الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

احتجاجات قطاع التعليم خارج السياق

 

 

محمد غريب – المغرب

 

نضال الحركة النقابية المغربية كان دائما يربط بين المطالب المادية والمعنوية لمختلف شرائح الطبقة العاملة وبين القضايا القومية التي تعتبر من ثوابت الأمة وعلى رأسها قضية فلسطين التي بقدرة قادر تحولت في قاموس بعض الانهزاميين إلى قضية إنسانية وكأن الفلسطينيين غرباء عن الأمة العربية والإسلامية وأن التعاطف معهم تحركه فقط العواطف الإنسانية دون أي اعتبارات سياسية.

 

إن القضية الفلسطينية جزء من حركة التحرر الوطني العالمية وهي من هذا المنطلق تعنينا لأنها تعتبر البوابة التي من خلالها تسعى القوى الاستعمارية إلى التحكم في مصير أمتنا من المحيط إلى الخليج.. والشعب الفلسطيني لهذه الاعتبارات يدفع حاليا ضريبة الدم عن الأمة العربية والإسلامية جمعاء، كما ينوب أطفال ونساء غزة عن الجماهير العربية في كتابة التاريخ رغم تعدد الخيانات وفي ظل واقع سقط فيه القناع عن أمريكا وحلفائها الغربيين واكتشف الرأي العام العالمي مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلوا اليه.

 

في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر منها امتنا العربية والإسلامية اختارت عدة تنسيقيات في قطاع التعليم خوض إضرابات وطنية ووقفات احتجاجية وأصدرت هذه التنسيقيات بيانات تتبرأ فيها من كل النقابات والأحزاب المغربية، بحيث جمعت الكل في سلة واحدة. هذه البيانات التي لم تتضمن ولو إشارة واحدة إلى ما يقترفه الكيان الصهيوني من جرائم في حق الشعب الفلسطيني وأطفاله ونسائه. كما وضعت هذه التنسيقيات برنامجا “نضاليا” لم تأخذ فيه بعين الاعتبار نتائج الإضرابات السابقة ولا رد فعل الوزارة الوصية مع العلم ان هذه التنسيقيات ليس لها اية شخصية قانونية تسمح لها بالتفاوض مع الوزارة الوصية.

 

إذن نحن أمام تجمع لفئات متعددة في قطاع التعليم اختارت طريق النضال من أجل الخبز بعيدا عن القضايا المصيرية للمجتمع معتقدة بذلك أن الدولة ستنظر اليها بعين الرضى. ولهذا الغرض وضعت ملفا مطلبيا طويلا لكي ترضي كل هذه الفئات وتضمن بقاء هذا الكم الكبير من التنسيقيات مجتمعا حتى لا تنفرط حبات عقده عند أول امتحان. هذا الحرص على وضع كل المطالب دفعة واحدة دون الاخذ بعين الاعتبار الأولويات وميزان القوة يؤكد على أننا إما أمام حركة عفوية يحركها الحماس او اننا بصدد خطة ممنهجة تهدف الإجهاز على العمل النقابي لتنفيذ مخططات صندوق النقد الدولي والإجهاز على المدرسة العمومية وإفساح المجال كليا أمام الرأسمال للاستثمار في التعليم.

 

إن الحركة النقابية المغربية تعيش في هذه المرحلة وضعا صعبا يهدد وجودها وهذا راجع من جهة لسياسة التضييق التي تمارسها الدولة ولكنه راجع أيضا للأخطاء القاتلة التي ارتكبها ولازال يرتكبها المتنفذون داخل كل إطار نقابي. لقد تم إفراغ النقابات التقدمية من مناضليها وأطرها المناضلة وتم إفساح المجال لعدد كبير من الوصوليين والانتهازيين اللاهثين وراء الفتات الذي تلقي به إليهم الإدارة. هذه الممارسات هي التي جعلت النقابات تعيش معزولة عن قواعدها وتحولت إلى قبيلة يسود فيها منطق الولاء إلى بعض الزعماء الذين أصبحوا خارج السياق ولكنهم لا زالوا يصرون على البقاء في مواقع المسؤولية رغم وجود أطر شابة قادرة على الابداع وزرع دماء جديدة في الجسم النقابي.

 

لكن يجب الاعتراف انه رغم هذا التشخيص السريع فإن الحركة النقابية المغربية وخاصة التقدمية قد قدمت العديد من التضحيات وحققت العديد من المكاسب التي لولاها لما تجرأ البعض اليوم لتأسيس هذا الكم الهائل من التنسيقيات التي يعتقد من يحركها أن خوض الإضرابات بدون رؤية سياسية يكفيه ليحقق المكاسب وأن تعدد الإضرابات سيجعل الوزارة تقرر مباشرة الزيادة في الأجور والتعويضات …الخ. إن الحركة النقابية التقدمية كانت دائما تربط بين المطالب المادية والقضايا السياسية الكبرى التي هي في وجدان الشعب المغربي ولقد كان رجال ونساء التعليم دائما في الصفوف الأولى عندما يتعلق الأمر بقضية الأمة العربية والإسلامية جمعاء. لقد كانت فلسطين هي الأولوية قبل تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة التعليمية لأنه عندما يكون مصير الشعوب على المحك تتوارى المطالب الفئوية أمام القضايا الكبرى على عكس ما وقع اليوم حيث نظمت وقفات أمام المديريات الإقليمية في الوقت الذي كان فيه الكيان الصهيوني يقصف أطفال غزة.

 

إن هذا النوع من ” النضال” وهذه الصيغ “النضالية ” الغريبة التي يتم فيها الدعوة لإضراب مدته ثلاثة أيام مباشرة بعد العطلة ويتم دعوة المدرسين إلى عدم استقبال أطر التفتيش وتنظيم سلسلة من الوقفات داخل المؤسسات دون مراعاة لمصير أبناء الشعب الذين لا تهتم الدولة أصلا بمستقبلهم … هذا النوع من النضال هو ما ترغب الدولة في أن يتعمم حتى يصل إلى مستوى من الابتذال يجعلها قادرة على إفراغ الساحة من أي فعل نضالي وكلنا يتذكر كيف فتحت إضرابات شهر كامل الباب أمام حكومة العدالة والتنمية للإجهاز على الحق في الاضراب وتمرير نظام التقاعد ..الخ. ولا يجب أن ننسى أن الإضرابات الأخيرة تنظر اليها أجهزة الدولة الأمنية بعين الرضى لأنها تحتاط خاصة في ظل الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني من أن يلتحق التلاميذ بالمظاهرات المنددة بالتطبيع وهي في هذه الظروف تفضل الوقفات المطلبية على المظاهرات ذات البعد السياسي والقومي.

 

الكرة اليوم في ملعب بعض النقابات التقدمية التي لازالت إمكانية إنقاذها قائمة وأول ما هي مطالبة به في هذه الظروف الصعبة هو ألا تسقط في منطق المزايدة بالإضرابات لأن المدرسة العمومية مهددة في وجودها وهناك دائما مجالا لإبداع صيغ نضالية ناجعة تضمن لنساء ورجال التعليم كرامتهم بعيدا عن كل أشكال الانتهازية والشعبوية.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات