تحرير عريضة وقعها معظم ألأساتذة المجازين العاملين حينها في مراكش . وكان جواب الوزارة رفض العرائض الجماعية لأن حرية التعبير تقتضي أن يعبر كل واحد عن نفسه وعن حاجته ولا مكان لدى السيد الوزير للمطالب الجماعية . ولدت النقابة الوطنية للتعليم في ظرف اشتدت فيه قبضة المخزن على اليسار . وقد سلكت ن.و.ت طريق الجامعة الوطنية للبريد التي واجهت بقوة وصمود قرارات الجهاز البورصوي الذي تفاوض وقرر في غيبة المكتب الوطني للجامعة الوطنية للبريد حل إضراب دجنبر 1961 .

 

صحيح أن نقابة البريديين تأثرت باعتقال وحكم الإعدام الصادر في حق الشهيد عمر بنجلون كما تأثرت بالموت المفاجيء للمرحوم وصفي كاتبها العام الذي أوقف سيارته في الطريق بين القنيطرة وسلا ليموت في ظروف غامضة . مساهمة وإشراف عمر على تأسيس النقابة الوطنية للتعليم نتج عنه اعتقال الشهيد عمر بنجلون والحكم عليه هذه المرة بسنة ونصف سجنا نافذا قضاها في السجن المركزي حيث انفرد باللقاء مع غريمه المحجوب بن الصديق الذي اعتقل لسبب آخر بعد حرب الستة أيام سنة1967. وفي غيبة عمر والمحجوب يقرر القادة الدعوة إلى إعادة اللحمة بين الجناح السياسي والجناح النقابي في إطار ما سمي بالوحدة . وتبين مباشرة بعد عودة السجينين إلى موقعيهما أن ما تم إنجازه لم يكن حسب تعبير الشهيد عمر إلا” وحلة “. في هذه المرحلة عرفت الساحة التعليمية نوعا جديدا من التعامل لن أذكر إلا ما عشته بعد انتقالي للعمل في آسفي . كنت مهيئا لأتخذ موقعي بين رفاق الطفولة والدراسة في حاضرة المحيط ولكن جهاز القمع كان قد فرض انتقال عدد منهم إلى مناطق لم تكن تتوفر فيها إمكانية أي نوع من التنظيم النقابي أو السياسي إلا إذا كان مواليا للسلطة وخاضعا لأوامرها .

 

وينهي عمر عقوبته السجنية وعوض أن يفكر في استراحة أو استجمام أو ممارسة نشاط يدر الربح فإنه قرر أن يعود مجددا إلى مهامه إذ حول مقر النقابة الوطنية للتعليم الموجود بدرب عمر مجاز طوليضانو إلى مدرسة لتكوين الأطر .كانت اللقاءات تلتئم على الأقل مرة في الأسبوع لمناقشة القضايا والمعارف التي يجب أن يتوفر عليها كل مسئول نقابي سواء في مجال القانون أو الاقتصاد السياسي أو السياسة إلى جانب تصحيح المفاهيم وتدقيق المصطلحات وتدقيق المعارف والممعلومات العلمية وتوحيد الرؤية حول تاريخ الوطن والمساهمة الجماعية في تحديد ورسم مهام الطبقة العاملة ودورها التاريخي في التغيير وبناء مجتمع العدل والحرية والمساواة .

 

جاءت أحداث مارس 1973 فاعتقل معظم الأطر التي تلقت ذلك التكوين النقابي والسياسي على يد الشهيد عمر وعدد من المفكرين والمثقفين المغاربة اليساريين وهناك في درب مولاي الشريف أو في الكربيس أوفي السجن المركزي التقى الكثيرون من الرفاق . وانتهت المحنة الكبرى التي نتج عن الأحكام فيها تصفية وإعدام أطرا لا زال الوطن إلى اليوم في حاجة إلى أمثالهم . وفقدت الأسرة التعليمية اثنين من نشطائها إذ شملت أحكام المحكمة العسكرية إعدام الشهيد الأستاذ مصطفى جدايني والشهيد الأستاذ إدريس الملياني . ومرت السنون رتيبة يحدوها أمل في بناء أداة تساهم في تصحيح الأوضاع وتدفع بالمجتمع نحو التطور ولكن عناصر التخريب لم تعد تأتي من الخصوم فقط بل أصبحت تأتي أيضا من داخل حركة يسارية شرع المخزن في إدماج العديد من عناصرها مما اقتضى التخلص السريع من أولائك الذين ظلوا يرفضون الرضوخ .

 

بعد فضيحة اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بنبركة أراد المخزن تجنب فضيحة أخرى لذلك ستتكلف عناصر تعلمت على أيدي شيوخ الدم فيما سمي بالشبيبة الإسلامية والتي ستقوم بإصدار الأحكام وتنفيذها . وهكذا تم أغتيال الشهيد عمر بنجلون من طرف من أوهموا بأن اغتيال مثقف عضوي معارض حاضر في كل الساحات جهادا. لقد كان مهندسا ومحاميا ونقابيا وصحفيا وقائدا سياسيا وبموته خلا الجو لكل طامع في موقع على مائدة المخزن ليجر معه أتباعا يؤكد بهم موقعه في قيادة اليسار واستعداده لتقديم خدمة قد يكون المخزن في حاجة إليها . وهكذا لم يبق المتمسحون بالأعتاب من الفاشلين فقط بل تنافس عدد من قادة الرأي والمنظرين وحملة الشهادات العليا من أجل احتلال مواقع تمكن من الارتقاء إلى مراتب أعلى .

 

في هذه الأوضاع وفي ظل هذه الشروط كان لا بد لرواد خط الشهيد عمر أن يبحثوا عن إطار يستطيعون من خلاله أن يواصلوا الطريق التي بدأها عمر ومات دونها فتم تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في ظروف معقدة . انعقد المؤتمر التأسيسي في بني ملال لأن المرحلة كانت فيها الأقاليم الجاهزة لاحتضان المؤتمر محدودة ضمنها إقليم بني ملال . وانتخب المرحوم نوبير الأموي كاتبا عاما رغم أن أكثرية أعضاء القيادة السياسيةلليسار لم تكن على وفاق مع هذا الاختيار لأنها كانت تعرف أن الأموي لن يكون أداة طيعة يسهل إقتياده أو الضغط عليه . وقد تأكد ما كانت تخاافه القيادة ويرفضه المخزن لذلك تعددت محاولات إخضاع الأموي أو تدمير خططه لكنه ومنذ البداية كشف عن توجه المركزية إذ كان من أول قراراتها أشهرا معدودة بعد التأسيس الدعوة إلى إضراب عام بمناسبة يوم الأرض تضامنا مع الشعب الفلسطيني .

 

كانت النقابة الوطنية للتعليم التي كان الأموي من مؤسسيها والمنتمين إليها النقابة الأقوى تنظيما وهيكلة وهي التي تسطيع أن تغطي كل التراب الوطني ومن هنا كان دورها محوريا في التأسيس وفي هيكلة الأجهزة الوطنية والأقليمية ولذلك كان للقطاع النصيب الأوفر من القمع ولكن أيضا من عمليات الإغراء و محاولات الإدماج إلى درجة جعلت بعضهم يعلن عن الانسحاب من ك.د.ش. ليلة معاركها . وكان ذلك بارزا خلال المعركة القطاعية للتعليم يومي10و11أبريل 1979 أو خلال معركة المركزية يوم 20 يونيو1981 .

 

حققت النقابة الوطنية للتعليم بتضحيات مناضليها عددا من المطالب المادية يمكن أن نذكر منها على الخصوص الترقية الداخلية واحتساب التعويضات القارة ضمن الراتب التقاعدي إلى أن جاءت حكومة بنكيران لتتجرأ وتنقص من هذا الراتب ولكن الذي حققته النقابة الوطنية للتعليم ومركزيتها ك..د.ش. هو كرامة الموظف عموما وكرامة نساء ورجال التعليم بالخصوص . إن على من يريد أن يحاسب النقابة الوطنية للتعليم ك.د.ش.أن يبدأ أولا بالاطلاع على ما أنجزه مناضلوها من نتائج وما قدموه من تضحيات من أجل بناء ذلك الصرح الذي من المفروض أن يستظل به كل التائهين بدل السعي إلى تدميره خدمة لخصوم الشغيلة .

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات