الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

نزيل في مستشفى الشفاء

 

 

برعلا زكريا – المغرب

 

عزيزي القارئ

 

أدعوك للحظات أن تتخلص من كل المؤثرات الخارجية، وتطلق العنان لخيالك وتأملك، وتتقمص حال مصاب فلسطيني، نزيل بأحد مرافق مركب الشفاء بغزة،
وهو المستشفى الذي صار خاليا من المسكنات، والأكل، والماء !

 

تحس بألم شديد في جسمك، وتسمع أصوات الصراخ من الآلام والآهات والأنين، فقدت أحبتك، وهاجر من استطاع في الساعات الأخيرة بسبب البطش والتقتيل الممنهج، مع إعلان شمال غزة منطقة عسكرية.

 

لكنك لا زلت عالقا بمستشفى الشفاء، إصابتك تمنعك من الابتعاد عن المكان، رائحة الدم لا تفارق باحة الشم لديك، وبشكل لا إرادي يرتعد بدنك وتتسارع ضربات قلبك بعد كل غارة جوية قريبة، فتقول لنفسك أن الغارة المقبلة ستصيبك لا محالة، خصوصا أن القصف كثيف في باحات المستشفى وجواره مع تلميحات إسرائيلية باستهدافه في أية لحظة.

 

صوت الرصاص وطنين الطائرات لا يتوقف. ورائحة البارود بكل الأرجاء. وتناثر الشظايا جراء القصف المتكرر كلها عوامل تصل بعقلك أو ما تبقى منه لمنطقة لم يصل إليها أحد من قبل، منطقة بين الواقع والخيال، تغفو عيناك من شدة التعب لثواني معدودة وتوهمك غريزة البقاء أن ما تمر به من محن ما هو إلا كابوس مخيف، لكن سرعان ما يقطع غفوتك صوت المدافع فيخيب ظنك عندما توقن أن ما يجري حقيقة مرة وتجربة تفوق قدرات البشر على التحمل.

 

تفكر في كل شيء وتحاول أن تجيب عن أسئلة حارقة أكثر من قنابل الفوسفور.. أين العرب ؟ أين العالم الإسلامي؟ أين الضمير الإنساني ؟ لماذا لا يتم فتح معبر رفح ؟ متى سيكتفي الإسرائيليون والأمريكيون من البطش؟ هل نحن دون البشر ؟ أي عالم هذا الذي نعيش فيه؟

 

مرارة الخذلان وألم الإصابة وغصة الظلم كلها عوامل لا يمكن أن تساعد على الاستشفاء بمستشفى الشفاء.

 

في حي آخر بغزة يوجد مشفى الأندونيسي وقد تعرضت باحاته للقصف مخلفة عشرات الضحايا، وتوقفت مولداته الكهربائية عن العمل بسبب منع دخول الوقود، لتتوقف معها حياة الأطفال الخدج ومن هم بالعناية المركزة بعد انقطاع التيار الكهربائي، كأننا في العصر الحجري ولسنا في حضارة الألفية الثالثة !

 

أحداث غزة والصور القادمة من هناك أشد قوة من كل أفلام هوليود مجتمعة بما فيها أفلام الرعب، الجميع بانتظار الموت بأبشع الطرق دون رحمة أو تعاطف، ودون مراعاة لمدني أو طفل أو امرأة أو مسن. لا ينقص ليكتمل المشهد سوى تقديم أشلاء الأطفال في أطباق ليأكلها نتنياهو ومعاونوه.

 

عزيزي القارئ لا شك أن إنسانيتك تجعلك تشعر بالحزن الشديد عندما تتصور معاناة نزلاء مستشفى الشفاء، أو المختطفين بسجون الاحتلال، أو المصابين، أو من تم تهجيرهم.

 

لكن هذا الإحساس الذي غمرك لا يقارن أمام ما يشعر به إخواننا في غزة من هول حرب الإبادة الجارية والتي تبيد معها ما تبقى من قيم عالمية وتكشف الوجه الحقيقي للغرب المتغطرس.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات