الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

انخفاض منسوب نضال أعضاء حزب العدالة والتنمية 

وحيرة أمينه العام عبد الإله ابن كيران (2)

مفاهيم وتساؤلات أولية

عبد المولى المروري

23 دجنبر 2023  

أولا: قبل البدء : 

قبل البحث في الأسباب الحقيقية والعميقة لانخفاض منسوب نضالية عموم أعضاء حزب العدالة والتنمية، لابد أن نقف عند بعض المفاهيم والمصطلحات من أجل ضبطها والاتفاق على معانيها ومضامينها رفعا لأي التباس أو تضارب، كما يجب طرح سؤال منهجي كمدخل لمناقشة «المشكل»؛ هل ما وصل إليه الحزب من تراخ وفتور هي حالة عابرة أم ظاهرة أصبحت تَسم واقعه الحالي؟ 

أعترف ابتداء أنه من الصعب الخروج بأجوبة صحيحة أو نهائية أو حاسمة من خلال هذا المقال، لأن مثل هذه القضية لا تُناقش أو تُعالج على عجلٍ وبشكل فردي، بل هو عمل يستدعي رويةً ولقاءات ونقاشات وحوارات متعددة تضم العديد من الفاعلين سواء كانوا من داخل الحزب، أو من عموم الباحثين والمهتمين بالشأن الحزبي والسياسي.. لتبقى كلماتي هاته محاولة بسيطة من أجل إثارة النقاش واستفزاز من يهمهم شأن هذا الحزب، ويسعون إلى حلحلته ومعالجة مشاكله التنظيمية وحالة الفتور والانحسار العددي والتراجع الشعبي الذي أضحى يعاني منه..

هناك سؤال أضعه كمدخل منهجي للمناقشة؛

 من يستطيع أن يحدد بدقة تاريخ نقطة الانعطاف الذي أخذ فيه منحنى الحزب في النزول؟ 

لا يجب أن نكون متسرعين في الجواب! لأن أغلبنا قد يعتبر أن اللحظة التاريخية أو التاريخ المرجعي لهذا النزول هو 8 شتنبر 2021، جواب مثل هذا قد يكون أسيرا للنظرة العددية السطحية، وقد يكون مسكونا بحسابات شخصية وعاطفية، أو مرتهنا لتقاطبات داخلية.. لذلك لابد من تحديد المجالات التي من المحتمل أن يكون الحزب قد عرف فيها نزولا في منحناه، وتراجعا في نضالاته لتكون موضوع الملاحظة والدراسة! وبعد ذلك نبحث في أسبابها ونتائجها وتداعياتها على حالة الحزب الحالية، والتي يشكو منها السيد الأمين العام عبد الإله ابن كيران..

أسئلة أخرى تكتسي أهمية كبيرة: هل هناك علاقة تناسبية بين النضال ونتائج الانتخابات؟ بمعنى كلما زادت قوة النضال إلا وكانت نتائجه في الانتخابات جيدة، والعكس بالعكس! هل تعكس نتائج الانتخابات قوة الحزب؟ عن أي قوة نتحدث؟ هل القوة العددية؟ أم قوة الشعبية؟ أم القوة التنظيمية والإدارية؟ أم قوة الأفكار والبرامج؟ألا يستدعي قبل الجواب عن هذه الأسئلة القيام بتشخيص حقيقي للواقع السياسي وتقييم قوة باقي الأحزاب المنافسة؟ ونطرح السؤال؛ هل هناك تنافسية حقيقية بين الأحزاب السياسية المغربية؟ وهل هناك حياة سياسية حقيقية؟ سأقوم بسحب السؤال الأخير لأنه محرج جدا، وبلا جدوى وغير ذي موضوع!

في رأيي المتواضع، أن أهم المجالات التي يجب النظر فيها لقياس مدى تراجع وفتور الحزب على المستوى نضالاته وحضوره وتأثيره هي كالتالي: 

1/ حضور الأعضاء لأنشطة الحزب الداخلية والعامة والتزاماتهم التنظيمية والمالية..

2/ حضور أعضاء الحزب في الحملات الانتخابية والمشاركة الفعالة فيها..

3/ تفاعل الحزب كهيئة سياسية وأعضاءه كمناضلين مع قضايا المواطن المغربي: تجاوزات السلطة، انتهاكات حقوق الإنسان، حضور محاكمات المدونين والصحفيين والسياسيين والحقوقيين، أو التضامن العلني والفعلي معهم.. متابعة احتجاجات المواطنين والساكنة على بعض الإجراءات والقرارات التعسفية

4/ تفاعل الحزب وأعضاءه مع القضايا والقوانين التي تمس الهوية والقيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية المغربية.. 

5/ تفاعل الحزب كهيئة سياسية وأعضاءه كمناضلين مع بعض المتابَعين قضائيا من أعضاء الحزب أمام المحاكم، والتضامن معهم والنضال من أجلهم.. 

6/ تفاعل الحزب كهيئة سياسية وأعضاءه كمناضلين مع القضية الفلسطينية..

في المجمل هذه هي القضايا والمجالات التي يمكن أن نقيس من خلالها مستوى نضال الحزب وأعضاءه، دون إهمال أو نسيان نضال أعضاء الحزب البرلمانيين والمستشارين الجماعيين والوزراء، لأنني ارتأيت عدم التطرق إليها في هذه الورقة باعتبارها نضالات من مستوى آخر ليس هنا مجال ذكرها.. مع ملاحظة أن الأستاذ عبد الإله ابن كيران انصب اهتمامه حصرا وتحديدا وفي جل مداخلاته على القضيتين الرابعة (4) والسادسة (6).. دون باقي القضايا الأخرى!!

ثانيا: تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات 

1/ مفهوم الحزب السياسي: كما في معظم التعاريف، الحزب السياسي هو تنظيم قانوني يضم تجمعا من المواطنين الذين يتقاسمون الأفكار نفسها، ويجتمعون لغرض وضع مشروع سياسي مشترك ذي مرجعية إيديولوجية أو مذهبية، وتكون لهذا المشروع السياسي رؤية عامة وشاملة لكل مجالات الشأن العام، سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية، بيئية…. ويعمل على تنفيذه وتنزيله عبر برنامج محدد الأهداف والوسائل، والوصول بطرق ديمقراطية وسلمية إلى ممارسة السلطات والمسؤوليات في قيادة الشأن العام عبر مؤسساته الدستورية.. 

وباختصار شديد، لابد أن تكون للحزب السياسي رؤية عامة وواضحة للشأن العام، وأن يكون له حضور فعلي في كل ما يهم الوطن والمواطن، دون انتقاء للقضايا أو تجزيء للمعارك، أو تجاهل لأحداث أو قفز على المشاكل الحرجة، فالحزببطبيعته وانسجاما مع وظيفتهيبحث على الحل لكل مشاكل البلد بكل جرأة وشجاعة، انطلاقا من قيمه ومبادئه وشعاراته التي رفعا وسوقها للرأي العام، والتي بها يستقطب ويؤثر على المواطنين والناخبين.. ولا يجب أن يسعى في مهمته تلك نحو السلامة السياسية والأمن الحزبي، وفي المقابلطبعالا يجنح نحو التهور والاستفزاز والانتحار السياسي.. ونقطة التوازن تلك ليس من السهل إيجادها الوقوف عليهما، الأمر الذي يدفع بعض الأحزاب السياسية في المغرب، أو جلها، إلى إيثار السلامة على الدخول في مغامرة غير مأمونة النتائج، وهذا ليس حكمة كما قد يتوقع البعض، بل إن ذلك يُعبر عن الجهل المغلف بالنضج، وعن الجبن المزين بالحكمة.. 

2/ مفهوم النضال السياسي والحزبي: ولتحقيق مشاريع وأهداف الحزب السياسي، لابد أن يكون عن طريق النضال السياسي السلمي، وعليه، فالنضال السياسيكما تعرفه العديد من التعريفاتهو عملية ديناميكية تسعى إلى تحقيق التغييرات السياسية والاجتماعية التي اعتنقها الحزب ومناضلوه من خلال النضال المدني والمقاومة السلمية، ويشمل استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب القانونية، والتكتيكات الميدانية مثل الانتخابات والتظاهرات والاحتجاجات والحملات العامة، والإضرابات، والتعاون والتنسيق مع المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني كلما دعت الضرورة إلى ذلك، لتحقيق أهداف سياسية محددة ومعلنة. ويهدف النضال السياسيأيضاإلى تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتغيير السياسات العمومية والقوانين والمؤسسات القائمة، كل ذلك لصالح الشعب.. 

فالأهداف السياسية لن تتحقق إلا بالنضال السياسي.. والعدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا بالنضال السياسي، والحرية السياسية وحرية الرأي والتعبير لن تتحقق إلا بالنضال السياسيفالنضال السياسي هو جزء لا يتجرأ من المشروع الحزبي.. وهو الجزء العملي منه، به يتحقق مضمونه، وتتحقق أهدافه.. وهو الجزء الذي يبعث الحياة في المشروع الحزبي، ويخرجه من حالة الجمود إلى مرحلة الوجود.. وينقله إلى مجال الحركة والصراع والتدافع بعد أن كان عبارة عن أطروحات ساكنة في الوثائق والمقرات.. وأخيرا، النضال السياسي هو التأكيد الفعلي لوجود الحزب وتمتعه بالروح والحياة من خلال حركيته وتفاعله مع هموم وقضايا الشعب، كل قضايا الشعب، بلا تبعيض أو تجزيء أو انتقاء.. وهو حضور مناضليه الواقعي والميداني في كل ما له علاقة بذلك الشعب.. 

في اعتقادي كان هذا المدخل المفاهيمي البسيط ضرورة منهجية لإسقاط هذه المفاهيم على واقع حزب العدالة والتنمية ومناضليه، وقياس نضاليتهم، أو نضالاتهم على المجالات المعنية بالنضال، أو على منسوبه ونوعيته وجدواه، أي قياسه كمًّا وكيفاً.. انطلاقا من انشغالات وحيرة أمينه العام.. للوقوف أخيرا على الأسباب الحقيقة لهذا التراجع والفتور الذي أصبح حقيقة لا تخطؤها العين.. 

 الذين يربطون انخفاض منسوب النضال لدى مناضلي الحزب بمرحلة الدكتور سعد الدين العثماني، أهم ما يُعيبونه عليه هو «المبالغة» في تقديم تنازلات لفائدة الدولة، بدأها بقبوله مسؤولية رئاسة الحكومة على حساب ابن كيران، وخضوعه للشروط الذي رفضها هذا الأخير وكانت سببا في عزله، مرورا بالتصديق على بعض القوانين المتعارضة مع هوية الشعب المغربي، وختمها باتفاق الذل والعار مع الكيان الغاصب والمحتل، هذا أولا.. وثانيا ضعف تواصله مع الشعب، فإذا كانت الثانية لها نسبة مهمة من الوجاهة والصواب، وتبقى مسألة ذاتية لها علاقة بطبعه وشخصيته، فهل الأولى لها ما يكفي من الوجاهة والصواب؟ وهل متتالية التنازلات بدأت حقيقة مع العثماني، أم كانت قبله واستمرت معه وانتهت عنده، وسوف بعده؟ 

للجواب عن هذا السؤال لابد من العودة إلى الوراء بكل تجرد وموضوعية، والبحث في مواقف الحركة الإسلامية قبل حزب العدالة التنمية نفسه، وقراءة تاريخ التنازلات التي قُدِّمت للدولة، سواء كحركة إسلامية، أو كحزب سياسي، ومن بدأها؟ ومن أصَّل لها؟ ومن دافع عنها بطريقة قوية، تكاد أن تكون عنيفة؟ والسؤال الحقيقي، هل متتالية التنازلات التي أصبح يُعرف بها الحزب هي منهج قديم كان قبل سعد الدين العثماني؟ أم هو أسلوب جديد ظهر معه؟ وهل كانت هناك محاولات جادة من طرف الحزب وقادته من أجل إيقاف نزيف هذه التنازلات؟ أم استمر هذا «المنهج» وتنوع وازداد بحسب المستجدات والأحداث؟ هل هو «منهج» حزب أم «أسلوب» بعض قادته؟ الوضوح هنا مطلوب وضروري!

الأسئلة التي تناولتها في هذا الجزء سوف أحاول الإجابة عن بعضها في الجزء القادم في حدود الممكن طبعا، وسأترك بعضها مفتوحا للنقاش العمومي .. 

يتبع في الجزء (3) 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات