“البيبليوثيرابي” bibliotherapy
أو التداوي بالقراءة
محمد السميري – المغرب
على هامش تنظيم وزارةالشباب والتواصل للمعرض الدولي للكتاب في دورته الثانية لسنة 2023 بمدينة الرباط ،يتبادر أكثر من سؤال حول جدوى القراءة واهميتها من الناحية النفسية. فقد كشفت دراسات قام بها باحثون أمريكيون تقول بأن القراءة يمكن أن تزيد من التواصل بين خلايا الدماغ، وربما تخفض خطر أمراض الأعصاب، وقد تقلل مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68 في المائة، وتتفوق على وسائل أخرى للقضاء على الإجهاد مثل الاستماع إلى الموسيقى أو الذهاب في نزهة سيرًا على الأقدام.
في هذا اطار وفي أهمية علاقة القراء بالذات نود ان نطرق موضوعا لازال بكرا، بعيدا عن دائرة اهتمامنا ،والذي يكاد يكون غائبا ونسيا منسيا.يتعلق الامر فيما يصطلح عليه “العلاج بالقراءة” .
فحينما فاز الروائي الأمريكي بول اوستر،المولود في الثالث من فبراير1947 بجائزة “امي اوستورياس” للآداب 2006 ،تسأل خلال كلمته التي ألقاها في حفل تسلمه الجائزةعن فعل الكتابة،والجدوى من ورائها،ليؤكد ان الكتابة هي ما يمنحنا هويتنا كبشر،وأن سحر القصص يكمن في انها تجرك الى أعماق الجحيم دون ان تؤديك في نهاية الامر،بل تدفعنا لمواجهة مخاوفنا.
من هنا يمكن اعتبار القراءة ذات ابعاد متعددة،تتداخل فيها المعرفة والمتعة ومجابهة المخاوف،والعلاج بالقراءة احد زوايا الوقاية من المخاوف،الخوف من الواقع،الخوف من المجهول،وهذا ما يجعل من القراءة علاجا ووقاية من الامراض.
و قد عرفت البشرية عبر التاريخ العلاج بالقراءة،فالمصريون نقشوا على مكتباتهم عبارة”هنا بيت علاج النفس”وانتقلت الى البابليين والآشوريين ثم الى الرومان واليونان،فقد تعاملت الحضارة القديمة مع القراءة ليس فقط كوسيلة للمعرفة بل أيضا كوسيلة للشفاء،وفي تراثنا العربي القديم يروى انه لما مات جعفر بن جعفر المنصورن مشى ابوه في جنازته من المدينة الى مقابر قريش،ومضى الناس معه حتى دفنه،ثم انصرف الى قصره،وأقبل على الربيع فقال:يا ربيع انظر من في أهلي ينشدني:
“أَمِنَ المنُون ورَيْبِها تتوجعُ * والدهرُ ليس بمتعِبٍ من يجز عُ”
حتى اتسلى بها عن مصيبتي، ففي هذه القصة او الحادثة وجدنا “المنصور”يطلب من يسمعه قصيدة ليخفف بها عن مصيبته واكتئابه.اما حديثا فيعود تاريخ تقديم خدمات العلاج بالقراءة والكتاب في المستشفيات الغربية على نطاق واسع الى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الامريكية.وقد اشتهر الأمريكي بنيامين روش بأنه اول من أوصى بالقراءة في علاج المرضى،وكان ذلك عام1802 .
وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، تم استخدام العلاج بالقراءة لمساعدة الجنود الناجين من الحرب على معالجة الاضطرابات الجسدية والنفسية التي يعانون منها إثر أهوال الحرب التي مرّوا بها .
واذا امعنى النظر في مصطلح”bibliotherapy” نجد انه مكون من مقطعين يونانيين:
الأول(biblion) ويعني “كتابا”،والثاني (therapia) ويعني “التداوي او العلاج” ويعني هذا المصطلح بأنه احد اشكال العلاج التدعيمي التي تجري فيه عملية اختيار لعدد من القراءات الموصى بها لتحقيق اهداف بعينها.
ويمكن الإشارة الى مجموعة من الروايات ذات البعد العلاجي النفسي مثل:
إدمان الكحول (البريق- ستيفين كينج).
الطموحات العالية (توقعات عظيمة– تشارلز ديكنز).
الغضب (الشيخ والبحر- إرنست هيمنغواي).
القلق (صورة امرأة- هنري جيمس).
فقدان الشهية (الفهد- غوسيبي توماس دي لامبيدوسا).
العجرفة (جين أوستن- كبرياء وهوى).
الخوف من التقدم بالعمر (سلمان رشدي- أبناء منتصف الليل). الإفلاس (غاتسبي العظيم- ف.سكوت فيتزرجاريلد).
تدمر الأحلام (قداس الحلم- هيربيرت سيلبي جونيور).
انكسار القلب (جاين أير- تشارلوت برونتي).
اللامبالاة (أنتوان دي سانت إكسوبيري).
الخوف من الالتزام (العمى- خوسية ساراماغو).
الجُبن ( أن تقتل طائراً محاكياً- هاربر لي).
الذنب ( الجريمة والعقاب- فيودور ديستويفسكي).
وهي من اقتراح الخبيرتان الانجليزيتان ايلابيرثود وسوزان ايلدكرين ، واللتان تعملان فيما يسمى”مدرسةالحياة”وهي مؤسسة علاجية يوجد مقرها بلندن تقوم بجلسات علاجية بواسطة الروايات.