الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

ما ذنب شباب إقليم قلعة السراغنة أن يعدمهم البحر ؟

 

 

البدالي صافي الدين/المغرب

 

 

لقد ظل إقليم قلعة السراغنة منذ سبعينات القرن الماضي يتلقى الضربات القوية تلو الأخرى، ضربات الجفاف التي اغتنى من ورائها كبار التجار من خلال منحهم رخص توزيع الأعلاف على الفلاحين واستغلوا مواقعهم ليقوموا ببيعها بالأثمان التي تزيدهم إثراء على حساب الفلاحين الفقراء، كما اغتنى من وضعية الجفاف رجال سلطة من خلال أوراش الإنعاش الوطني التي لم تكن تخضع لأية رقابة ولا محاسبة، بل كانت مناسبة للكسب غير المشروع لرجال السلطة و الأعوان و الأعيان.

 

يضاف إلى السنوات العجاف ضربات سياسة التدبير العشوائي ونهب المال العام و الارتجالية في تسطير البرامج التي لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية الإقليم و طبيعته و بيئته و حاجيات سكانه وفي مقدمتهم الشباب. بل حتى مشروع الري وإصلاح الأراضي الذي كان سيغير الوضع الإقليمي تم إجهاضه، لما تم تحويل أغلب مياه السدود التي تحيط به إلى جهات أخرى، مثل مراكش و الدار البيضاء و دكالة و إلى ضيعات بنواحي مراكش، يمتلكها كبار الدولة. و من الضربات الموجعة التي يتلقاها الإقليم هو اقصاءه من الشبكة الوطنية للاستثمار في المجالين الصناعي والسياحي ليظل رهين فلاحة مرتبطة بالتساقطات المطرية و رهين مواسم الزيتون التي لا تستمر إلا خمسة شهور على الأكثر. و من الضربات التي أصابت شبابه هو حرمانه من جامعة و من مدارس عليا تستقبله و تأويه وتساهم في تنمية قدراته و تساهم في التنمية البشرية وتطوير الذات والانفتاح على المستقبل. و مما زاد الإقليم تأزما هو ما تخطط له الدولة في الانتخابات،إذ يبقى الإقليم من الأقاليم التي تباع فيه المقاعد الجماعية والبرلمانية في واضحة النهار ،لتفرز كل الانتخابات التي عرفتها البلاد، جماعات ترابية محلية و إقليمية، شابها الفساد بكل أشكاله و نهب المال العام و استغلال النفوذ و الاغتناء غير المشروع.

 

هذا الوضع البئيس جعل شباب الإقليم يهاجر كرها و قهرا بحثا عن لقمة عيش عبر قوارب الموت، هربا من ضياع العمر ومن الانتظار القاتل. فأصبح شباب هذا الإقليم، كما هو الشأن بالنسبة لشباب أقاليم اخرى، تعرف نفس التهميش، طعاما سائغا لحوت البحرين الأطلسي والمتوسط. و تحولت حياة الإقليم الى حداد دائم حيث خيام العزاء تظل منصوبة بشكل دائم لتلقي العزاء و انتظار الجثث التي تلفظها البحار. ومن الأسر من يترقب عودة ابنها حيا أو ميتا، ليبقى البحر في ذلك هو صاحب القرار .

 

في هذا السياق تأتي مأساة فقدان 51 مهاجرا ومهاجرة من منطقة العطاوية منذ ما يزيد على شهر على مغادرتهم بلدتهم في اتجاه المحيط ليقطعوه عبر قوارب الموت إلى جزر الكناري، و هو ما وعد به تجار الموت من منظمات سرية تنشط في الهجرة السرية. و الدولة تغض الطرف على ذلك. هي مأساة لا زالت تعيشها منطقة العطاوية. إن الهجرة السرية التي اشتهر بها الإقليم، على غرار أقاليم أخرى مثل خريبكة والفقيه بن صالح و بني ملال، مردها إلى إخلال الدولة بواجباتها اتجاه هذا الإقليم الذي لا يخضع المسؤولون فيه إلى المحاسبة والمساءلة و لا تشملهم المتابعات على الأخطاء الجسيمة التي يقترفونها في حق شبابه، خاصة  الذين يعانون تبعات تبديد أموال الجماعات المحلية و المجالس الإقليمية والغرفة المهنية و تبعات البرامج الفاشلة و عواقب الصراعات السياسوية من أجل الكراسي و المناصب.

 

البحر لم يصل الى إقليم قلعة السراغنة حتى يأخذ منه شبابه ، بل الزحف إليه كان أمرا مفروضا.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات