الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

قراءة حرة لمضمون كتاب، ” المثقفون المغالطون، الإنتصار الإعلامي لخبراء الكذب”لباسكال بونيفس

 

 

 

رضوان الأحمدي / محلل إجتماعي

 

هذة القراءة ليس بملخص لكتاب شدني اليه مضمونه ،بل فضاء حاولت فيه أن أوفق بين عدة مضامين لكتب تصب في نفس الإتجاه الإيضاحي لإشكالية أخدت تقلق راحتنا، ألا و هي تزييف الحقائق و النيل من مصداقيتها، التعتيم الإعلامي و فرسانه المزيفون .وعيا بما يقع، حاولت أن أحيط بمكونات ذلك الدخيل على القيم التشاركية ورافع يافطة الفردانية المتوحشة نيلا من مصداقية الأشياء .

 

بحثي إمتد الى طبيعة التضليل الإعلامي، مكونات الحجاج الدعائي التحريضي، تشكلات العنف الرمزي كما وصفه بيير بورديو، و الحاجة الى التربية الإعلامية كتحصين الإنسان ضد الهجانة والمسايرة التمييعية .

 

كتاب، “المثقفون المغالطون ، الإنتصار لخبراء الكذب” , لباسكال بونيفس ( Pascal Boniface ) هو كتاب حول ثقافة الخبث و النذالة و ارتباطها بالسياسة الذي يكون فيها طموح المثقف ضيق الأفق، ذلك المثقف الغشاش ، الكذاب، الجبان الذي يجمع بين الثقافة والجوانب المالية و حب السيطرة .

 

في التلفزة الفرنسية و هذه عادة معهودة، كل من يدعم لوبي الصهيونية و يتحامل على الإسلام و تفريغه من محتواه الروحاني مع استهداف اليسار كمحاولة لخندقته ايديولوجيا،يصبح له حظوة و شأن اعلامي قل نظيره، و اذا تجرأ صحافي أو متدخل اكاديمي انتقاد لما سلف يكون مصيره الإقصاء، و الأدهى من ذلك يلتجؤون الى شبكتهم الواسعة النطاق لإطباق الحصار عليه، و في حالات قصوى تتم تلفيق اتهامات للخصم أو المخالف يتلقفها القضاء للبث فيها، هل هناك جنحة أم لا؟ ، كما فعلوا مع المفكر طارق رمضان ضمن توليفة سينمائية فأحكموا اخراحها، و النتيجة سجن المتهم و تمريغ سمعته في الوحل.

 

المثقفون المغالطون هم شبكة تواطئية يريدون تسجيل حضورهم في كل الميادين حتى في مجال الإقتصاد و الرأسمال، كما حصل مع المتزعم للمثقفون المغالطون، لفي برناد Lévy Bernand, الذي له أسهم في جريدة ليبراسيون liberation , الجريدة اليسارية التي تحولت في كنف النظام الليبرالي الى بوق يكرس الرجعية الجديدة، تقوم أساسا على التضليل و الضحك على العقول و توجيهه بحسب متطلبات السياسة.

 

المثقفون المغالطون يلتجؤون الى نظرية المؤامرة، شماعة يعلقون فيها كل الأحداث التي تتسم بالتعقيد في عصر الإنتكاسة و فقدان الثقة في النفس. يرتكنون الى الحلول السريعة و الميل الى الإعتقاد، أن وراء كل حدث مأساوي معقد يحمل طابعا تآمريا تم تحضيره بسرية، غايته بسط النفوذ و التحكم .

 

المثقفون المغالطون يبسطون الأشياء المعقدة بإسفاف شديد، لا شيء يحدث مصادفة، كل مايقع هو نتيجة لإرادة خفية تريد زعزعة المجتمع و القضاء عليه، كل شيء مترابط لكن بشكل خفي و نظرية المؤامرة هي نتيجة الإفقار الثقافي و التجهيل المستشري، عقليتهم التآمرية كما وصفها علماء النفس، هي عقلية مرضية ترتبط بمرض الذهان النفسي Paranoia، العقلية التآمرية هي نوع من الهروب من المساءلة، طمسا للفكر الحر .

 

المثقفون المغالطون يتقنون فنون آليات التسويق، يستخدمون خطابات عنيفة للإبهار و لإظهار الحزم في قضايا تحتاج الى فتح قنوات الحوار. تراهم حتى الإرهاق الذهني في كل وسائل الإعلام يدسون الصورة ضد النسيان، يضعون شروطا و ضوابط، كل من لم يلتزم بها يكون مصيره الإقصاء. من بين تلك الشروط، الدعم اللا مشروط لإسرائيل، و التنديد بالإسلام مع تصويره كدين قروسطي لا يلائم و علمانية الجمهورية.

 

المثقفون المغالطون يروجون للأفكار العارية من الصحة و نشر الإشاعات ضد كل من يخالفهم الرأي. يحاولوا أن يقتلوا الفلسفة رغم إدعائهم بالتفلسف، استغلالا للمكانة التي تحظى به تلك العملية الفكرية، الفلسفة و تدريسها ، رأسمال المعنوي لفرنسا بإمتياز. يريدون أن يقبرونها لأنها تناهض الكذب و الغش و تجاري الحقيقة، هي عملية منطقية، إما ان تنتصر للحقيقة أو أنك تعاديها، و المثقفون المغالطون ينتعشون بالغموض و بصوابية اللغة (Eufemismo ). منعدمي النزاهة، غير دقيقين في استعمال الحجج، يتلفظون بغير الحقيقة، يشوهون المفاهيم لتحقيق مآرب الهيمنة التي يتطلعون اليها، يتوسلون مناهج خبيثة دفاعا عن آرائهم المسمومة. هم مرتزقة قيد حساب بنكي لا يؤمنون بشيء، يعارضون سلوكيات ما يجب أن يكون، ما قال السوسيولوجي ميشل ويبيوركا (Michel wieviorka ) فهو صحيح عندما انبرى قائلا ؛ ” انه ليس ممكنا أن يكذب لأنه لا يقدر أن يتحمل الكذب،”, كأي مثقف يحترم أفكاره، أما هم فلا يلقون حرج أن يكذبوا فضميرهم تسلل الى محفظتهم النقدية فترك مساحته للبهتان.

 

المثقفون المغالطون يسميهم بيير بورديو كلاب الحراسة. لا تثير قرفهم الأنظمة التسلطية، (الجمود السياسي المحاباة، الرشوة القمع و إنعدام الحريات) ، يقوضون خلسة الديمقراطية. كذلك يطلق عليهم نفس المفكر، اسم المفكرين السريعين Fast thinkers، اختصاصهم تقديم غذاء ثقافيا سريعا , الوجبة السريعة Fast food يكسبون قوة عند المواجهة، السيناريو يمنهج ،مقدم البرنامج هو الذي يملك السلطة أكثر منهم يقوم بتوزيع الأدوار و يفرض احترام القواعد اللعبة، يتحدث بلغة المراوغة و هم يعرفون أن التلفزيون مقيد بمحددات و بعلاقات تنافسية، و أنه فضاء تفاعلي تتضارب فيه القوى، هناك المهيمنون والخاضعون للهيمنة، هناك من يريد أن يغير المجال و آخرون يريد ون الإحتفاظ بالوضع الراهن. الجانب الأخلاقي لا يهم في التلفزيون و يقول أندريه جيد، أحيانا بمشاعر طيبة ينتج الأدب السيء، سطحي الإبلاغ.

 

المثقفون المغالطون يحتلون نسبة فريدة من الهيمنة، لهم سلطة التحكم في أدوات التعبير و الإرتكان الى نوع من الديماغوجية النوعية تكون معدة قبليا لإرضاء نوع من نزعة التلصص و الميول الإستعراضية، يتجه التلفزيون في بعض الأحيان الى فلاسفة النجدة، لإعطاء معنى لذلك الذي لا معنى له. التعبئة العاطفية تتم بشكل مركز و بتغذية رجعية مستهدفة Feedback .

 

المثقفون المغالطون يشكلون خطرا على الديمقراطية، يلتجؤون الى الديما غوجية ( Demagogia ) , يظهرون الأخلاق مع حجب الأهداف الأقل نبلا، يعرجون على البراهين الأخلاقية و لا يشكل ذلك إلا خدعة. يحرفون الوقائع، و لا يناقشون الأفكار بعمق، يتسلطون عوض المحاججة، يفضلون الرفض و النفي، يريدون اسكات المخالف،يتصرفون كرقباء قساة يضفون على أنفسهم حالة استيهامية ليعطون الإنطباع بأنهم موثقيين للضمانات العلمية، يحتكمون الى التضليل لتمرير أفكاره السامة و الهدامة للحضارات من أجل مركزية وهمية. يحتضنون الإنتقائية المتحيزة، يتلاعبون بالمعلومات و يقومون بترتيب الوقائع و تحليلها مع اهمال خلفيات الأحداث المولدة لوشائجها. يستخدمون مفردات معينة التي تؤدي الى أحكام مسبقة. يحاصرون الإنسان من كل اتجاهات من أجل ترويضه اضعافا لمقا ومته الكفاحية و تشتيت وعيه .

 

تتم عملية القولبة، و التنميط و تصنيع الصورة النمطية السلبية و تعني؛ إسقاط مجموعة عن السمات الكريهة و الأوصاف المنفردة على المستهدف، صناعة المصطلحات الخاصة تخطيطا، بناء اعدادا ، تسوية و استقرارا. يمرحون في التضليل بالمزج و الخلط و عدم التمييز، و التضليل أنواع كإدعاء التوازن بين رأيين، إختيار قضايا زائفة، إغراق بكم كبير من المعلومات لا يستطيع المتلقي الربط بينها و تفسيرها، التضخيم، التهوين، التخوين و التقليل من قيمة الشيء الذي يزعج الجهة المتسلطة بنفوذها، و إختيار أضعف شخصية تمثل قضية، التضليل بتكرار الفكرة الخاطئة، خلخلة لنسيج فكر المجتمعات و قيمته، مع العمل على اعاقة نهوضها، تقليل قدرة الإنسان على أن يبدل جهدا عقليا منظما لتطوير نفسه و بناء ذاته، و إستنزاف الموارد المالية للمشاهدين،يصرون على تحويل المواطن الى مشاهد، مستهلك للتفاهات، مدمن للفرقعات.

 

المثقفون المغالطون هم الرجعيون الجدد، كما استهدفهم بالتحليل المحلل السياسي دانيل ليندينبرغ Daniel Lindenberg عندما قال في كتابه ، “النداء للإنضباط بحث في الرجعيون الجدد – Le rappel d ‘Ordre, Essai sur les nouveaux réactionnaires -انهم يريدون السيطرة و بالموازاة يخونون المثل الأعلى لفرنسا، يدافعون عن قيم شاخت من فرط الإستهلاك المتعالي لفئة ضئيلة تريد الحفاظ عن امتيازاتها، يكرهون الثقافة الشعبية وينفون التنوع الثقافي، انهم من مؤيدي اسرائيل و لهم حساسية نحو الحركات النسوية ، عقليتهم عقلية ذكورية لا تقبل انزياحا ، والأسماء كثيرة سنذكر بعضهم Alain Finkielkant, Alain badiou, Marcel Gauchet, Pierre André Taguieff, Jean Claude Michéa, André Glucksman, levy Bernand, Robert Ménard. هؤلاء، يستهدفون عنفا الخصم.

 

حصل أن كاتب كتب كتاب حول طارق رمضان و قال أن في طرحه الفلسفي، طارق رمضان يماثل طرح ليفي برناد فكان مصير الكتاب الحجب لأنه أراد اأسنة الفيلسوف الإسلامي بدل من شيطانته و أنه أخل بشرط من شروط الآنفة الذكر، ألا هي، صناعة العدو المشترك، محاربة في اعتبارهم الإسلام الفاشي و اليسار الراديكالي المتشبع في اعتقادهم المزيف،بالبطش و فقدان الحريات. فكرهم، فكر عدمي كما يفهمه الفيلسوف جيل دولوز (Gilles Deleuze) , يقومون بخلط جسيم للثنائيات، يقدمون مواد ثقافية مغشوشة و سامة و يصنعون فخاخا ايديولوجيا للايقاع بمن يخالف افكارهم.

 

كارولين فورست ( Carolines Fourest) ، النجمة الإعلامية من المثقفون المغالطون أو الرجعيون الجدد، لها قوة الإقناع، تخصصت في مناوئة الإسلام لأن كل ما فعلته أنها نقلت أفكارها الجاهزة و محل اهتمامها في استغوارها للأصولية المسيحية و اسقاطها على الإسلام و نقل اصدارها القطبي المدفوع بنزوة الإنتشاء، في الوقت نفسه تستسهل الفكر الأصولي اليهودي في كتمان تطرفه و تتغاضى عنه، لها كتاب في هذا المجال تقدح فيه الإسلام و أعطته عنوان،” نزوة الظلامية)La tentation d’obscurantisme) . طريقة الدفاع عن أفكارها، أنها تنسب الى خصومها وقائع فريدة لا وجود لها، تلصق بالذي تريد مهاجمته أفكارا و مواضيعا محل استهجان أخلاقي لم يسبق للخصم أن تبناها أبدا. هي السبب أن رمضان ظل قابعا في السجن، لتحاملها عليه، استغلالا للقنوات التي أتيحت لها لكي تعدمه و هو حي، فكره المتين و النابع من فلسفة العلمانية و بالخص من الفلسفة الوجودية كان يزعجها كباقي المثقفون المغالطون. و لهذا جل المثقفون النزهاء أصبحوا يعيشون حالة رعب، يضمرون ما من شأنه يقلق المهيمنون الثقافيون خوفا من الإقبار ، بمفهومه المجازي

 

من خصائص المثقفون المغالطون أنهم يدافعون عن الحرية بوقاحة، يدغدغون المشاعر الغرائزية،و في نفس الوقت يقرون استحسانا الغزوات الغير الشرعية، مكارتيو المنهج. (انتسابا Joseph Mc macarthy) المعادي للشيوعية،و الذي قام بحملة تطهير ضد كل من اشتبه فيه بأنه شيوعي في، حملته قامت على أساس الدفاع عن زيف الأخلاق الأمريكية كحتمية قائمة بذاتها. تنقصهم الشجاعة و لهم فائضا من الجبن و الوشاية الخسة، النذالة معيارهم، الاستبداد الثقافي نهجهم، الإنتقائية خطابهم والسخط بدون تقديم البديل من صنعهم، يريدون أن يهيمون أن فرنسا في حرب وهمية ضد عدو قائم في اللاوعي يغذي الهستيرية الجماعية.

 

الحجاج الذي يستعملونه ، حجاج مغرض،يعتمد على النموذج التحريضي للإغراء، يدعو الجمهور الى المشاركة في تكوين مضمونه بطريقة ايهامية و يحول الإستراتيجية الإقناعية الى استراتيجية إغراء، انزياحات اللفظية لشد الإنتباه مع الحضور الأيقوني الطاغي و قدرته على البرهنة، ( الإستهلال، السرد، التفسير، الشكل، فك الرمز و الترميز
ما أحوجنا الى تربية إعلامية حقة التي تهتم بتكوين الإنسان و بتقوية العلاقات الإنسانية و جلب التفهم و التعاطف، رصد الرغبات و المؤثرات المحركة للفعل أو السلوك الاجتماعي على أساس التعاون و التكافل و الوعي بالظرفية. وظيفتها يجب أن تكون وظيفة الرقابة الأخلاقية و ابتكار الحلول مع ادراك معنى الأشياء، و أن تباشر على خلق قناعات سوية، تحصينا لذهنية المواطن الإبيستمولوجي؛ المعرفة و جهته و زاده. تربية إعلامية قائمة على اكتساب المهارات، و الوعي كمهارة و تشم ؛ المعرفة، الفهم، التذكر، التحليل، تركيب المضامين، و القدرة على فهم البيئة الإعلامية. الهدف من التربية الإعلامية أنها تساعدنا على فهم الذات، نحن نفهم أنفسنا من خلال من يشبهوننا و من يشبهنا يجب أن يتوفر على أخلاق عالية و فاصلة ضد كل تسويف و إستهداف….

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات