الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

 

جريمة تحرير الملك العمومي 

عبد المولى المروري – كندا 

لا يوجد شخص عاقل يضع نفسه ضد النظام وجمالية المدينة، وتنظيم القطاع غير المهيكل.. بل إن ذلك من أهم ما يجب أن تهتم به الدولة، ومن صميم مهامها وأدوارها الاقتصادية والاجتماعية.. وتأهيل تلك الفئة الاجتماعية اقتصاديا واجتماعيا ليكونوا أكثر تنظيما ومردودية وانتاجية أمر واجب ومفروض عليها.. ويمكن أن أجزم أن الدولة متأخرة عن دورها ومهامها تلك بشكل كبير وغير مبرر.. 

ولكن لنلقي نظرة موضوعية ومنصفة على ما تقوم به الدولة الآن في شخص والي جهة الدار البيضاء في مواجهة الباعة المتجولين والفراشة، ونقوم باستقراء قرار تحرير الملك العمومي وطريقة تنفيذه.. 

لقد تابعتُ عشرات الفيديوهات التي وثقت عملية تحرير الملك العمومي، واستمعتُ لشهادات وتصريحات الباعة المتجولين الذين كانوا «ضحية» هذا القرار، والطريقة المستفزة التي تم بها تنزيله.. ولا أخفيكم صدمتي واندهاشي لتلك المشاهد المروعة والعنيفة والقاسية.. 

ومن خلال متابعتي لكل ذلك، يمكن تسجيل الملاحظات التالية: 

1/ عدم إخبار الباعة المتجولين والفراشة وأرباب المحلات بالأسواق الشعبية: 

حيث تؤكد كل الشهادات أن رجال السلطة طبقوا قرار الإخلاء دون إخبار المعنيين بالأمر، بل أُخذ الباعة والفراشة على حين غرة، وفي غفلة منهم.. 

للأسف الشديد هذا التصرف يعبر عقلية تآمرية لدى رجال السلطة المفروض فيهم التقيد بالقانون، مع استحضار الجانب الإنساني والاجتماعي، وأقصى درجات التعقل والاتزان، بل إن تنزيل القرار بذلك الشكل يعكس أسلوب الضربة الفجائية الذي يمارس عادة في مواجهة «العدو المحتمل» حتى لا تترك له فرصة للمقاومة أو الاعتراض على القرار في زمن معقول.. فقد وجد البائع المتجول نفسه مصدوما بهذا الفعل، مقيدا أمام الأمر الواقع، وهذا نوع من الصدمات التي تتسبب للشخص في شلل اضطراري عن الحركة، وتوقف عن أي ردة فعل محتملة.. 

وبهذا الأسلوب العدواني الفج تكون الدولة قد صنفت المواطن في خندق «العدو المحتمل» الذي يجب أن تعامله بمنطق الصدمة والضربة الفجائية لشل حركته ومقاومته اتقاء لردة فعله.. والحال أن الدول التي تحترم نفسها وتقدر مواطنيها تعطي للمعني بمثل هذه القرارات مدة معقولة من الوقت، وفرصة لتدبير أموره، بعد إخباره بالقرار بالطرق القانونية، حتى يتصرف في بضاعته التي اشتراها بماله الخاص ويحميها من الضياع والتخريب.. والله وحده يعلم كم عانى ذلك البائع المسكين وكم كابد ذلك الفراش المتواضع من أجل توفير رأسماله واقتناء بضاعته القليلة.. وعرضها للبيع من أجل لقمة العيش وستر حاله وحال أسرته.. 

2/ عدم تقديم البديل للتجار المتجولين و«الفراشة»:

الغريب والمؤسف أن الدولة اتخذت هذا القرار «القاتل» دون أن تتعب نفسها في إيجاد بديل لهذه الفئة النشطة، والتي لها إسهام واضح في الدورة الاقتصادية، والتي في معظم أصحابها أسر وأبناء يعولونهم، ومنهم المرضى والتلاميذ وكبار السن حسب ما جاء في الشهادات التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي.. 

فهل ساءلت الدولة نفسها عن مصير هؤلاء الناس، ومصير ذويهم وعوائلهم، وكيف سينفقون على تلك الأفواه المفتوحة، والبطون الجائعة، والمرضى والتلاميذ الذين ينتظرون آباءهم وأمهاتهم عشية كل يوم!! 

ترى ما هو المصير الذي ينتظر هؤلاء وذويهم؟ وكيف سينفقون على عوائلهم؟ وماذا تنتظر منهم الدولة بعد أن أجهزت على بضاعاتهم وأموالهم وأرزاقهم وأحلامهم؟ ولماذا ألقت بهم وبذويهم إلى المجهول بهذه الطريقة القاسية؟ هل هو نوع من الانتقام؟ كيف سيثق هؤلاء في الدولة فيما يستقبل من الأيام؟ أسئلة محيرة فعلا، وتصرفات أكثر حيرة، تلك التي تقوم بها الدولة ضد هؤلاء المساكين! 

3/ طريقة تحرير الملك العمومي: قرار إداري أم جريمة ضد المجتمع؟

المشاهد التي بثتها مواقع التواصل الاجتماعي مؤلمة وعنيفة، أسلوب مغرق في الشوفينية، ويفتقد إلى أبسط أساليب الرزانة والتعقل والحكمة، ويخلو من كل معاني الرحمة والإنسانية، وكأن الجرافات المستعملة، الموغلة في تخريب وإتلاف البضاعة، وتدمير العربات والصناديق والمحلات الخشبية، تقوم بتجريف ثكنات العدو ومعداته وليس عربات بسيطة ومحلات متواضعة لمجموعة من المواطنين البسطاء والفقراء.. أسلوب مسكون بمنطق الانتقام من هذه الفئة الاجتماعية المسحوقة اجتماعيا واقتصاديا.. وكأن هذه الفئة عار وعبء على هذه الدولة، الأمر الذي يستلزم إعدامهم والتخلص منهم بأي طريقة كانت، ولو بطريقة وحشية وهمجية كالتالي مورست عليهم! 

إن ما قامت به السلطات المحلية يرقى إلى مستوى الجريمة المكتملة الأركان، ذلك لأنها أخذت ضحاياها على حين غرة، بلا تنبيه أو إخبار، وقضت على أرزاقهم، وأجهزت على أحلامهم، وتركتهم للشارع والمجهول، بلا حل، بلا بديل، بلا مهنة، بلا مال، بلا أحلام، بلا مستقبل!! هذا كلام خرج من أفواه رجال ونساء الباعة المتجولين والفراشة، وهو كلام أقوله أنا أيضا بكل مسؤولية، فلا توجد دولة تعامل مواطنيها بهذه الطريقة السخيفة والمتخلفة، التي تعبر بوضوح عن احتقار هذا الشعب، والإمعان في إذلاله وإهانته واحتقاره وتفقيره.. أإلى هذا الحد تكره هذه الدولة شعبها؟!

4/ خروج الفئة المتضررة إلى الشارع: 

ها هي الدولة تتسببمن تلقاء نفسهافي عدم الاستقرار والاضطراب الاجتماعي بسبب قراراتها الهوجاء والطائشة، فكل التجار المتجولين والفراشة خرجوا الآن إلى الشارع منددين ومستنكرين ضد هذه القرارات، والشكل الأرعن الذي طُبقت به، ها هم يصرخون بملء أفواههم مطالبين بحقوقهم، رجالهم ونساءهم، شيوخهم وشبابهم وأطفالهم، رافعين شعار : #حرية_كرامة_عدالة_اجتماعية.. وغيرها من الشعارات ذات الطابع الاحتجاجي الساخط، وهي شعارات سياسية بامتياز.

الدولة الآن تتسبب في اتساع دائرة الاحتجاج بسياساتها المضرة بالوطن والمجتمع، وهي مرشحة للتصعيد والتصاعد، فإلى جانب قطاع التعليم، تعرف الساحة البيضاويةالآناحتجاجات الباعة المتجولين والفراشة بلا أفق واضح أو تأطير ناصح، وفي نظري ستكون هذه الاحتجاجات أصعب وأخطر من احتجاجات الأساتذة، إذا استمر الوضع كما هو الحال الآن، بالنظر إلى مستوى وعي وثقافة تلك الشريحة، وأمام انسداد أفقهم واغتيال أحلامهم وضياع أرزاقهم.. فهم الآن يواجهون مصيرا غامضا ومجهولًا في غياب أي مبادرة أو حل من طرف الدولة، لإخراجهم من المأزق الاقتصادي الذي وضعتهم فيه، وعلى الدولة وحدها أن تتحمل مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع، أو أي انفلات أمني قد يظهر بسبب رمي هؤلاء الشباب اليائسين إلى الضياع والمجهول.. وأخوف ما أخافه أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى أعمال عنف وردود فعل غير منضبطة تنتهي بضحاياها من الشباب والأطفال الساخطين إلى الاعتقالات والمحاكمات، وتشريد أسر وتحطيم عائلات، وها هي أحداث الريف ليست ببعيدة عنا.. وما تزال آثارها وآلامها مستمرة وحية في العقول الحائرة والقلوب المكلومة.. 

إن المقاربة التي تعتمدها الدولة، ليس مع الباعة المتجولين والفراشة فقط، بل مع الأحياء المهجرة والسكان المرحلين في أماكن عديدة، ومع الأساتذة الآن، هي مقاربة بعيدة عن الحكمة والتعقل.. مقاربة تطغى عليها الحلول الأمنية والقمعية، وتتميز بغياب حلول منصفة وجادة وحكيمة، وتتميز باحتكار الحل وفرضه على الضحية، سواء بطريقة قمعية وعنيفة مثل عمليات الترحيل والتهجير السكاني، أو بطريقة المفاجأة وفرض حل مأساوي بقوة الواقع والسلطة كما يقع الآن مع الباعة المتجولين، أو عن طريق المراوغة والتماطل والاستخفاف كما هو الحال مع الأساتذة المضربين.. 

نعم للنظام.. نعم لتحرير الملك العمومي .. نعم لهيكلة قطاع التجارة غير المهيكل .. ولكن مع احترام المواطن .. مع إيجاد حل بديل له .. مع إخباره في أجل معقول .. مع الحفاظ على رزقه وبضاعته وأمواله ..

فمتى تتعقل الدولة؟

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات