الفينيق ميديا

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

هل بقيت مساحة لتحمل المزيد من الإهانة؟

 

عبد المولى المروري – المغرب

 

فبعد المتابعات والمضايقات المستمرة، ثم التهم السريالية والمحاكمات المارطونية، وحملات التشهير والتنكيل المرافقة والمستمرة إلى اليوم، والأحكام القاسية والثقيلة .. ومع مواصلة حملات التشهير والتشويه التي احترفتها وسائل الإعلام المشبوهة برعاية رسمية .. أمام كل هذا وذاك .. هل بقي مكان أو مساحة صغيرة للمزيد من الإذلال والإهانة ..؟

 

المتأمل لمسار الاستهداف الممنهج الذي يلاحق معتقلي الرأي والحراك والصحافة .. يلاحظ أن الأمر لا يتوقف عند سجن هؤلاء وسلب حريتهم .. بل لن يساوره شك أن هذه الحملات الممنهجة والمسعورة لا علاقة لها البتة بتلكم التهم الخيالية التي استعملت ضدهم لتبرير محاكمتهم واعتقالهم ..

 

إن ما يعانيه المعتقلون (توفيق بوعشرين، عمر الراضي، وسليمان الريسوني، ناصر الزفزافي، سعيدة العلمي، النقيب محمد زيان…) هذه الأيام من تضييق وحرمان من حقوق أساسية وطبيعية، يجعل المتتبع يقف على أرض اليقين بأن الأمر يتجاوز بكثير تلك التهم الغريبة، ويقتنع تماما أن هذه الممارسات هي تعبير واضح عن حقد دفين ومتأصل صادر عن جهات ترفض الكشف عن نفسها .. وتستفرغ مخزونا فائضا من الانتقام على ما تبقى عند المعتقلين من مساحات قليلة وضيقة من الكرامة التي يتم إهدارها في كل مناسبة وبإمعان شديد، كي تسلبهم ما تبقى منها .. وتفرض عليه العيش والاستئناس بالممارسات المذلة والحاطة بالكرامة.. تارة باستعمال الأمن، وتارة بتوظيف القضاء، وتارة باستغلال الإعلام.. وأخيرا، وبعد إحكام القبضة، استعمال السجون والمعتقلات من أجل إتمام المهمة بهدف الاغتيال الرمزي لهؤلاء المناضلين .. وإعطاء العبرة الكافية لمن هم خارج أسوار السجن من “المتمردين” .. ولتذهب تقارير المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية إلى الجحيم .. ولا بأس من وضع القانون تحت الأقدام ..

 

هل بقيت مساحة عند كل معتقل من هؤلاء تتحمل كل هذه الأشكال من الإهانات .. ماذا بعد اشتراط زي السجين والأصفاد على توفيق بوعشرين وعمر الراضي من أجل الاستفادة من حق الذهاب إلى المستشفى؟ فلا يهم خطورة المرض وما قد يسفر عن تأخر العلاج من مضاعفات ومشاكل صحية قد يصعب تداركها .. فارتداء خرقة من الثوب ترمز إلى السجن، مع يدين مكبلتين في الأصفاد ترمز إلى الاعتقال أهم من صحة السجين نفسها.. فالصحة والحياة لا تساوي شيئا أمام خرقة من الثوب وأصفاد من حديد .. الأبعاد الرمزية لهذا الموقف أبلغ من أن تكتب عنها كتبا ومقالات .. هي صورة مصغرة ومعبرة لموقف الدولة من المواطن .. ومنهج سلطوي انعكس بوضوح على سلوك المندوبية العامة للسجون ..

 

الأمر نفسه مع ناصر الزفزافي الذي منع من جرائده، ومع توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني الذين منعوا من كتبهم ومذكراتهم .. وهو موقف مليء بالكثير من الرموز والدلالات، يعكس تخوف الدولة من انتشار الفكر والثقافة .. فما عسى أن يفعل سجين وهو في زنزانته، وما هي الخطورة المحتملة إذا ما خُلِّي بينه وبين كتبه ومذكراته.. إن هذا المنع المنهجي هو فقط تعبير صادق من الدولة عن كرهها للفكر والثقافة .. وحقدها عن المثقف الموضوعي والمفكر المتنور.. سواء كان حرا طليقا .. أو مسجونا وراء القضبان .. لا يهم من هو؟ وأين هو ؟ وكيف هو؟ المهم يجب ألا يقرأ .. ولا يفكر .. ولا يكتب شيئا خارج الإطار الموجه والمتحكم فيه .. فقد يخرج شيء من الفكر – لا قدر الله – من وراء القضبان وينفلت من الحراسة المشددة إلى عموم الناس فينحرف فكرهم الذي حددت سقفه الدولة، وتسوء أخلاقهم التي وجهتها الدولة بالشكل الذي يخدم مشروعها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي.. ويبدؤوا في طرح الأسئلة المزعجة والمواقف المرفوضة ..

 

لذلك، على الدولة أن تتخذ كل الاحتياطات اللازمة، فلا مجال للتساهل مع الكتب والجرائد والمذكرات .. لتضمن أدنى مستوى منخفض من الوعي والنضج المتحكم فيه وسهل الانقياد، ولا بأس أن يموت كل ذي فكر وثقافة ببطء شديد تحت التعنت والإهمال الطبي حتى يطويه النسيان وتختفي تلك الحجرة الصغيرة الموجودة في حذاء الدولة، التي تعيقها على السير بسرعة نحو مشاريعها الكبرى .. فكل النداءات والإدانات لن تحرك شعرة واحدة من رأس الدولة العنيد..

 

إلا أنني لا أعتقد أن يتنازل هؤلاء عن كرامتهم .. فالكرامة ليست مخزونا ينقص باستمرار الذل والإهانة عند هؤلاء، الكرامة كيان حي متجدد، له قدرة على الاستمرار تحت أي ظرف.. وله قدرة على الصمود تحت أي ضغط، وله قدرة على العيش حتى بعد موت صاحبه.. لقد عرف أولئك المعتقلون الاستثنائيون كيف يصنعون كرامتهم.. وكيف يحافظون عليها حية مضيئة.. وكيف يدافعون عنها بقوة واستماتة .. لذلك فقدرة تحملهم كبيرة جدا.. أكبر من أن يتصورها أعداء الحرية والكرامة، السبب ببساطة؛ لأن هؤلاء أصحاب رسالة نبيلة .. وقضية عادلة ..

لذلك ، وإن ماتوا .. فأرواحهم خالدة ..

Facebook
Twitter
LinkedIn
Pinterest
Pocket
WhatsApp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

لا تفوت أهم المقالات والأحداث المستجدة

آخر المستجدات