على هامش الانتخابات البلدية والجهوية بإسبانيا:
المشاركة السياسية وجدل المواطنة
شاكر بوعسل/اسبانيا
28 مايو كان يوم الانتخابات المحلية والجهوية في اسبانيا التي ستفرز عنها الحكومات البلدية والجهوية التي سيسند لها مسؤولية تسيير الشأن المحلي والجهوي ومسؤولية التنمية المحلية اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا حسب الاختصاصات التي يخولها لها الدستور.
لن أدخل في تحليل نتائج الانتخابات ولا الفائز فيها بقدر ما يقلقني أكثر الجواب على أسئلة جوهرية وأساسية في هذه العملية الديمقراطية: ما هو فهمنا للمواطنة وكيف نمارسها؟ وماهي طبيعة الخطاب الذي يوجه الينا في هذه المناسبات سواء من طرف الأحزاب السياسية أو حتى من بعض المرشحين وخصوصا من أبناء جلدتنا أو القائمين على الحملات الانتخابية؟
لقد تعمدت أن أكتب هذا المقال بعد عملية التصويت حتى نضع المسافة الكافية عن أي تأويل خارج سياقه عندما نسمي الأمور بمسمياتها.
فالمواطنة كما أفهمها لغة هو مصطلح مشتق من الوطن وهو المكان الذي يقيم فيه الانسان سواء ولد فيه أم لم يولد فيه. واصطلاحا هي العلاقة المتبادلة بين الافراد والدولة التي ينتمون اليها ويقدمون لها الولاء، ليحصلوا فيما بعد على مجموعة من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتعرف كذلك بأنها علاقة بين الفرد والدولة يحددها القانون بما تتضمنه من حقوق وواجبات.
رغم تعدد الثقافات والعقائد والقيم والمبادئ بين المجتمعات، إلا أن هناك مجموعة من المقومات الأساسية والمشتركة للمواطنة بين بلد وآخر وهي كالآتي:
المساواة وتكافؤ الفرص:
يجب التساوي بين جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات واتاحة الفرص أمامهم باختلاف عقائدهم الدينية ومعتقداتهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية حيث يمكن تحقيق ذلك بوجود ضمانات قانونية وقضاء عادل ونزيه ينصف كل من تعرضت حقوقه للانتهاك.
المشاركة في الحياة العامة:
وتنبني على وجوب فتح المجال للمواطنين جميعا وبدون استثناء في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، بدءا من حق الطفل في التربية والتعليم، مرورا بحرية الأشخاص الفكرية وحقهم في الاستفادة من الخذمات العامة ومشاركتهم في مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية وانتهاء بحقهم في الانخراط بحرية في الأحزاب السياسية وباقي المنظمات والمؤسسات الاجتماعية والمدنية وتولي المناصب العليا والمشاركة في صنع القرار.
الولاء للوطن:
تسمو علاقة الفرد بوطنه عن أية علاقة أخرى، ولا تنحصر في الجانب العاطفي والشعور فقط بالولاء، وانما ادراكه من خلال الاعتقاد الدائم بأهمية التقيد التام بالالتزامات والواجبات تجاه الوطن، والشعور بأهمية التقيد التام بالالتزامات والواجبات تجاه الوطن، والشعور بالمسؤولية لتحقيق النفع العام وبأن كل فرد معني بخذمة وطنه وتنميته والرفع من شأنه.
أين نحن من هذا؟؟؟؟
عندما نقول ’’ نحن’’ فإننا نطرح إشكالية معقدة نفسيا ووجدانيا أكثر منها قانونيا.
هل نسمي أنفسنا الجالية المغربية بإسبانيا؟
هل نسمي أنفسنا الاسبان من أصول مغربية؟
هل نسمي أنفسنا المواطنين المغاربة في اسبانيا؟
أم نسمي أنفسنا نحن المواطنين؟
بطبيعة الحال الوضع مختلف من شخص الى آخر ومن مجموعة الى أخرى، سيكون الأمر سهلا قانونيا أن نتحدث عن المواطنين في اسبانيا بغض النظر عن وضعيتهم الإدارية إذا كانت لهم نفس الحقوق والواجبات، وهذا الأمر لم يتحقق بعد وهو مركز نضال الفعاليات الجادة في الهجرة وغنيمة الانتهازيين من المؤسسات والأفراد المتخصصين في الاستثمار بهذا المطلب، لجني كل المكاسب الفردية والشخصية على حساب المهاجرين الذين يعتبرون عمليا واجرائيا مواطنين من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة.
إذا سمينا أنفسنا المواطنين المغاربة في اسبانيا فنحن نتحدث عن الأغلبية الساحقة من المواطنين من الدرجة الثانية والثالثة الذين يساهمون في التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلدان الإقامة وبلدان الأصل والمحرومين من حق المشاركة السياسية، لعدم تفعيل مبدأ المعاملة بالمثل، المطلب الدستوري الذي يتجنب الكثير من القوى السياسية داخليا وخارجيا الحديث عنه بجرأة وشجاعة.
أما إذا سمينا أنفسنا الاسبان من أصول مغربية فإننا بشكل مباشر وغير مباشر نعطي لأنفسنا درجة أعلى من باقي المغاربة المقيمين بإسبانيا ونعتبر أنفسنا متميزين، لا لشيء، فقط لأننا نحمل الجنسية، وان كنا بعيدين كل البعد عن التأقلم الطبيعي في مجتمع جواز السفر، ولا أقول مجتمع الإقامة قصدا، لغياب الإحساس الوجداني الحقيقي بالانتماء الى هذا البلد أو هذا الوطن. وهذا ما يجعلنا بشكل طبيعي كتلة انتخابية وأكياس من الأصوات التي تراهن عليها كل الخطابات الزائفة وكل الوصوليين من مختلف التوجهات والمشارب السياسية لكسب الرهان سواء بالتظاهر الى جانبها أو ضدها.
في إطار دفاعنا عن المواطنة الكاملة والدفاع عن المساواة في الحقوق، نضم صوتنا الى كل الأصوات التي تشيد بالمشاركة الفعلية في تسيير الشأن العام للوطن الذي نعيش فيه من منطلق الاهتمام بمشاكله وقضاياه العامة، ومن منطلق الدفاع عن مصالحه، كما نشيد بضرورة النضال من أجل تحقيق المواطنة الكاملة للجميع بدون استثناء. لكن ما نرفضه هو غياب الرؤية الواضحة للمجتمع الذي نعيش فيه والديماغوجية في الخطاب وازدواجية الانتماء. وهذا ما لمسناه بشكل واضح في خطاب مجموعة كبيرة من المرشحين الذين لا يفرقون بين تسيير الشأن المحلي والجهوي والالتزام بقضايا محيطه الجغرافي، ليقتحم أحيانا حقل مواضيع وقضايا أكبر حجما تتعدى نطاق الاختصاص، فقط لدغدغة العواطف بشكل مغلوط.
حتى لا أغوص في الأمثلة الكثيرة يكفي أن نشير أن هناك من كان يقدم نفسه وكأنه المنتخب الوطني الذي سيدافع عن مصالح الجالية والبلد الأم وقضاياه الاستراتيجية، ضاربا بعرض الحائط قواعد العملية الديمقراطية والجنسية التي يحملها ومصداقية الخطاب الذي يمارسه ويعبئ له، لنخلص الى زيف الخطاب وضعف الممارسة السياسية التي لا تقود الى التراكم في هذا المجال، كما لا تساعد على تحسين صورتنا كمواطنين نريد بالفعل أن نساهم بشكل إيجابي في رفاهية المجتمع الذي نعيش فيه، كل من موقعه وعلى حسب طاقاته وامكانياته.
لا أريد أن أكون سوداويا في التعاطي مع هذا الموضوع، لكننا مازلنا نفتقد الى نماذج ناجحة نقتضي بها في اسبانيا، باعتبار أن الأطر القليلة التي استطاعت أن تتعدى الشريط الأول للوصول الى المؤسسات التمثيلية لم تذهب بعيدا في بناء نموذج إيجابي، بل نموذجا استغل قربه من مراكز القرار ليغيب عن القضايا الأساسية ويبرز فقط في الإفطارات الرمضانية والأعياد والحفلات الفلكلورية وما خفي أعظم.
هذه دعوة مفتوحة لفتح نقاش جدي وشجاع في أسئلة الذات و المواطنة في أفق بناء نموذج يحتذى به.