السردية الإسرائيلية لأحداث السابع من أكتوبر بنيت على الأكاذيب
حمدان الضميري/ناشط فلسطيني من بلجيكا
فاجئت أحداث السابع من أكتوبر 2023 الجميع وعلى مستويات مختلفة وربما أول المفاجات فشل منظومة الأمن الاسرائيلية العسكرية وضعف مواجهة الوحدات العسكرية في مقاومة مئات المقاومين الذين تجاوزوا الحواجز المقامة والتي تحاصر قطاع غزة منذ سنوات .
هذه المفاجاة الكبيرة دفعت إسرائيل لبناء سردية خاصة بها هدفت لتحيق :
كسب الرأي العام الغربي من مؤسسات اعلامية وكذلك مستويات سياسية أحزاب وقيادات سياسية وحكومات غربية. والهدف الثاني للسردية الاسرائيلية هو استغلال التعاطف الذي حازت عليه في بداية الأحداث التي تلت السابع من أكتوبر لتبرير مشروعها التدميري والذي كان يجسد الخطوة الأولى لمشروع أكبر يستهدف كل سكان قطاع غزة ودفعهم لخيار إما القتل والتدمير أو التهجير لسيناء وربما لمًا هو أبعد من سيناء، مشروع التهجير الذي أصبح واضحا للجميع خطوة لابد منها لتحقيق مشروع اقتصادي كبير مرتبط باكتشاف حقول غاز كبيرة يحتاجها الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية في صراعها الوجودي مع روسيا أكبر منتج للغاز في العالم، كذلك سيتيح التهجير الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة للعودة بإنشاء قناة بن غوريون التي تربط البحر الأحمر بميناء أسدود الاسرائيلي.
لنعود لعنوان السردية التي بنتها إسرائيل وصرفت من أجلها الملايين وبنت شبكات واسعة للترويج لها.
أستطيع القول أن سردية إسرائيل إعتمدت على العوامل الخمسة التالية:
أولا: إسرائيل هي الضحية بينما المجرم هو منظمة حماس الاسلامية المتطرفة والارهابية والدليل أنها ارهابية وجودها على لائحة المنظمات الارهابية للاتحاد الاوروبي، اذا إسرائيل التي أعتدي عليها هي في موقع المعتدى عليه.
ثانيا: السابع من أكتوبر هو بداية الصراع وبداية المواجهات وليس قبله شيء، أرادت إسرائيل هنا محو كل ما تعرض له الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى السابع من أكتوبر، وكذلك شطب حروب غزة الخمسة التي سبقت السابع من اكتوبر وهي حروب بشعة وبدأتها إسرائيل واستخدمت خلالها المجازر والتدمير والقتل الجماعي .
ثالثا: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها بوجه هجوم حركة ارهابية متطرفة إسمها حماس، وهنا رأينا كم رددت مقولة إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها وعن شعبها ، ردد هذا الشعار القادة الغربيين بدون استثناء ,كلهم بترديد هذه المقولة الكاذبة لأن القوة التي تستعمر وتحتل لا تملك حق الدفاع عن النفس لأنها في موقع الهجوم المستمر، كذلك رأينا كم رددت هذه المقولة من اعلاميين ومن سياسيين ومن مسؤولي أحزاب سياسية ومن قادة زاروا إسرائيل وكرروا في مؤتمراتهم الصحفية على حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها.
إسرائيل كانت تبحث من خلال هذه المقولة الخاطئة وفق مبادئ القانون الدولي أخذ تصريح مفتوح لما كانت تخطط له وهو التدمير والابادة والتهجير .
رابعا: إسرائيل ليست في حرب مع الشعب الفلسطيني وهي لا تستهدفه لا تستهدف فقط منظمة ارهابية متطرفة إسمها حماس ، بمعنى آخر مشكلة إسرائيل ليست مع الشعب بل مع طرف ارهابي متطرف وهدفها ازالة هذا الطرف من الوجود لأنه يشكل خطرا عليها وعلى السلام العالمي وعلى دول العالم التصدي لهذه المنظمة الارهابية ودعم إسرائيل في حربها ضد حماس، نتذكر هنا أن أحد القادة الاوروبين وهو الرئيس الفرنسي ماكرون اقترح خلال زيارته الاولى لإسرائيل بعد السابع من اكتوبر بناء تحالف دولي لمواجهة حماس الارهابية كما حدث مع منظمة داعش الارهابية وكذلك مع منظمة القاعدة سابقا .
خامسا: إسرائيل في معركتها ضد حماس تدافع عن القيم الحضارية للغرب ، هي في الخطوط الاولى في الدفاع عن هذه القيم ، قيم الحرية وحقوق الانسان وسيادة القانون والديموقراطية … الخ
هذه المقولة دغدغت العديد من أحزاب اليمين المتطرف وكذلك منظمات اليمين المناهضة للأجانب والأحزاب العنصرية، رئيس بلدية أنفرس البلجيكية وهي أكبر مدينة من حيث عدد السكان وهو كذلك رئيس حزب يميني شعبوي وعنصري ومعادي لوجود الأجانب في بلجيكا، هذا السياسي العنصري قال في بداية الأحداث أن إسرائيل تدافع عن قيم النهضة وعصر الأنوار الحضاري الأوروبي بمواجهة عصر الظلمة والظلمات.
هدفت إسرائيل من هذه الرؤية اعطاء بعد حضاري لمعركتها مع حماس الارهابية حسب ادعائها وهذا لدفع الغرب للوقوف خلفها ودعم مشروعها التدميري التهجيري.
هذه السردية الاسرائيلية تم مواجهتها وتفكيكها أولا بفضل ما قامت به آلة التدمير العسكرية الاسرائيلية وما تقوم به يوميا عبر القتل الجماعي للبشر وبوحشية لم نراها قبل ذلك وكذلك التدمير الممنهج للبنية التحية من مدارس ومستشفيات وبيوت فوق سكانها، هذا التدمير والقتل والابادة التي تجري الصوت والصورة دفعت الكثير من القطاعات والنشطاء والسياسيين وجزء من الاعلام بوضع الكثير من علامات الاستفهام حول المغزى لما تقوم به إسرائيل بحق المدنيين الفلسطينين ، وهنا بدأنا نرى تحولا واسعا ظهر عبر خروج اعداد كبيرة للشوارع والساحات للتعبير عن تنديدها لما تقوم به إسرائيل ورفضها للاستهداف المتعمد للمدنيين .
العامل الثاني والذي ساعد في تفكيك السردية الاسرائيلية هو ما قام به النشطاء الداعمين للقضية الفلسطينية على مختلف وسائل الاجتماعي، بفضل دورهم الواسع ام بعد بإمكان إسرائيل إخفاء مشروعها التدميري والتهجيري لسكان قطاع غزة، الأعداد المتزايدة للقتلى وعشرات الآلاف من البيوت المهدمة أحدث شرخا كبيرا فكك الرواية الاسرائيلية الكاذبة وأوصل مطلب الوقف الفوري لاطلاق النار الدائم ليكون مطلبا دوليا يردده مئات الآلاف في شوارع عواصم ومدن العالم .
بعد كل ما ذكر ، نحن الشعب الفلسطيني أمامنا تحدي كبير يتكون من ثلاثة أجزاء: الجزء الأول اعادة تعمير قطاع غزة، والثاني ملاحقة المسؤولين عن حرب الابادة التي شنتها إسرائيل وما تسببت به من قتل وتدمير أمام القضاء الدولي والوطني اذا أتيحت الفرص، والثالث هو إعادة ترتيب بيتنا الداخلي حتى لا نخسر بالسياسة من أنجزناه بالمقاومة والصمود .