الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

الأمية السياسية هي أخطر من حرب شاملة على أمة بكاملها

 

 

البدالي صافي الدين/المغرب

 

 

لا يختلف إثنان عن مخاطر الأمية السياسية على أي بلد يعرف هذه الظاهرة. و لا يعلم كثير من الناس مخاطرها، السياسية لأنها غير ملموسة أو لها علامات يمكن ضبطها و التحكم فيها أو يمكن الحد منها أو محاربتها. فهي ليست كالأمية القرائية التي نتعرف عليها من خلال جهل للحروف المكونة للغة معينة، أو الأمية الثقافية التي سببها المدرسة المنغلقة و المتخلفة، أو الأمية الاقتصادية التي تبدو نتائجها من خلال الربح أو الخسارة.

 

الأمية السياسية هي الأشد وقعا على المجتمع من بين بنات جنسها، لأنها تعني الجهل بالواقع السياسي والاجتماعي، و مما قال عنها أحد الكتاب، وهو الكاتب جمال سلطان: “الأمية السياسية تتلخص في الجهل الشديد بالشأن العام والقوانين الحاكمة لإدارة الدولة وصناعة القرار وأدوات إدارة الصراع السياسي،” إنها الجهل المركب التي يجعل المجتمع يعيش خارج السياق العام للعالم، الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي.

 

تكون الأمية السياسية illiteracy” political” أكثر ظهورا في المجتمعات التي تعيش الاستبداد والتهميش و الفوارق الاجتماعية و قمع الحريات والإعلام المضلل الذي يجعل المواطن بعيدا عما تعرفه البلاد من تفاعلات سياسية وتحولات على مستوى المشاركة في الشأن العام المحلي و الوطني. إنها الآفة السياسية التي تجعل من المواطن عنصرا معزولا عن دوائر صناعة القرار السياسي و مسلوب الإرادة التشاركية السياسية الحقيقية بكل مستوياتها.

 

حينما تعم الأمية السياسية وسط المجتمع يكون النظام السياسي في وضع أكثر استبدادا. و يسعى الى ترسيخها حتى تعود سلوكا يوميا و عملة رائجة في جميع الحقول السياسية و الثقافية و الاجتماعية و تصبح الضمانة الحقيقية لاستمرار الاستبداد وطغيان الفساد والمفسدين.

 

حينما تسود الأمية السياسية يتعطل وعي الشعب و تضعف قدرته على التمييز بين الحق و الواجب و بين الطيب والخبيث ،كما لم يعد واعيا بدوره في المشاركة السياسية و يتحول الى مستهلك لما يروج من أخبار زائفة و من وعود كاذبة. ومن الخطورة مما كان هو حينما يكون الأميون السياسيون هم اللون البارز في جسم الأمة وهم الذين يتبوأون المناصب العليا في البلاد و يرسمون خارطة المؤسسات الدستورية، و منهم تتشكل الأغلبية و المعارضة في نفس الوقت، فهؤلاء لا يفعلون إلا ما يؤمرون خدمة للطبقة السائدة و لصوص المال العام والثروات الوطنية . و في هذا السياق تضيع البلاد من خلال مشاريع يطبعها هاجس المصلحة الخاصة و لا تخدم إلا أصحاب المال و الرأسمال الأجنبي و يضيع الشعب لأنه صار غريق الأمية السياسية.

 

وإذا ما اعتبرنا بأن السياسة هي” فن الممكن” أو أنها ” فقه تطوير الأمم” فإن الأمية السياسية لا تساعد على فهم واقع المجتمع ومتطلباته و ميولاته و ما تعرفه الأمم من تحول مستمر. إن الأمية السياسية لا تساعد على امتلاك أدوات التحليل و تفسير الأشياء وفق منظور علمي . و إن بلادنا كسائر البلدان التي تنعدم فيها الديمقراطية الحقيقية تتربع على أرجائها آفة الأمية السياسية التي تصيب حتى الذين يتحملون المسؤولية ،حيث تجدهم يتعاملون مع الوضع بعشوائية في التخطيط و الارتجالية في البرمجة و في البناء و التعمير .و يجهلون فن التدبير و التسيير و العلوم الحديثة التي تساعد على خدمة التنمية المستدامة وعلى وضع قضاء واعد و قوي. فهم لا يملكون الاستعداد الفكري لقراءة الواقع الاجتماعي و السياسي و العلاقة الجدلية بينهما، و لا يستطيعون التعاطي الإيجابي مع الواقع السياسي الداخلي والخارجي، لأنهم يجهلون الفرق بين التدبير المعقلن و سلطة التدبير المزعوم.

 

وبالتالي لا يمكنهم إدراك البديهيات السياسية المتعلقة بحقوق المجتمع. لأنهم لا يعتبرون الحقائق الاجتماعية والتاريخية والحقائق السياسية وتطورها . و يظلون رهائن الخطابات الديماغوجية و متأثرين بمسالك البراغماتية السياسية المدمرة لبنية التطور الفكري و للعقل وبالتالي يكون الشعب ضحية مظاهر الأمية السياسية التي تساهم في تنامي مظاهر الفقر والبؤس الاجتماعي ومظاهر الفساد المالي والأخلاقي والإداري.

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات