الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مستقبل الوطن

بين تعقل الدولة والعقل الأمني

 

 

عبد المولى المروري – المغرب 

 

لطالما أقضي الساعات الطوال والليالي ذوات العدد وأنا أتأمل واقعنا السياسي والاجتماعي والحقوقي، وما يعيشه من تأزم واحتقان واختناق.. وأتساءل بألم وحرقة، لماذا كل هذا؟ هل هناك مبرر معقول وسبب جاد يفسر كل هذه المآسي والآلام والأحزان؟ إلى أين يسير هذا الوطن مع كل هذه الأثقال والأحمال على ظهره، وهذه الأحزان المتكدسة في قلوب أبناءه، وهذه الهموم والكربات التي تطوقهم من كل الجنبات؟ هل هناك وجهة واضحة وهدف محدد؟ لا أحد يدري، نسير جميعا وبخطى متسارعة نحو الكارثة، نغوص في الظلام بلا نور، ونغرق في المياه الآسنة بلا وسائل إنقاذ، ونهوي في أعماق المجهول بلا مظلات..

 

لابد من لحظة تفكير وتأمل جماعي، نترك خلفنا كل الخلافات، كل الحسابات، كل الأحقاد والضغائن، ففي مجموعها لا تعني إلا المهالك والمصائب التي تتربص بالوطن وأهله، ولا تساوي إلا الخسائر التي نؤدي ثمنها جميعا، مؤسسات وأفراد، دولة وشعبا، وهي النهاية التي سيضيع فيها الجميع، وينهزم فيها الكل، وأكبر خسائرنا ستكون في الوطن، بعد أن نخسر قيمنا وأخلاقنا وإنسانيتنا.

 

هل يخفى على أحد حال هذا الوطن الآن؟ الكل يشكو ويئن، الكل يصرخ ويبكي، الكل مصدوم، والكل مكلوم، والكل يائس، تعددت المصائب، وتكاثرت الأهوال، وتعقدت الأوضاع، بلا حل في الأمد القريب، بلا أمل في الآجل أو العاجل، بلا ومضة نور في نهاية النفق..

 

لا ماء يطفئ لهيب الأسعار، ولا رياح الحرية تهب إلى من هم خلف الأسوار، ولا كلام رسمي يحيي الأمل في النفوس اليائسة ويبعث الحياة في القلوب البائسة، فإلى متى يبقى العقل الأمني على هذا الإصرار؟

 

من ضد من؟ كلنا أبناء هذا الوطن المسمى المغرب .. سماؤه تظلنا، ماؤه يحيينا، هواؤه ينعشنا، أرضه تحملنا، فنحن جميعنا ننتمي إلى هذه الأرض، منها خرجنا، وفيها نبتنا، وإليها سنعود، وتحتها سندفن.. ألا يكفي هذا المشترك من الخير والنعم أن يبر بعضنا بعضا، ونتوافق على كلمة سواء، أن نخدم جميعا هذا الوطن، ونخلص إليه، ونفرغ فكرنا وجهدنا في تنميته وإعماره، في أجواء الحب والسلام؟ ولمصلحة من كل هذه الصراعات والنزاعات؟ ومن المستفيد من قمع الحريات واعتقال ذوي الرأي والتشهير بالشرفاء؟ لماذا كل هذا العنت والعناد؟ وإلى أين سيؤدي؟

 

هنا، والحالة هاته، لم يعد الرشد حكمة، بل أصبح ضرورة، ولم يعد الحلم شهامة، بل أصبح حاجة، ولم يعد العفو مكرمة، بل أصبح وقاية.. نعم، الحق.. والحق أقول، لم يعد الوضع يحتمل.. لم يعد يحتمل المزيد من الاحتقان، لم يعد يحتمل المزيد من الاختناق، لم يعد يحتمل المزيد من العناد، لم يعد يحتمل المزيد من التأجيل.. فالفرار من الوطن يكون بسبب الذل الاجتماعي، والانفجار الاجتماعي يكون نتيجة الضغط الأمني، وخراب الوطن هو رديف الظلم السياسي، فهل هناك رجل رشيد؟

 

يا أصحاب الرشد والحكمة، يا أصحاب العقل والفطنة، هذه لحظتكم، هذا وقتكم، هذا دوركم، هذا واجبكم من أجل إنقاذ الوطن، بالكلمة الصادقة، والنصيحة الصريحة، فلا حق لكم في الاختباء وراء الصمت، فلم يعد الصمت جُنّة، بل أصبح خيانة، وأنتم ترون الشباب يفر ويهاجر أمام أنظاركم، وترون الأحرار يحاكمون ويعتقلون أمام أعينكم، وترون الوطن ينهار أمام أبصاركم، فأين بصائركم؟ وأين شجاعتكم؟ وأين تاريخكم؟ وأين نضالكم؟

 

حان الوقت من أجل إقرار قرار تاريخي وشجاع، يحمل من الحكمة ما يكفي لإنقاذ الوطن، ويحمل من الرشد ما يكفي لبعث الأمل في أوصال هذا الوطن، ويحمل من الخير والأمل ما يكفي لإعادة الابتسامة لوجوه أناس أنهكهم الانتظار، وأهلكهم فراق الأحبة، هو إجراء صغير، ولكن يحمل من الخير الكثير والأمل الكبير ما لو وزع على أهل هذا الوطن لكفاهم جميعا.. إنه العفو الشامل عن كل معتقلي الرأي والحراك، عفو شامل من أجل مغرب جديد، من أجل وطن يسع الجميع، بلا حقد، بلا ضغينة، بلا حسابات فارغة أو تربصات تافهة.. ففي نهاية المطاف نحن من هذا الوطن وإليه..

 

فلنخرج من العقل الأمني إلى تعقل الدولة..

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات