الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

نضالات الشغيلة التعليمية 

من أجل رفع الغموض، ودعم الصمود 

عبد المولى المروري – كندا 

النضال البطولي والملحمي الذي تخوضه الشغيلة التعليمية يقتضي منا جميعا عدم التشويش عليه، لا بالتدخلات الرعناء، ولا بالنصائح الجوفاء، ولا بالاتهامات الشنعاء.. تلك قضيتهم، وذلك نضالهم.. وهم أدرى بحقوقهم المستحقة، وأعلم بمطالبهم العادلة والحقة، وسبل الوصول إليها.. وهذا ما جعلني أتحفظمن قبلفي كتابة حرف واحد حول قضيتهم وشأنهم الخاص.. ففي صفوفهم مناضلون ومفكرون ومثقفون من مستوى عال وجيد.. يغنيهم عن تطفل المتطفلين أو تهكم المغرضين.. 

والذي أخرجني عن صمتي هذه المرة هو حجم المضايقات التي يتعرضون لها من طرف بعض صعاليك الصحافة، والكثير من مرتزقة السياسة والإعلام، إضافة إلى حالات التمزق الذي أصبحت تتسلل إلى صفوفهم.. وظهور نوع من الاختلاف والتناقض بين مواقفهم وقراراتهم ورؤاهم في كيفية التعامل مع عروض ومقترحات الحكومة، بسبب طوفان التضليل الذي يتعرض له نضالهم الشريف، وحملات التشويه التي توجه بشكل ممنهج إلى رموزهم وقيادات الصف الأمامي لقضيتهم.. وكذا والقرارات الأخيرة والجائرة التي اتخذتها الدولة (في شخص حكومتها) في حق بعض الأساتذة الذين ما يزالون متمسكين بمواقفهم الثابتة، ومتشبثين بمطالبهم العادلة.. 

لقد كنت متضامنا تضامنا غير مشروطة، وما أزال، مع أطر التعليم منذ بدايته الأولى، الذي اعتبرته شخصيا متأخرا جدا عن وقته الحقيقي، ذلك أن مسلسل الحيف والظلم الذي تعرضت له هذه الفئة لم يكن جديدا أو طارئا، بل بدأ منذ الانقلاب على حكومة عبد الله إبراهيم، مرورا بسياسة التقويم الهيكلي المفروض على المغرب، وتبعته كل الإجراءات الجائرة عبر ذلك المسار الظالم والمظلم، ووصولا إلى اليوم.. فخطة ضرب التعليم هو عمل ممنهج ومقصود منذ ذلك العهد، استهدفت أطر التعليم، والمناهج والمقررات، ثم التلميذ، وما تزال هذه الخطة ماضية ومستمرة ومتصاعدة، وأصحابها ضاربين بعرض الحائط مصلحة الوطن ومستقبل الأجيال، كل ذلك من أجل الحفاظ على مستوى وعي وفكر وثقافة الشعب منخفضا إلى أدنى مستوى ممكن.. والدليل على ذلك فشل كل مشاريع وبرامج «إصلاح التعليم»، منذ الاستقلال إلى اليوم، مع ما صاحب ذلك من ميزانيات ضخمة وأموال مرصودة ومنهوبة.. 

وهذا ما أتمنى أن تدركه الأطر التعليمية التي تخوض غمار هذه النضالات الشريفة، فالأمر لا يستهدف الأطر التعليمية فحسب، فضرب التعليم وتدميره يستهدف أيضا المناهج والمقررات التي أضحت عبارة عن مهزلة تربوية وتعليمية، وسوق تجارية متوحشة على حساب التعليم والقيم. فهذه المقررات بما تعرفه من انحدار وتخلف أصبحت تشكل عائقا معرفيا، وأزمة قيمية وإشكالية تعليمية، وعبئا ماليا بلا فائدة، يشكو من كل ذلك الأستاذ والتلميذ والأب على حد سواء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يهدف هذا المخطط تخريج جيل منقطع الصلة بالقيم والهوية، غريب عن الواقع والتاريخ، بلا طموح أو أخلاق أو ضمير.. ودون التفصيل في ذلك، فإن حال معظم التلاميذ ومستوى أخلاقهم وتفكيرهم ووعيهم ينطق بما هو أكثر ألما ووجعا مما قد نكتب أو ندون.. 

لذلك، وحتى تكون نضالات الأطر التعليمية أكثر تكاملا وانسجاما مع متطلبات الواقع، وحتى تكون مطالبهم المشروعة أكثر تقبلا وتفهما من طرف المجتمع والرأي العام الوطني بكل أطيافه، كنت وما زلت أتمنى أن يتم إدراج مسألة إصلاح وتجويد المناهج والمقررات، والنضال من أجل توفير شروط مادية ولوجيستيكية أحسن بالنسبة لتلاميذ الوطن، وأكثر جودة وتكافؤا بالنسبة لجميع المغاربة.. ضمن نضالاتهم ومطالبهم، حتى لا يتم الترويج إلى كون أن هذه النضالات الملهمة، ما هي إلا لأسباب مادية، وعلى حساب الزمن المدرسي، وتضر بمصلحة التلميذ.. وبهذه الطريقة سيتم وضع قطار النضال على سكة الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم، وتكون رؤية الإصلاح ومنهجيته وأفقه ومنطلقاته وأسبابه أكثر تكاملا واقعية وجدية.. وبذلك يمكن أن يستقطب هذا الأسلوب من النضال إلى مسار الإصلاح كل أطياف المجتمع، لأنه يمس ويلامس هموم وانشغالات كل المغاربة المتضررين من المستوى الكارثي الذي وصل إليه التعليم.. مع استثناءطبعاالطبقة الأوليغارشية المتسببة فيه، والمستفيدة من هذا الوضع المأساوي.. وهي التي ستشكل قوى المقاومة والمحاربة لهذا المسار الإصلاحي العام.. بسبب تعارضه مع مصالحها الاقتصادية والاجتماعية.. 

شخصيا أعتبر أن تحسين الوضعية المادية للأطر التعليمية أمر مهم ومركزي، فيجب أن تكون للأطر التعليمية وضعية اعتبارية خاصة، ومكانة اجتماعية كبيرة ترقى إلى دورهم التربوي والحضاري، ولابد أن يترجم وينعكس ذلك على وضعيتهم المادية والإدارية والاجتماعية.. فهم صفوة المجتمع ونخبة الوطن بالنظر إلى دورهم المتفرد في تعليم وتربية أبناء المغرب.. أي إنهم هم المسؤولون عن تنمية الوطن بتربية وتعليم أبناءه، وتبعا لذلك، هم المسؤولون عن مستقبل البلاد وحمايته وتقويته وتقدمه وازدهاره، فكيف يعقل أن تضع الدولة هذه الفئة النبيلة والمتنورة في أدنى السلم الاجتماعي، وتجعلهم يعيشون الفقر والحرمان والظلم الاجتماعي والحيف الإداري.. حتى أصبحت فئة مهمشة محتقرة في نظر المجتمع؟ 

وبالتالي فإن انتفاضة الشغيلة التعليمية هي من أجل استرجاع الكرامة التي أهدرتها لهم الدولة، ومن أجل التمرد على النظام الأساسي (المآسي) الذي يزيد من إذلالهم واحتقارهم، وتبقى انتفاضة مشروعة وضرورية ومطلوبة، ولن أخفي رأيي مرة أخرى في كونها متأخرا جدا عن وقتها وزمانها.. وربما اليوم أنجب الوطن الجيل المؤهل لخوض معركة الحرية والكرامة التي افتقدتها الأجيال السابقة.. مع ما يتطلب ذلك من تضحيات، وما يفرضه من إكراها.. ولابد أن تستمر وتتواصل هذه الهبَّة إلى حين استرجاع الكرامة كاملة غير منقوصة، وتحقيق المطالب المادية المشروعة التي تشكل جزء مهما في تحقيق والاعتراف بهذه الكرامة وتحصينها وصيانتها..  

إلا أنه ووفاء لنهجها وأسلوبها المعهود، وبدل أن تعترف الدولة بأخطائها التاريخية في حق الشغيلة التعليمية، وتنتبه بكل مسؤولية وجدية إلى مطالبها، وتستمع إلى نداءاتها.. وبدل أن تسارع في معالجة الأزمة ومداواة الجراح.. وتعمل على سحب النظام المشؤوم، ها هي تمعن في صب الملح على جراح هيئة التدريس.. وتتوغل في اتخاذ إجراءات انتقامية، وتتغول في تعسفها وانتهاكها للدستور والقانون والحقوق، بتوقيف المئات من مناضلي الأطر التعليمية.. وهو ما يعكس الروح الانتقامية لحكومة أوليغاشية شوفينية، والتي لا محالة ستزيد من تأزيم الوضع وتعقيد الحلول.. الأمر الذي يدفع إلى الشك في أن الدولة تعمد عن قصد إلى المزيد من التصعيد، والمزيد من التأزيم.. والمزيد من استهداف التعليم.. إمعانا في التهجيل والتدجين..

الشغيلة التعليمية الآن تعمل على رد اعتبارها الذي انتهكته الحكومة، وتمعن في انتهاكه، وهي التي دفعتهم إلى المزيد من التصعيد ومواصلة الإضراب مرة أخرى.. وسبق أن نبهت إلى ذلك في مقالات سابقة، محذرا من خطورة تولي شكيب بنموسى لهذه الوزارة، فمنحه هذه الحقيبة لم يكن عبثا.. ولم يكن بسبب السعي نحو إصلاح التعليم كما يتم الترويج له.. بل جاء تعيينه لفرض ما تعيشه الشغيلة التعليمية الآن وتعاني منه.. هضم الحقوق، هدر الكرامة، تخريب التعليم والقيم، قمع كل المطالب، تكريس التبعية الثقافية إلى فرنسا.. وهو (شكيب بنموسى) الفرنسي الجنسية، بائع سابق للخمور والكحول والمسكرات، وزير داخلية سابق عرف عهده أحد أسوأ فترات المغرب الحقوقية، وسفير فاشل سابقا بفرنسا.. فمن يصدق أن شخصا بمثل هذا التاريخ الأسود والفاشل جاء لإصلاح التعليم؟ إنه الوحيد من يمتلك الوقاحة الكاملة لارتكاب جرائمه التي بدأها بإقصاء من تجاوز سنهم الثلاثين وحرمانهم من مزاولة مهنة التعليم! ولا يبدو أنه سيتوقف إذا تم الإجهاز على نضالات الشغيلة التعليمية الآن.. وتمكنت الدولةلا قدر اللهمن الالتفاف على مطالبها المشروعة.. 

والشغيلة التعليميةبما تتوفر عليه من أطر وكفاءات فكريةتدرك جيدا أن هذا النظام الأساسي، وهذه المعارك النضالية جاءت في ظل حكومة منزوعة الشرعية والمشروعية، غدرت بالشعب المغربي، وأخلفت كل وعودها معه، وأنهكت الشعب المغربي بما أصبح معروفا ومكشوفا؛ ضرب القدرة الشرائية، استغلال رئيسها لمنصبه السياسي لجعل الشعب المغربي مجرد زبون بئيس لشركاته المحتكرة للوقود والأوكسيجين والعقار والمالوالمساهمة في اتساع دوائر الجريمة والطلاق والهجرة والفقر وبناء السجون وملاحقة الحقوقيين والصحافيين.. حكومة في عهدها عرف المغرب أخطر أعمال التهجير الجماعي للقرى والأحياء والأسر وتشريدهم لصالح مافيا العقار، والإلقاء بهم في الشوارع والمجهول دون بديل أو تعويض، وعرف أبشع عمليات قطع الأرزاق بمطاردة الباعة المتجولين دون حلول بديلة لهم، حكومة في عهدها تضاعفت مديونية المغرب، وتدهور في سلم التنمية، وجودة التعليم، وحرية التعبير، والشفافية، ومحاربة الفساد.. فهل يعقل أن تنتظر الشغيلة التعليمية خيرا أو حلا عادلا من حكومة أوليغارشية شوفينية مثل هذه؟

والشغيلة التعليمية تعلم جيدا أنها وحدها في ساحة النضال، بعد أن كشفت النقابات عن تواطئها وأسفرت عن خيانتها لهم.. فهذه النقابات تمثل فقط زعماءها التي تسعى إلى نفخ أرصدتها البنكية وحماية امتيازاتها الاجتماعية، ولا مشكلة عندها ببيع مطالبكم بأبخس ثمن إلى حكومة الأوليغارشية.. أما الأحزاب السياسية فهي أعجز ما تكون عن تحمل مسؤوليتها السياسية لدعم هذه النضالات.. أحزاب معاقة سياسية، مشلولة نضاليا، عقيمة فكريا، مهترئة تنظيمية.. تعيش خريف عمرها.. تاركة هذا الشعب البئيس يعيش أسوأ أيامه مع دولة لا تراه إلا عبئا اجتماعيا، وسوقا تجارية، فكيف ستنظر إلى الشغيلة التعليمية، وكيف ستدعم نضالاتهم وتدافع عن مطالبهم؟ 

والشغيلة التعليمية هي أدرى بأهمية التواصل مع الرأي العام، ولا سيما آباء وأولياء التلاميذ، من أجل محو تلك الصورة التي يسعى صعاليك الصحافة ومرتزقة السياسة رسمها زورا على لوحة هذا النضال، لابد من التوضيح بأن نضالات الشغيلة التعلمية هي في العمق والحقيقة نضالات من أجل التلاميذ قبل الأساتذة، وأول مدخل لتجويد التعليم هو صون كرامة الأستاذ، وأن كرامة الأستاذ هو وجه من وجوه إصلاح التعليم.. فلا تعليم ولا جودة مع إهدار كرامة الأستاذ.. وكرامة الأستاذ تتمثل في تحسين وضعه الاجتماعي والمادي، هي العمل على الرفع من كفاءته وثقافته وتطوير مؤهلاته.. وتسهيل ارتقاءه الاجتماعي.. فإذا كان عمل الأستاذ في وضع مريح ماديا، ومكانة اعتبارية تناسب دوره ورسالته، فهذا سيدفعه حتما إلى العطاء، ويشجعه على البذل، وكل ذلك يصب في مصلحة التلميذ والوطن.. إن المعارك الإعلامية لشرح أبعاد هذا الحراك التعليمي وتطهيره من التشويه الذي يعمل الحاقدون على إلصاقه به لا تقل أهمية وضرورة عن معركة المطالب ونضال الكرامة.. فلابد من كسب قلوب الآباء واستمالة الرأي العام الوطني لمناصرة نضالات الشغيلة التعليمية في هذه المرحلة الحرجة، وتفهم إكراهاتهم ودعم مطالبهم.. والتواصل الإعلامي أهم الوسائل المساعدة على ذلك..

أؤكد أن الشغيلة التعليمية هي أدرى بمصالحها ومطالبها، وهي التي تشعر بمدى الأزمة التي يعيشها أطرها، وهي التي تتحمل تحديات الإضراب وإكراهات النضال، ومثلي وغيري لا حق لنا في التعرض لنضالهم، ولا ممارسة الوصاية عليهم، أو الطعن في نواياهم، أو التبخيس من تضحياتهم.. بل المطلوب من كل مغرب صادق وغيور على هذا الوطن أن يدعم هذا النضال، ويؤازر هذه الفئة النبيلة، ويشد من عضدها.. لأن في نجاح نضالهم وتحقيق مطالبهم خير للتلميذ والوطن في حاضره وآجله ومستقبله.. وإنما أردتمن داخل نضالهمأن أرفع بعض الغموض الذي قد يشوب نضالهم، وأذكرهم بالجهة التي هي في مواجهتهم، والتاريخ الأسود في علاقتها بمجال التربية والتعليم.. ووضع كل هذا نصب أعينهم وهم يناضلون ويفاوضون الحكومة، ويواجهون صعاليك الصحافة ومرتزقة السياسة، وأقول لهم؛ المزيد من الصمود! فإن النصر صبر ساعة.. والتغيير أنتم منطلقه ومبتدأه.. فاحذروا وساوس الحاقدين، ودسائس المغرضين، وإغراءات المطبلين، وتهديدات المخادعين، واستخفاف التافهين.. 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات