الاستثمار بين اللعبة و شروط بناء اللعبة
بقلم : محمد أمين سامي – المغرب
خبير في الاستراتيجية وقيادة التغيير
التنمية أكبر تحدي من التحديات الماضية والحاضرة و المستقبلية، فكل حقبة تاريخية عرفت نوعية معينة من التنمية، فالحقبة التاريخية الأولى كانت الفلاحة هي الأساس و ركيزة التنمية الأساسية، فيما شهدت الحقبة التاريخية الثانية تطورا ملحوظا هالة بعد اكتشاف الطاقة الأحفورية أصبحنا نتكلم عن التنمية الصناعية و الصناعات البترولية و معها تطورت الصناعات و الخدمات و اصبحنا نتكلم عن الصناعة الغذائية، …. فيما عرفت الحقبة التاريخية الثالثة تحولا كبيرا و شهدت طفرة نوعية في مجال التنمية خاصة بعد اختراع الحاسوب و دخول عالم الرقمنة فتحولت الصناعات بشكل كبير و تطورت الوظائف و شهدت الاستثمارات تطورا ملحوظا و ظهرت فرص جديدة للاستثمار في مجال أصبح أكثر حيوية و استراتيجية و بالتالي تطورت التنمية لتواكب الموجة الحضارية الثالثة، و نحن اليوم على مشارف الحقبة التاريخية الرابعة و التحول الرقمي المبنية على إقتصاد المعرفة و الرقمنة بشكل كبير و أصبحت اليوم البيانات الضخمة و الرقمنة الوقود الذي يحرك التنمية و يسرعها على مختلف الأصعدة. فأصبحنا نتكلم عن التنمية المستدامة و الثقافية و الاقتصادية و الرياضية و الاجتماعية و الصناعية و السياحية و الفلاحية و… إلى غير ذلك من مختلف أنواع التنمية و ظهرت مؤشرات و قياسات مرتبطة بقياس كل نوع من انواع التنمية ناهيك إلى برامج عمل و استراتيجيات وطنية و دولية و عقد شراكات و اتفاقيات دولية و وطنية و تقديم امتيازات و شروط خاصة و تفضيلية و تشجيع الاستثمار المحلي و الأجنبي كل هذا من أجل تحقيق التنمية بمختلف مستوياتها.
ان الاستثمار هو الوقود و المحرك الأساسي و الاستراتيجي للتنمية فهو محرك للصناعات و الخدمات برمتها و أكبر دليل على ذلك هي الحروب و الازمات المصطنعة التي تساهم في تحريك الاستثمار و تطوير قطاعات حيوية على حساب قطاعات أخرى، فالحروب محرك أساسي و مصيري لتطوير الصناعات الحربية و العسكرية و دفع العديد من الدول و المنظمات لشراء المزيد من العتاد العسكري للحفاظ على أمنها و استقرارها في مواجهة التحديات المستقبلية، كما تعتبر الحروب محركا استراتيجيا لقطاع البناء و البنية التحتية حيث تساهم بشكل فعال في تطوير قطاع البناء و البنية التحتية و ظهور فرص جديدة للاستثمار و تطور شركات جديدة و… كما يستفيد قطاع السيارات و اللوجستيك و الفلاحة و الصناعة الغذائية و الصناعة الدوائية … من الحروب و الازمات فهي المحرك الأساسي للاستثمار.
ان اغلب المستثمرين الماكرين يستثمرون في شروط بناء اللعبة و لا يستثمرون في اللعبة لأن هدفهم الأساسي هو السيطرة و التحكم في القطاع المستثمر فيه و تحديد شروط اللعب فيه، فهم لا يلعبون بل يضعون شروط اللعب و بذلك يحققون أكبر المكاسب بدون عناء لأن تلك الشروط تحقق لهم مكاسب مالية بمليارات الدولارات دون عناء فهم لا يبحثون عن التسويق من أجل رفع رقم المعاملات أو تطوير خدمة أو منتوج من أجل تعزيز المكانة التنافسية أو البحث عن الجودة،… كل هذه الأمور بالنسبة لهم تافهة ولا قيمة لها وهذه الأخيرة تشكل حواجز بالنسبة للاعبين المزيفين في الملعب أما اللاعبين الحقيقين فهم يقومون بصنع اللعبة والملعب وأدوات اللعب واللاعبين الظاهرين أما اللاعبين الحقيقيين فهم صانعو الألعاب ومحركو الدمى فما نراه اليوم من صراع وتنافس في مختلف المجالات هو صراع الوكلاء المحليين وليس صراع اللاعبين الكبار.