الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

متى نصر الله؟

بين غزة العزة، وحكام مثل القَزَّة

 

 

عبد المولى المروري – كندا 

 

نقف عاجزين أمام مشاهد التقتيل والتدمير الذي يمارس على أهلنا في غزة.. كل يوم.. كل ساعة.. كل لحظة.. لا نجد ما نقوله من عبارات الحزن والأسى الذي يحرق قلوبنا، ولا من كلمات الأسف والألم الذي يمزق أحشاءنا مثلما تُمزق أحشاء الأطفال الرضع والعجائز المغلوبات على أمرهن..

 

لحظات تاريخية فريدة، توقف فيها المنطق عن التحليل، وتعطل العقل فيها عن اكتشاف حقيقة ما يقع، أو يستوعب عظم هذه الأحداث الفارقة في التاريخ.. حتما هي كذلك.. ربما تغْفُل عن أصحاب العقول الصغيرة والقلوب المريضة، والضمائر الميتة..

 

مشاهد يعجز العقل عن استيعابها، وتعجز الكلمات عن وصفها، ويعجز اللسان عن التحدث عنها.. وحتى إذا تحدث اللسان، فبكلمات متقطعة، وآهات متتالية، وعيون مغرورقة، تنظر إلى السماء راجية من رب السماء فرجا قريبا لأهلنا وأحبابنا.. ولعله قريب..

 

نحن نتأمل فقط، وقلوبنا معلقة بين السماء والأرض، وعقولنا تسبح في بحر لجي من الأسئلة الحائرة، وتغوص في أعماق المجهول، هكذا يبدو لنا الأمر؛ القادم المجهول، والمستقبل الغامض.. وضعفنا يُخزينا، وعجزنا يخجلنا.. ومشاعرنا ممزقة بين ألم وحزن تارة، وفرحة بضربة وعِزَّة هناك.. وغلبة المشاهد المأساوية تعلو كل المشاهد.. وتحالف الغرب فوق كل تحالف، وعجز الشعوب الناقمة أكبر من كل عجز.. وخيانات الحكام العرب فاق كل الخيانات.. فحركاتهم حركات قِزَّة، وهم بين أيادي أسيادهم قَزَّة.. لا وقار يزينهم، ولا قرار يميزهم.. إنما هم يقِزُّون بين عار يطوقهم، وشنار يكبلهم..

 

نعلم أن تلك الأرواح الطاهرة التي اختارها الله إليه هي في جنات الخلد، في الفردوس الأعلى مع الشهداء الأبرار، في مقامات الصابرين المحتسبين.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر .. لا يتسرب إلينا شك ولا يخامرنا ظن.. فنحن نحتسب كل الشهداء الذين سقطوا غدرا وظلما عند مولاهم شهداء أبرارا.. فصبيانهم وأطفالهم ورضاعهم هم في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام، وما أعظمها وأشرفها من كفالة.. وهم إن شاء الله فرطا وشفعاء لآباءهم، وذخرا وسلفا وأجرًا.. ونساءهم حرائر طاهرات كأنهن الياقوت والمرجان.. جاعلهن الله تعالى – بلا جدال – أبكارا عربا أترابا.. ولو اطلعت امرأة شهيدة من نساء غزة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا، ولأضاءت ما بينهما، ولَنَصِيفُها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.. هن عرائس الجنة، وخيراتها الحسان، وكأنهن البدر ليلة التمام.. ولكن الجاهلين المطبعين الحاقدين المغفلين لا يعلمون..

 

نعلم ونُوقِن بأن كل شهداء غزة هم ضيوف عند الرحمان، سيُطيِّب ثراهم، وسيكرم مثواهم، وسيحسن إفادتهم، وسيجعل الجنة مستقرهم ومأواهم.. نعلم يقينا إن الله قد نقلهم من ضيق العيش إلى فسحة القبر، ومن ثَمَّ إلى جنة عرضها السموات والأرض، نعلم أن الله أزال عنهم غبار وتراب الدمار، ونقَّاهم من عفونة الحكام والمطبعين .. وغسلهم بالثلج والماء والبرد..

 

ما يقوم به شعب غزة الآن ما هو إلاَّ تحقيق لنبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم على موعد قريب مع وعد الله سبحانه وتعالى، فالله لا يخلف وعده أبدًا.. وهذا ما جاء عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الذي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ (يقول بعض شراح الحديث إنها غزة) يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ رُؤوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا يَقُولُونَ رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَيَقُولُ صَدَقَ عَبِيدِي اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا نُقِيًّا بِيضًا فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا»، ألا نرى كل يوم أجسام ورؤوس وأطراف وأوصال أهل غزة مقطعة وممزقة ومنتشرة أشلاء أشلاء؟ ألا تثج أوداجهم وأجسامهم دما؟ إنها النبوءة الصادقة تتحقق بكل جزئياتها ودقائقها وتفاصيلها، بلا زيادة أو نقصان.. في انتظار وعد الله لهم بنهر البيضة، ويسرحون في الجنة حيث شاؤوا..

 

ولكن نحن الصغار.. نتساءل في حيرة وألم.. بعقول المستعجلين الحائرين؛ متى نصر الله؟

 

نطرح هذا السؤال لأننا عاجزون، حائرون، نتألم كل لحظة نرى فيها رضيعا ممزقا، أو صبيا تثج دماءه على الأرض، أو امرأة تقطعت أوصالها.. أو أسرة أزيلت عن بكرة أبيها من الحياة، وأضحت بقذيفة واحدة أثرا بعد عين.. نطرح هذا السؤال مع علمنا أن نصر الله قريب.. ولكننا نستعجل من فرط المأساة، وعنف المشاهد، وقساوة اللحظات الطويلة جدا على أهلنا هناك.. في غزة الشهيدة..

 

«أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ»، هذا ما وقع لمن سبقونا، مستهم البأساء والضراء، مثل أهلنا اليوم، الذين زلزلوا بآلاف الأطنان من القنابل الفتاكة والحارقة، فالمشهد واحد، والوعد واحد، من رب واحد، ألا إن نصر الله قريب..

 

نعم إن نصر الله قريب، آت لا محالة، بلا شك أو ريب، ولو بمثقال ذرة، ولا بقيد أنملة.. وإنما هي لحظات فارقة في التاريخ.. بين شعب أبيٍّ ومجاهد، صابر ومحتسب.. ومعه ملايين من شعوب الأرض دعما وتضامنا ودعاء.. يقاسمهم الألم، ويشاطرهم الأمل.. وبين غاصبين محتلين مجرمين، وإلى جانبهم شردمة من المطبعين والخونة والمرتزقة..

 

فإذا صدق الله وعده في الذين جاهدوا، وقاوموا، وصبروا، وصابروا، ومُزِّقوا، وشردوا، وقطِّعوا.. فوعد الله صادق لا محالة مع أولئك الذين طبَّعوا، وخانوا، وباعوا، وخدعوا، وكادوا، ونافقوا، وهادنوا، وغدروا، من الحكام العرب وأذنابهم، وحالٌّ بهم عما قريب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله وأبي أيوب رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ يخذل امرأ مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته…»، وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقفن أحدكم موقفاً يقتل فيه رجلٌ ظلماً، فإن اللعنة تنزل على من حضر حين لم يدفعوا عنه…»، يقول رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وسلم) في الحديث القدسي عن الله عز وجل «وعزتي وجلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمن ممن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره» هذا وحي من الله لرسوله، ووعيد منه إلى المتخاذلين في انتظارهم قريبا، فلا يفرحوا ولا يغتروا بما هم فيه الآن، وما بين أيديهم من نعيم كاذب وبحبوحة زائفة وزائلة.. فلن تبلغوا ثراء قارون ولا سطوة فرعون، ولا قوة قوم عاد وثمود..

 

أيها المطبعون الخائنون، هذا مصيركم ينتظركم عند المنتقم العزيز الجبار.. رب العزة والجبروت، خذلان من الله قريب، لعنة وانتقام، والله لا يخلف وعده، فهل أنتم مستعدون؟ هل انتم قادرون على سخط الله وغضبه ولعنته؟ أما أهل غزة فهم منصورون بنصر الله، وعدا محققا.. نصرا عزيزا مؤزرا، في الزمن القريب، زمن يختاره الله لعباده، أما أنتم، فموعدكم الصبح، أنتم ومن تتمسحون بهم، أليس الصبح بقريب.. فأين تفرون؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات