الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

زيف الشعارات

 

مبارك المتوكل /المغرب

 

 

كنا نؤاخذ المتشددين من الإسلامويين على عدم تسامحهم مع معتنقي مذاهب أو ديانات تخالف مذهبهم أو معتقداتهم وميولاتهم وكنا ولا زلنا نؤاخذ انظمتنا التي حاولت وتحاول فرض تصورها ورأيها باسم ما سمته بمقدسات الدولة أو أي تسمية تخالف أو تشبه تلك التسمية ولكن تؤدي نفس الغرض وتوفر نفس النتيجة في خنق حرية الرأي والتعبير. وكنا نعتقد أن الأمر يعني دولا وشعوبا بعينها ولكن الواقع كشف المستور عندما انتفضت المقاومة الفلسطينية لتقول كلمتها وتعري ما تخفيه تلك الأنظمة التي كانت تدعي الدفاع عن العدل والحرية وحق الشعوب في تقرير مصائرها .

 

لقد انكشف زيف الشعارات وتبين أن “دول العالم الحر” في حاجة إلى إعادة النظر في سلوكها أو تغيير شعاراتها . إذ أي معنى لشعار “حرية مساواة أخوة” عند فرنسا التي قال أديبها وشاعرها هوغو في حفل تكريم له “الله أهداكم إفريقيا فخذوها” وبالفعل اقتسموها فأصبحوا دولا متقدمة تفرض إرادتها على الشعوب وتنهب خيراتها معادن ومحاصيل ورقيقا تم بيعه وتشغيله في الحقول والأشغال الشاقة والحاطة من الكرامة البشرية وبيع في سوق النخاسة ليساهم في بناء العالم الجديد الذي لا زال من تبقى حيا من ورثة أفراده إلى اليوم لم ينالوا حق المواطنة الكاملة كبشر لأن بشرتهم سمراء. وعلى هؤلاء تتلمذ من تجرأ على من استضاف أجدادهم عندما لفظهم الغرب وظهرت لديه نزعة حاولت استئصالهم . على كل من تبنى شعارا لم يلزمه أحد برفعه ولكننا نطلب منه اليوم أن يحترمه أو يصرح بالتنكر له .

 

يقودنا هذا إلى طرح السؤال ألم يحن الوقت لتراجع بعض الدول آراءها ومواقفها ؟ وخاصة فيما يتعلق بفرنسا وانجلترا وألمانيا ؟ لتعود إلى تاريخها لعل فرنسا تجد من يعيد تذكيرها بموقف فولطير ولعل شكسبير يحيي لدى بريطانيا عاطفة الحب الذي لا يراعي لون بشرة ولا موطنا ولا معتقدا ولعل ألمانيا تستعيد ذلك الكمال الذي أوصلها إليه هيغل أو تلك القيم النبيلة التي كرس ماركس حياته لنشرها ليجعل جدل هيغل يقف على رجليه . إن عالم اليوم في حاجة إلى مراجعة تاريخية كبرى لعله يستفيد من ما أصابه من غرور وكبرياء اعتبرها بعضهم نهاية التاريخ وتصور أولو الأمر منهم أن القوة التي اكتسبوها والمعرفة التي فتحت إمكانية توظيفها لتخريب العالم وإعادة رسم خرائط على هواهم لأنهم أقوياء قادرون على استمرار ادعاء تبني تلك القيم والمبادئ التى نسوا أو تناسوا دلالتها واستمروا في محاسبة الآخرين على أساسها .

 

عرف التاريخ حضارات بانت ثم بادت ولكنها تركت آثارها بادية للعيان فلا أحد استطاع إنكار حضارة الصين ولا حكمة الهند ولا مآثر الفراعنة فلماذا يسعى بعضهم بل وبعضنا أيضا لمحو آثار الحضارة العربية التي استطاعت أن تضم شعوبا وقبائل بل وأمما لتبدع تراثا وفنا وعلما جعلها قبلة لطلاب العلم والمعرفة من مختلف أقطار العالم المعروف حينئذ ليعبوا من المعارف التي كانت توفرها الحواضر العربية الكبرى في العراق والشام ومصر والغرب الإسلامي بشمال إفريقيا والأندلس . وقد استطاع علماء العربية أن يستوعبوا وأن يترجموا إلى العربية فلسفة الغريق وحكمة الهند وأن يربطوا الصلة بحضارة الصين وأن يكونوا صلة وصل بين حضارات الشرق القديم من آشورية وبابلية وفينيقية . استطاع الغرب عندما أيقظته حركة التنوير أن يستفيد ويطور تلك المعارف في وقت انشغل مفكرونا بما خلف ” السلف الصالح” من أثر لاستظهاره وشرحه وتأويله وكتابة الحواشي ثم الحواشي على الحواشي ثم تأويل الحواشي ثم شرح التأويل .. إلى مالا نهاية

 

مرحلة الانحطاط تميزت بالجمود الفكري والاكتفاء باستمرار ما خلفه” السلف الصالح” غثه وسمينه ولو خف السمين  اتهم كل من حاول تجاوز حدود ما حدده السابقون لأن” كل محدثة بدعة وكل بدعة…” ولأن” من تمنطق تزندق” ومن تفلسف تفسق ولا صواب إلا في نهج سبيل الأولين لأن آباءكم خير من أبنائكم . ولم نستفق إلا على دوي المدافع وطلقات البنادق. وإذا كانت بعض المناطق من هذا العالم قد نالت استقلالها السياسي ظاهريا فقد ظلت إليات التحكم بيد القوى الاستعمارية تمارسها عبر أدوات متعددة منها الظاهر للعيان ومنها الخفي الذي لا يطلع عليه إلا أولائك الذين استفادوا أو يستفيدون من العلاقة بالاستعمار الجديد الذي لا يتحكم بأدواته التقليدية التي كان ينفق عليها من خزائنه إذ خلق بدائل عنها بحيث تقمع ضحايا الاستعمار الجديد بأدوات يدفع ضحاياها نفقاتها من أجور وأدوات التسلط وعتاد الإرهاب والقمع . بمزيد من الدهاء استطاع الاستعمار الجديد أن يستمر في الهيمنة عن طريق خلق نزاعات داخلية استعملها كأدوات للتحكم والهيمنة ليس فقط على الجماهير الخاضعة والمحكومة بالحديد والنار بل أيضا وعلى الحاكمين الذين قد تستيقظ ضمائرهم فيحاولون التخلص من ما التزموا به مع القوى الاستعمارية .

 

وهكذا حورب كل فكر تنويري أيا كان مصدره فبرز من يتهم كبار الفلاسفة والمفكرين قدماء ومحدثين من الكندي وابن سيناء إلى طه حسين وعبد الرحمان بدوي…. واللائحة طويلة حاكمت الأحياء وحكمت على الأموات . ورغم أننا لم نستيقظ من ذلك السبات إلا على أصوات المدافع التي جاءت تغزو أرضنا وتسخر شبابنا في حروبها القذرة لتمتزج دماؤنا بدماء من كان يجب أن نكون إلى جانبهم للمساهمة في تحرير الإنسان والأرض في كوريا والكمبيودج وفيتنام وكل ربوع العالم التواق إلى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية . شكرا للمقاومة الفلسطينية التي حققت إعادة طرح إشكالية التحرير على من تناسوا أو نسوا مسؤولياتهم التاريخيةوفضحت كل الشعارات الزائفة التي كثرالتشدق بها في مرحلة المروءة نحو التطبيع على مختلف المستويات .

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات