أقصوصة.. الأطلال
محمد امباركي – وجدة
يوم سبت مشمس…أمواج البحر تتلاطم في هدوء ووداعة…ترك “عوتو” زوجته وطفله على شاطئ البحر وذهب كي يقتني مأكولات للغذاء…في الطريق إلى المطعم تراءت له حانة قديمة مكتوب على واجهتها ” الأطلال”…دخلها دون تردد وهو يقول لنفسه ” احتساء قليل من جعات باردة إثارة لشهية الأكل قبل الغذاء، ثم فيه استعادة لزمن شبابي بامتياز حيث كانت هذه الحانة ” التاريخية” القبلة المفضلة له ولشباب جيله”…وهي معروفة بحانة ” البلعوشي” أكثر من لقب ” الأطلال “…حجز له مكانا في ” الكونتوار” ثم طلب ثلاث جعات باردة ومن النوع الأرخص…تأمل وجوها صامتة لرجال أغلبهم يتجاوز الخمسين سنة يقارعون الخمرة في منتصف النهار…عددهم قليل جد، معظمهم يجلس وحيدا إما يتأمل الزجاجات فوق الطاولة أو يداعب هاتفه النقال بحثا عن حلم مؤجل أو نافذة تواصلية أبعد…لم يكسر ذلك الصمت غير دخول امرأة تبدو في عقدها الأربعين وهي تنادي على عمال الحانة كي يساعدوها في إدخال صناديق من ” العتاد الكحولي ” الى الداخل…قال أحدهم إنها صاحبة الحانة…قوامها الرشيق أثار انتباه الزبناء الذين هجروا هواتفهم وظلت عيونهم مشدوهة إلى صاحبة الحانة، ترتدي بنطلون ” جينز” ضيق ملتصق بجسدها الممشوق وقميص كاشف عن نهديها الفارهين…لم يهدأ لهم بال ويعودون إلى عالمهم الصغير إلا بعد أن غادرت المرأة الحانة…” باطرونا قولا وفعلا” قال أحدهم…
لما انتهى “عوتو” من التهام قنيناته الثلاث بعجل وأدى ثمنهم مودعا النادل الشاب بكرم، اتجه مباشرة إلى مطعم مجاور لطلب السندويشات…وهو منغمس في قراءة دفتر المأكولات قال لصاحب المطعم ” آه نسيت نظارتي الطبية بالمقهى، لا أتمكن من رؤية المكتوب، سأعود فورا”…في نصف الطريق إلى الحانة مسرعا، توقف برهة ثم تفقد عينيه فوجد النظارة في مكانها آمنة…ثم عاد واستكمل طلبيته…في انتظار أن تجهز المأكولات تذكر عتاب زوجته له والذي تكرره على مسامعه في كل مرة وحين : “لماذا تسرع يا عوتو؟.”..ثم اقتنع مرة أخرى أن الجعة والسرعة خصمان لدودان، وقرر أن يستدرك ما فاته عبر ليلة أنس ” سبتية” هادئة رفقة أسرته الصغيرة هروبا من الأمكنة القديمة والحنين إلى ” زمن مفقود” أصبح شبيها بأطلال هجينة..
السعيدية يونيو 2023