بساط أحمر على واقع أبثر
عنتٌ شعبي.. وعبثٌ رسمي
عبد المولى المروري – كندا
أزمة متميزة رائعة تمر بخيلاء على البساط الأحمر بالمدينة الحمراء .. أزمة استثنائية تتراقص بزهوٍ وتتمايل بانتشاء أمام عدسات الكاميرات الوطنية التي تتسابق بأخذ صورة فاتنة، أو تصريح يطرب السامعين المهمشين في كل ربوع الوطن.. أزمة جذابة ومثيرة جدا.. تستعرض مفاتنها أمام بؤساء الوطن المنبهرين بعظمة اللحظة التاريخية .. مفاتن مزركشة بحلي الرذيلة.. ومسربلة بثياب الوقاحة..
أزمة تزينت بمساحيق العار وتعطرت بعطور الشنار.. كي تجلس وتُجالس كل فناني التفاهة ومسؤولي الدعارة على موائد السكان المشردين بسبب إهمال الدولة لضحايا زلزال المدينة الحمراء وضواحيها أو ضحاياها.. أو بسبب التهجير القسري للأحياء والدواوير المغضوب عليها مخزنيا، موائد ممتلئة بشتى أنواع المأكولات، المشكلة من الباعة المتجولين والفرَّاشة المطرودين والمطاردين.. وكوكتيل من المشروبات الروحية الممزوجة بدماء وأرواح المهاجرين الهاربين في قوارب الموت نحو النهاية والمجهول، فيستقر بعضهم ممزقا في بطون القروش، وبعضهم يصل تائها إلى الضفة الأخرى فرارا من الذل الوطني، بحثا عن الكرامة المغتربة..
أزمة تتلذذ بأطيب الفواكه الطازجة المشكلة من الأساتذة الأجلاء المبجلين (في كل الدول والمجتمعات إلا في وطني)، يُقطَّعون بسكين النظام الأساسي، ويمزقون بأدوات الإذلال والاحتقار التاريخي الذي لازم هذه الفئة المحتقرة رسميا.. وليس شعبيا.. ومزينة بمكسَّرات التلاميذ الضائعين في أزقة الوطن بين استخفاف الدولة المبجلة.. وتواطؤ النقابات المغفلة.. تختم بها حفلة العشاء الأحمر المنظم على شرف الفلم الدولي المرصع بنفايات وقاذورات أبطاله.. الممتع بتفاهات وسخافات مشاهده ..
إنه زمن البساط الأحمر، أحمر بلون المدينة المنظمة للمهرجان، المشهورة دوليا بالليالي الحمراء.. المحمية رسميا بقوانين البغاء.. بساط أحمر بلون الدم المثجوج على أرض غزة بسبب ورود وأزهار القنابل النبيلة والسلمية، المحشوة بالفسفور الأبيض الحارق.. المنهمرة على رؤوس الأطفال والنساء.. غير الآمنين..
إنه الزمن الجميل .. جميل فعلا .. جميل بلون الذل الذي ينعم فيه الشعب بكرامة مهدورة .. زمن جميل بصفاء المهانة التي تغطي حياته الممزقة بين غلاء المعيشة وانتهاك الحقوق.. زمن جميل ومنعش بهواءه الذي أدى إلى انحباس الحرية.. واختناق الأنفاس..
إنه الزمن الجميل الذي ينعم فيه الشعب في بحبوحة من العيش هو أضيق من ثقب الإبرة، وفي أجواء ممتعة هي أمَرُّ من العلقم.. وفي أيام سعيدة هي أظلم من ليل الشتاء.. ولحظات مرحة هي أتعس من لحظة الفراق.. شعب يقترب من أحلام هي أبعد من الثريا.. ويلاحق آمالًا هي أقرب إلى السراب.. زمن جميل يأتيه الفقر أسرع من أجله .. وأثقل من همه .. وأقبح من زوال نعمه..
إنه الزمن الجميل، يرقص تحت أصوات الموسيقى الصاخبة في مهرجان البساط الأحمر .. موسيقى تُعزف بخشوع في تناغم مع أصوات قنابل غزة الموءودة.. ومواقف الحكام الموبوءة.. على إيقاع صرخات الباعة المتجولين المشردين.. وهتافات الأساتذة المضربين .. ودوي الأسر المبعدين المهجرين.. وبكاء ضحايا الزلزال المنسيين .. فصنع منها مايسترو الفرقة سنفونية الدمار الشامل .. لِغزَّة .. والفضيلة والكرامة .. هكذا هو الزمن الزميل مزهوٌ بزَهوِ مهرجان الحمراء الزاهي بخطواته على أزمنة وتاريخ سبعة رجال .. وحاضرة سبعة نساء في زمن النساء، حيث تحول الرجال فيه إلى «متحولات»*.. برداء السواد وحركات الإغواء بسخاء..
إنه الزمن الجميل في المدينة الحمراء .. الغراء! على بساطها الأحمر «ترتقي»* فيه الرجال إلى منزلة النساء، وتتخلص فيه النساء من أعباء الحياء.. تُعطى فيه الإمامة للسفهاء.. وتحت الأحذية يُداس الشرفاء.. زمن استقام فيه الباطل على ظهر الحق.. واستوت فيه الرذيلة على فراش الفضيلة.. وفاض فيه الجهل على بحر العلم .. ليعتلي الجميع في نهاية المسير –وهم على البساط الأحمر– منصة الخراب، ويتوجون بتاج الهوان..
- «متحولات» * «ترتقي» : كتبتهما بتلك الطريقة عن قصد