الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

نخبة خارج الخدمة

خلال الحرب على غزة 

عبد المولى المروري – كندا 


لا أخفي صدمتي وامتعاضي من بعض التدوينات المخزيةعلى قلتها وهوانهاالتي كان أبطالها بعض رجالات الفكر والثقافة والسياسة والدعوة والإعلام في المغرب، في خضم هذا الصراع الدموي الرهيب، ومع استمرار عمليات الفتك والتقتيل الوحشي الذي يقترفه الكيان المغتصب ضد أهلنا في غزة.. 

وبعيدا عن التعميم الذي قد يبخس مجهود بعض المخلصين الشجعان، وتفاديا للمنهج العدمي الذي يتكلم أصحابه من داخل الظلام، ولا يرون إلا السواد، فحتما هناك من العلماء والمفكرين والسياسيين من ضربوا أمثلة رائعة في الشجاعة والجرأة السياسية والفكرية دون وجل من سلطة أو خوف من فقدان مصلحة.. فهم على قلتهم يقومون بما يتطلبه واجب الوقت من قول الحقيقة والصدع بالحق.. وهم حتما ليسوا موضوع هذا المقال.. قلت: بعيدا عن التعميم ذاك، فإن كلامي موجه إلى من كانوا في زمن من الأزمنة الجميلة سياسيا وحقوقيا يتصدرون الساحات والقاعات، ويعتلون المنابر والمنصات، ويتكلمون الساعات تلو الساعات.. وعندما اختفى ذلك الزمن الجميل، وحل محله هذا الزمن العليل، لم تعد تسمع لهم صوتا يصدع، ولا كلاما يصدح، فلا نسمع جعجعة حتى، ولا نرى طحينا شتى.. إلا كليمات تخرج في خجل، ومواقف تتلصص في وجل.. 

فأحد السياسيين الكبار يكتب مثلا: «مغني راب أمريكي يوقف أغانيه ويعرض أسماء شهداء غزة والجماهير تتفاعل معه .. »

وآخر يدون: «من العار أن تستمر صداقة البرلمان المغربي للبرلمان الصهيوني»

وآخر يدون: «لا أكاد أن أصدق أن تصل السادية بجيش الاحتلال إلى اقتحام مستشفى والتنكيل بالمرضى والأطباء…»، لا يا عزيز عليك أن تصدق ذلك، وأفظع من ذلك، فلا غرابة ولا عجب فيما يقومون به.. 

وآخر يدون: «الفنان المغربي الأصيل النعمان لحلو يعبر عن تضامنه مع غزة من خلال أغنية مغربية جديدة عنوانهاغزة وشهود الزور” …»،. كأن هذه المعلومات جديدة على الناس، غريبة على مجتمعات التواصل الاجتماعي، منيعة عن عوام المغاربة وخاصتهم.. فتجشم هؤلاء عناء حملها وخوض مغامرة نشرها، ومخاطر تبليغها.. 

والكثير من هذه الأمثلة والنماذج التي اختار أصحابها القيام بدور الوسيط، وذلك العمل البسيط الذي يقوم به ذلك المواطن المسكين، البسيط والعادي.. نشر بعض الأخبار ومقاسمتها مع العموم، أو التعبير عن الأسى والأسف لما يقع لأهلنا في غزة، كشكل من أشكال الحضور الشكلي والهامشي في حلقة الصراع الرهيب والكبير الذي يعرفه العالم في قلب العالم العربي والإسلامي، ولسان حالهم يقول: هذا مبلغنا من الجهد والعمل.. ولا نستطيع غير ذلك.. 

وهناك ما هو أفظع وأشنع من ذلك بكثير، عندما يقوم زعيمٌ مَا بالبحث عن مبررات تافهة يسعى من خلالها إلى تبرئة الدولة من جريمة الخيانة والتواطؤ مع الكيان.. تحت ذريعة عدم الرغبة في معارضة الدولة أو إحراجها أو التنديد بمواقفها حرصا على تماسك المجتمع واستقرار الدولة، وعدم إضعافها داخليا وأمام المنتظم الدولي.. بل وصل بهم إلى البحث في العملية التي قام بها المجاهدون ووَصْفِ ما قاموا به (مع جهل هذا الزعيم التام لظروف ومقدمات ومعطيات وإكراهات هذه العملية) بوقوع بعض التجاوزات!! هكذا!! يا سلام !! وكأن هذا الزعيم كان حاضرا في هذه العملية، ومشاركا في تخطيطها، حاضرا في ميدانها، تنفيذا واستخباراتيا وأمنيًا، الأمر الذيمكنهمن تقييم العملية والخروج ببعض القراءات التي أهلته إلى الحكم بوقوع تجاوزات أو مخالفات!! إلَّمْ تستحيي فقل ما شئت !! على هذا الزعيم أن يضع هذه القاعدة حلقة في أذنه، وأن يكتبها بالخط العريض أمامه في بيته لعله يستحيي قبل أن يتطاول على المجاهدين بذلك الوصف السخيف، والقاعدة هي : «لا يجوز للقاعد في بيته المكيف أن يفتي للمرابط والمجاهد في ساحة الوغى الحارقة والملتهبة» .. 

أما علماؤنا الأجلاء في الداخل المغربي، فحال جلهم يدمي القلب ويقطع الكبد ويمزق الأحشاء من شدة وهنهم، وانعزالهم عن قضايا أمتهم، فلا أراهم إلا تائهين غير آبهين.. في سباتهم غارقين، وداخل أبراجهم متكئين.. وكأن ما يقع في فلسطين المحتلة لا يعنيهم، وانتهاك  المسجد الأقصى لا يدخل في تخصصهم، وقتل أطفال غزة لا يزعجهم.. لم أر لهم رأيا معلوما، ولا كلمة مذاعة، ولا فتوى مسموعة.. هل دماء الفلسطينين رخيصة عندكم إلى هذا الحد؟ ألا تعني لكم أرواح الأطفال المقطعة أطرافهم، الممزقة أوصالهم شيئا في دينكم؟ أو في ضمائركم؟ ألم يحرك فيكم تدنيس المسجد الأقصى من طرف الصهاينة غيرة دينية ولا غضبة إسلامية؟ أليس في علمكم الذي استأمنكم الله عليه قول فيما يقع للمسلمين في أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ أليس في ذلك العلم الذي استودعكم الله إياه كلمة تخص مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل في نظركم الاجتهاد في إصلاح مدونة الأسرة مقدم عن الاجتهاد فيما يقع من اغتصاب اليهود لأرض المسلمين والاعتراف الرسمي بذلك؟ أليس لكم قول شرعي في خذلان المجاهدين المرابطين في أرض الرباط؟ هل الرأي في نسب الطفل والولاية والحضانة والزواج والطلاق والخطبة .. أولى الآن من القول في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وأولى من غصب الأرض وتشريد المسلمين وهتك أعراض المسلمات؟ هل هي مصالح تحذرون ضياعها؟ أم منافع تسعون جمعها؟ أو تجارة تخشون كسادها؟ أو كلمة توبيخ من ذي سلطان تحذرون سماعها؟ هل أصبحت كلمة الحق ثقيلة إلى هذا الحد؟ مخيفة إلى هذه الدرجة؟ هل أصبحت النصيحة لأولي الأمر مرعبة؟ ألم يصلكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية: «زمن الحرب ليس بزمن طلب العلم، ونشره بل تُكسر الأقلام وتطوى الصحف والدواوين وتُحد السيوف، وتُعلّم الصبيان القتال…»، وأنتمطبعاأعلم بهذا القول من صاحب هذه المقال.. 

لقد اختار معظم العلماء والمثقفين والمفكرين والسياسيين خلال العدوان على غزة وأهلها أن يظلوا «خارج الخدمة» التي من المفروض أن يكونوا في مقدمة من يتصدرها ويتصدَّوا لها.. وقررواخوفا أو طمعاأن يتركوا الساحة لأمراء التطبيع وأئمة الهزيمة، وأبواق الضلال ليُزيِّفوا الوقائع ويحرفوا الحقائق، لأُناسٍ تحقق فيهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ منهمْ وتُنْكِرُ، قُلتُ: فَهلْ بَعْدَ ذلكَ الخَيْرِ مِن شَرٍّ؟ قالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إلى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَن أَجَابَهُمْ إلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقالَ: هُمْ مِن جِلْدَتِنَا، ويَتَكَلَّمُونَ بأَلْسِنَتِنَا»، وهذا يقع أمام أعين علماءنا ومثقفينا ومفكرينا وتحت أسماعهم دون أن ينتفضوا أو يتحركوا.. إظهارا للحق، ودحضا للباطل..

إن من أوجب واجبات هذه «النخبة»، ولا سيما العلماء منهم، أن تتصدر المشهد الإعلامي فضحا للتطبيع، وإظهار مناكره وأخطاره ومخالفته للشرع والدين.. وعليهم أن يبينوا قدسية المسجد الأقصى ومركزيته الدينية وهو تحت الاحتلال.. ومشروعية الجهاد لاسترجاعه وتحريره من ذاك الاحتلال.. وأن القضية ليست قضية حدود، بل هي قضية دينية إسلامية في أصلها ومسارها ونتائجها.. 

وعلى رجال التاريخ أن يوضحوا للشباب والعامة تاريخ القضية الفلسطينية وتطوراتها ومساراتها، ويزيلوا عن تاريخها ما علق بها من تزوير وتزييف وتحريف.. باعتماد الوثائق والخرائط والوقائع.. تحصينا لهم من كل ما من شأنه أن يضخ في عقولهم الأكاذيب والأراجيف المضللة.. 

وعلى المثقفين أن يملؤوا الساحة الفكرية والإعلامية بالمحاضرات والندوات لتوجيه الفكر نحو الحقيقة، والرفع من وعي ونضج الناس، ولا سيما الشباب، حتى لا يقعوا ضحية التضليل الإعلامي والفكري.. ويكتسبوا بذلك مناعة فكرية وثقافية تجاه الأفكار المُطَبِّعة والمواقف الخانعة.. 


للأسف
الشديد اختارت نخبتنا المحترمة إخلاء الساحة للمطبعين من إعلاميين ومثقفين وحتى بعض علماء الدين.. باسم السلام والإسلام، والتعايش وحسن الجوار، والرخاء والاستقرار، وكل هذه بلغة مؤثرة خبيثة، ومعطيات زائفة، تضلل بها العامة، وتؤثر في عواطفهم، وتدغدغ مشاعرهم باسم الوطنية، وتخدر ضمائرهم، وتلوث معتقداتهم وأفكارهم.. وأمام كل هذا، نخبتنا المبجلة في سبات عميق وعطلة مفتوحة .. بعيدة كل البعد عن دورها ومهمتها في نشر الوعي ومحاربة التدجين .. 

 

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات